ما إن اعتقدنا بأننا خرجنا من الأزمة...
كان اقتصاد المملكة المتحدة يتعافى من أكبر ركود له في السجل الحديث، إذ نما بنسبة 20 في المئة تقريباً بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز).
بل إن بعض المحللين كانوا يتحدثون بتفاؤل عن انتعاش "على شكل الحرف V" [نمو بعد هبوط]، واصفين سيناريو ينتعش فيه النشاط بالسرعة نفسها التي تراجع بها.
لكن اعتباراً من هذا الأسبوع لدينا مجموعة من القيود الجديدة التي أجازتها الحكومة على المجتمع للحد من عودة مقلقة لتفشي حالات فيروس كورونا، بما في ذلك حظر للتجول بدءاً من الساعة العاشرة مساء على الحانات والمطاعم وتوجيه الناس للعمل من المنزل إذا أمكن.
ويقال لنا إن هذه القيود قد تبقى قائمة لستة أشهر على الأقل.
والأهم من ذلك، حذر رئيس الوزراء من أننا، إذا لم تنجح هذه التدابير في الحد من انتشار الفيروس، لا يُستبعد "فرض قيود إضافية "كبيرة"، يبدو أنها تشمل إمكانية إغلاق كامل آخر على نطاق البلاد.
فما هو الأثر الذي سيحدثه هذا كله في الاقتصاد؟ هل يعني عودة إلى الركود؟ أم مجرد تعافٍ أبطأ؟ وماذا يعني للبطالة ومستويات العيش؟
للإجابة عن السؤال، يجب تفكيك أثر القيود الجديدة هذه إلى قنوات أو فروع محتملة كثيرة.
أولاً، هناك الأثر المباشر في القطاعات المتأثرة. فمن شبه الحتمي أن تشهد الحانات والمطاعم تراجعاً في زبائنها بسبب حظر التجول بدءاً من العاشرة مساء.
ويشكل قطاع الضيافة حوالى 2.5 في المئة من الاقتصاد، ما يشير إلى حجم النشاط المتأثر هنا. كذلك يوظف القطاع نحو 2.5 مليون شخص، أي موظفاً من كل 12.
ورحب القطاع بالأثر الإيجابي لبرنامج إعانة الوجبات المسمى "تناولوا الطعام خارج المنزل في مد يد المساعدة" Eat Out to Help Out الذي أطلقه وزير المالية في أغسطس (آب) فهو شجع ملايين الناس على زيارة الحانات والمطاعم. وقد يشهد القطاع تراجعاً في ذلك الزخم الإيجابي.
ثم هناك الأثر الثانوي في أعمال أوساط المدن في ضوء الإرشاد الرسمي الجديد للعمل من المنزل – في عدول حاد عن النصيحة السابقة.
فقد بدأ عدد الناس العاملين من مكاتبهم يزداد ببطء هذا الشهر. والآن لا بد من أن ينعكس هذا الاتجاه، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة إلى الشركات المستندة إلى عرف العمل من المكاتب.
وسيكون هناك أيضاً أثر ثانوي في شركات تشغيل القطارات، التي ستشهد تراجعاً في عوائدها من الركاب مرة أخرى (على الرغم من أننا يجب أن نأخذ في الحسبان أن الحكومة تضمن عمليات هذه الشركات منذ مارس (آذار) على أي حال، مع تسبب الجائحة بإفلاس نظام امتيازات القطارات).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الأهم من هذه الآثار المباشرة سيكون الأثر الأوسع نطاقاً في مشاعر المستهلكين.
فقد أشار بنك إنجلترا الأسبوع الماضي إلى أن بيانات المعاملات الداخلية الخاصة به تشير إلى أن إنفاق الأسر عاد خلال الصيف إلى ما كان عليه قبل الأزمة – في علامة إيجابية نظراً إلى أن إنفاقها يمثل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي.
ونحن لا نعرف ما هو الأثر النفسي لهذه القيود الجديدة في المستهلكين.
وقد يأمل المرء في أن يكون الأثر طفيفاً مقارنة بإقفال مارس الأكثر حدة، عندما جرى إغلاق المدارس ولم يُسمَح للملايين بالخروج من منازلهم إلا لممارسة الرياضة والتسوق الأساسي.
ومع ذلك يعتقد البعض أن الأثر يمكن أن يكون أسوأ من ذلك من بعض النواحي.
ويقول دوغلاس ماك ويليامز، من مركز الاقتصاد وبحوث الأعمال، وهو مؤسسة للاستشارات: "في حين أن الإغلاق الأول كان قابلاً للتحمل على افتراض أنه كان مؤقتاً، سيجعل الإغلاق الثاني كثراً من الناس يفقدون الثقة في الانتعاش في المستقبل المنظور".
وقد يؤدي تراجع ثقة المستهلكين إلى ضرب قطاعات أكثر بكثير من مجرد الضيافة والنقل.
ويُعَد الاستثمار التجاري مجالاً آخر قد يتضرر. فالإنفاق الأساسي للشركات Capital spending يمثل نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة، ومن غير المستغرب أنه انهار في وقت سابق من هذا العام. وبالنظر إلى إنفاق الشركات تحسباً لفرص مبيعات قوية في المستقبل، من الصعب رؤيته في ارتفاع هذا الخريف إذا ظل إنفاق المستهلكين ضعيفاً بسبب القيود الصحية الجديدة.
ومن المحتمل أن تعاني شركات التطوير العقاري.
ويقول بول دايلز من "كابيتال إيكونوميكس" للاستشارات: "إذا كانت هناك أي شركات تتساءل: "هل نحافظ على المكاتب؟"، قد تدفعهم تطورات كهذه إلى التخلي عنها".
وعلى صعيد الشكل العام للانتعاش في المملكة المتحدة يراجع معظم المحللين الآن توقعاتهم ويضعونها عند مستويات أدنى.
وتعتقد "كابيتال إيكونوميكس" بأن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة قد يستقر في الربع الأخير من عام 2020 نتيجة حظر التجول الاجتماعي ومتطلبات العمل من المنزل، ولن يعود الآن إلى مستواه قبل الأزمة حتى نهاية عام 2022 (بدلاً من أواخر العام المقبل).
وفي نظر بعض المحللين، يعني الإغلاق الكامل العودة إلى الانكماش الاقتصادي، بدلاً من مجرد تباطؤ النمو.
ويفترض معظم الاقتصاديين أن ضعف الاقتصاد سيؤدي إلى ارتفاع البطالة وليس إلى خلاف ذلك، على الرغم من أن القيود الجديدة من المرجح أن تزيد الضغط السياسي على وزارة الخزانة لتطبيق دعم يحل محل برنامج الإجازات الوظيفية المقرر وقف العمل به في نوفمبر (تشرين الثاني).
وفي ما يتعلق بالسياق، كان لدى مكتب مسؤولية الميزانية في تموز (يوليو) سيناريو مركزي تبلغ فيه البطالة ذروتها بـ 3.9 مليون شخص في أوائل العام المقبل (12 في المئة) وسيناريو سلبي بـ 4.3 ملايين شخص (13 في المئة).
وبالنظر إلى عدم اليقين الهائل حول استجابة الجمهور وتقدم الفيروس، فإن هذه التخمينات مستنيرة لا محالة، على الرغم من أن مزيداً من القيود الصحية على الجمهور ستكون لا شك سلبية على الاقتصاد.
ومع ذلك، من الضروري أيضاً النظر في العواقب المحتملة لعدم فرض هذه القيود. فمن المرجح أن يؤدي ارتفاع معدلات الاستشفاء والوفيات الناجمة عن فيروس متفشٍ إلى إلحاق ضرر جسيم بثقة المستهلكين والنشاط الاقتصادي.
وفي جائحة ما، ينبغي أن نحذر من افتراض وجود خيار واضح بين حماية الصحة وحماية الاقتصاد.
© The Independent