ارتفع تخلف الشركات الصينية عن سداد ديونها المقومة بالدولار الأميركي بشكل كبير هذا العام، حيث أضرت جائحة فيروس كورونا وتراجعت أسعار النفط وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بالأعمال التجارية وقلل من قدرتها على السداد.
تسببت هذه البيئة في انخفاض ثقة السوق، مما أدى إلى نقص السيولة بالدولار الذي يحد من قدرة بعض الشركات على اقتراض الدولار الأميركي لسداد الديون الحالية.
قفز التخلف عن سداد سندات الدولار الأميركي من قبل الشركات الصينية ثلاثة أضعاف إلى 12 مليار دولار أميركي حتى الآن هذا العام من 4 مليارات دولار أميركي للعام الماضي بأكمله، وفقاً لبيانات من شركة المال الفرنسية ناتيكسس.
بينما تطبق البنوك المركزية العالمية سياسات التيسير النقدي على نطاق واسع، فإن سوق سندات الشركات الآسيوية آخذ في الاستقرار. قام المستثمرون في وقت سابق من هذا العام بالتخلي عن السندات بالدولار الأميركي بكميات كبيرة بسبب الضغط على التمويل بالدولار الذي خلق تحديات للوفاء بالتزامات السداد.
تدهور العلاقات والتخلف عن السداد
لكن وسط التدهور السريع للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين والسندات بالدولار الأميركي المستحقة العام المقبل، يمكن أن تنمو حالات التخلف عن السداد، حسبما قال تشانغ قوه، العضو المنتدب في تشاينا تشينغسين (آسيا والمحيط الهادي) للتصنيف الائتماني لصحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست.
وتمتلك الشركات الصينية سندات دولارية بقيمة 101.8 مليار دولار أميركي مستحقة هذا العام، وهو رقم سيزيد بنسبة 10 في المئة خلال عام 2021، ويزيد بنسبة 19 في المئة أخرى خلال عام 2022، وفقاً لبيانات رفينيتيف.
وقال تشانغ، إن مخاوف السوق بشأن الشركات الصينية الضعيفة والمثقلة بالديون تشبه مارس (آذار)، عندما أدى النقص الهائل في الدولار إلى اضطراب في سوق سندات الشركات.
وأضاف أن "الحجم الافتراضي لديون الشركات الصينية بالدولار الأميركي يرتفع بشكل رئيس بسبب ضعف أساسيات الشركات، الأمر الذي يضغط على السيولة الداخلية". وتابع "نحن بحاجة إلى النظر في عوامل الاقتصاد الكلي لأن الوباء في الخارج لم يسيطر عليه، في حين أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين ستؤثر أيضاً على ديون الصين بالدولار الأميركي".
تطور سوق السندات الصينية بالدولار الأميركي
بول أو، رئيس قسم الدخل الثابت في بنك التجار الصيني الدولي، كان أكثر تفاؤلاً بشأن تطور سوق السندات الصينية بالدولار الأميركي، على الرغم من المخاطر التي قد تفرضها واشنطن على بعض البنوك الصينية، مما يؤدي إلى تفاقم نقص الدولار بالنسبة للشركات الصينية.
وقال أو "الاقتصاد الصيني تعافى بشكل أسرع من الولايات المتحدة أو أوروبا، لذلك سيستمر المستثمرون في شراء السندات الآمنة الصادرة عن كبرى الشركات المالية الصينية".
وأضاف "شركات الاستثمار الأميركية ومديرو الصناديق لديهم مكاتب فرعية في أوروبا وهونغ كونغ وسنغافورة". "إنهم لا يحتاجون إلى موافقة من مقارهم لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية. في عالم الاستثمار، أي مكان يمكن أن يمنحك عائداً هو المكان الذي يتيح لك جني الأرباح".
خفف صناع السياسة الصينيون قواعد الديون بالدولار الأميركي في مارس لتحرير الاقتراض الرخيص بالدولار الأميركي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) التي تضررت بشدة من جائحة فيروس كورونا. جاء ذلك في أعقاب ضخ الاحتياطي الفيدرالي للسيولة الهائلة في النظام المصرفي.
الشركات الصينية باعت 40 مليار دولار من السندات
أظهرت بيانات رفينيتيف أن الشركات الصينية باعت 40 مليار دولار أميركي من السندات هذا الربع، بزيادة 5 في المئة عن نفس الربع من العام الماضي، مما يعكس تحسن طلب الشركات على السندات الدولارية.
في حين أن معنويات السوق قد تحسنت، إلا أنها لم تعد بعد إلى مستويات ما قبل كوفيد -19. قالت صوفيا تشين يي لينغ العضو المنتدب في غوايتاي جونان إنترناشيونال، إن المستثمرين يولون اهتماماً خاصاً للجدارة الائتمانية للمصدرين الأفراد، فضلاً عن سيولة السندات المعينة- القدرة على بيعها بسرعة- بسبب ارتفاع حالات التخلف عن السداد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الماضي، كان المستثمرون يفضلون السندات بالدولار الأميركي الصادرة عن مطوري العقارات الصينيين، والتي كان ينظر إليها على أنها تنطوي على مخاطر أكبر ولكن عوائدها أعلى. ومع ذلك، قال تشين إنه "منذ اضطراب الأسواق المالية العالمية في مارس، تحول العديد من المستثمرين إلى شراء سندات بالدولار الأميركي عالية الجودة صادرة عن البنوك والشركات المالية الأخرى".
وأضاف تشين "بعد أزمة السيولة في مارس، لم يلاحق المستثمرون عموماً السندات ذات العائد المرتفع على الرغم من العوائد المرتفعة. عدم اليقين في السوق بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يؤدي إلى تقلبات السوق".
أحد أسباب التخلف عن السداد التي هزت ثقة المستثمرين في السندات الخارجية الصينية، كان إفلاس تكتل مدعوم من أكثر الجامعات المرموقة في البلاد.
سندات الشركات القوية والتمويل الرخيص بالدولار
أصدرت مجموعة مؤسسي جامعة بكين، أخيراً، إعلاناً رسمياً يؤكد أن خمسة من سنداتها الخارجية التي تبلغ قيمتها الإجمالية 1.7 مليار دولار أميركي لم يعترف بها كمطالبات دائنة عادية في حالة إفلاسها، مما يثير تساؤلات حول إمكانية إنفاذ المطالبات الأجنبية على ديون الصين الخارجية.
قال جيم فينو، رئيس الدخل الثابت الآسيوي في أكسا إنفستمنت مانجرز، إن "هناك ترسيماً واضحاً بين السندات الصادرة عن الشركات القوية التي استفادت من التمويل الرخيص بالدولار وتعافت بسرعة، والشركات الضعيفة التي لا تزال تواجه مخاطر متزايدة من الوباء".
وأضاف "بالنسبة للشركات التي لم تتعاف، فإنها تعاني من ضائقة جوهرية، وربما لن تعود إلى السوق". "تتعرض [هذه] القطاعات والأسماء للضغط وستتوقف عن السداد لأنها لا تستطيع خدمة ديونها لأن السوق مغلق بشكل أساسي أمامها".
في الوقت نفسه، فإن أحدث سياسات الصين للسيطرة على الديون المملوكة لمطوري العقارات- المقترضين الرئيسيين للتمويل الخارجي- تلقي بثقلها على قطاع العقارات.
في الشهر الماضي، حدد بنك الشعب الصيني ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية الصينية ثلاثة "خطوط حمراء" للنسبة المالية لمطوري العقارات المحليين.
لا يمكن أن يتجاوز إجمالي الدين 70 في المئة من قيمة أصول الشركة أو أكثر من 100 في المئة من حقوق ملكية الشركة. اقتصر الدين قصير الأجل على 100 في المئة من الاحتياطيات النقدية للشركة، في حين تم أيضاً وضع حد للنمو في الديون المستحقة التي تحمل فائدة.
إضافة إلى ذلك، قال جاري نج، المتخصص في اقتصادي آسيا والمحيط الهادي في بنك ناتيكسيس، إن "مصدري السندات الصينية بالدولار الأميركي في قطاع أشباه الموصلات والتكنولوجيا قد يتعرضون لضغوط أكبر بسبب اضطرابات الحرب التجارية لسلاسل التوريد الخاصة بهم". تتمتع هذه الشركات بأكبر قدر من التعرض للأسواق الخارجية، حيث تبلغ الإيرادات الأجنبية 49 في المئة و37 في المئة من حجم الأعمال على التوالي.
قال نج، إن "معدل التخلف عن السداد للشركات المملوكة للدولة في سوق الديون بالدولار الأميركي قد ارتفع فوق معدل الشركات الخاصة لأول مرة".
أصبحت مجموعة تيو غروب، المملوكة للدولة أكبر متخلف عن السداد على السندات بالدولار الأمريكي في تاريخ الصين عندما دخلت في إعادة هيكلة محكمة في يوليو (تموز)، والتي تضمنت خمسة سندات بالدولار الأميركي بقيمة إجمالية قدرها 1.75 مليار دولار أميركي.
وأضاف نج "معدلات التخلف عن السداد آخذة في الارتفاع مهما كان الأمر". "يقوم المستثمرون بتسعير مخاطر عالية نسبياً في [ديون الشركات] الصينية، على الرغم من أنها تحسنت كثيراً عن مستويات مارس.