كانت المناظرة الرئاسية المريرة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن الأسبوع الماضي، والتي امتلأت بالشتائم والإهانات حاضرةً في أذهان المشاهدين، حينما التقى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس والمرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس كمالا هاريس على منصة المناظرة التي جرت بينهما في مدينة سولت ليك بولاية يوتاه، لكن ما إن بدأت المناظرة اتضح للشعب الأميركي التباين الواضح من حيث تبادل التحية وعبارات التقدير بين الخصمين على الرغم من اشتباكهما وخلافهما في كل شيء، ومحاولة كل منهما تصحيح أخطاء المناظرة الرئاسية الأولى. وفي أجواء هادئة انتهت المباراة بينهما بالتعادل لكن مع كثير من الأسئلة المفتوحة التي تملص منها المتنافسان على الرغم من خطورتها وأهميتها بالنسبة إلى المواطنين الأميركيين، فهل سيكون لهذه المناظرة أي تأثير في الناخبين المترددين في وقت لا تزال المناظرة الرئاسية الثانية بين ترمب وبايدن غير مؤكدة؟
حوار مختلف
وبخلاف مناظرة الأسبوع الماضي الرئاسية، اتسم أسلوب النقاش خلال مناظرة بنس - هاريس بالهدوء النسبي، حيث لم يكن هناك تجاوز للكياسة والأدب، على الرغم من أن الأمر لم يخلُ من المراوغات والخلافات، إلا أن الصحافية في صحيفة "يو أس أي توداي" سوزان بيج التي أدارت المناظرة، أبقت المرشحين على المسار الصحيح، وشددت على الحدود الزمنية لضمان حصول كل مرشح على دقيقتين من دون انقطاع، ومن ثم تركز النقاش في الغالب على سجل ومنجزات كل طرف فيما غابت الهجمات الشخصية.
وبدلاً من ذلك، بدا أن بنس اتخذ قراراً باعتماد نهج مختلف تماماً عن ترمب، حيث أعلن أمام الجميع أنه يتشرف بمشاركة هاريس هذه المناظرة، وبعد ذلك هنأها على الطبيعة التاريخية لترشيحها كأول امرأة سوداء وأول شخص من أصل هندي يتم ترشيحه لمنصب وطني من قبل حزب رئيسي في الولايات المتحدة. وخلال المناظرة شكرها على تعبيرها وبايدن عن القلق عندما اتضح تشخيص إصابة الرئيس بفيروس كورونا، كما استخدم أسلوباً مهذباً عند رفضه خطابها معترضاً على الحقائق التي تسردها وليس على رأيها بشأن هذه القضايا.
لكن من الواضح أن هاريس لم تقتنع بتأدب بنس إذ اعتبرت أنه ذات دوافع سياسية، فذكّرته كلما قاطعها أنها ما زالت تتحدث، وفي مرة تالية، رمقته بنظرة غضب فتوقف بنس عن الكلام ونظر بعيداً.
أهداف متباينة
في مناظرتهما الأولى والوحيدة، كان الهدف بالنسبة إلى نائب الرئيس بنس، هو الترويج للنجاح الاقتصادي لإدارة ترمب قبل تفشي الوباء ومحو الجدل المقيت وغير المحترم الذي خيّم على المناظرة الرئاسية الأولى الأسبوع الماضي. أما بالنسبة إلى هاريس، كان الهدف هو الدفاع عن سجل بايدن وتوجيه ضربات نارية حول كيفية استجابة الإدارة الأميركية لتفشي كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 210 آلاف شخص حتى الآن في الولايات المتحدة.
فبينما كان أول اشتباك منصبّاً على تعامل إدارة ترمب مع جائحة كورونا التي اعتبرتها هاريس "أعظم فشل في التاريخ"، لأنها لم تكن ذات خطة، أبدى بنس قبل أن يبدأ رده، تعاطفاً مع الضحايا وقدّم تعازيه للأميركيين، وهو ما يتناقض مع أداء ترمب الأسبوع الماضي. واستهدف نائب الرئيس، الذي يقود فريق عمل البيت الأبيض المعني بفيروس كورونا، خطة بايدن المتعلقة بالفيروس معتبراً أنها تنقل كثيراً ما يفعله هو مع الرئيس ترمب وفريق العمل في كل خطوة.
وفيما كررت هاريس قلقها بشأن سلامة اللقاح وصلاحيته الذي تقود إدارة ترمب جهود التوصل إليه، وأكدت بقوة أنها لن تستخدم أي لقاح يدفع ترمب إلى تعجيل إنتاجه، وستحصل فقط على لقاح يدعمه المتخصّصون الطبيون، دعا بنس إلى التوقف عن تسييس قضية الفيروس، معتبراً أن منافسته تمارس لعبة سياسية وتخاطر بحياة الأميركيين.
محاصرة هاريس
ونجح بنس في محاصرة هاريس بشأن خطة رددها الديمقراطيون حول عزمهم زيادة عدد أعضاء المحكمة العليا عن الحد الحالي المتبع منذ 150 عاماً وهو تسعة أعضاء، وهي خطوة من شأنها أن تسمح لبايدن وهاريس إذا فازا بالرئاسة، وسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، أن يغيروا القواعد عبر إضافة مزيد من الأعضاء إلى المحكمة العليا للتغلّب على الأغلبية المحافظة التي ستحققها القاضية آيمي كوني باريت حين يصادق مجلس الشيوخ الحالي على تعيينها خلال الأسابيع المقبلة.
لكن هاريس تهربت من مطالب بنس بإعطاء إجابة مباشرة حول تلك النقطة، ذلك أن زيادة عدد أعضاء المحكمة العليا بشّر به التقدميون في الحزب الديمقراطي وهو موضوع حساس بين الديمقراطيين المعتدلين، ما خلق خيطاً سياسياً رفيعاً، على كل من بايدن وهاريس السير فيه ضمن لعبة توازنات صعبة في وقت الانتخابات.
تملص بنس
من جهة أخرى، سعى نائب الرئيس الأميركي إلى صرف النظر عن الأسئلة التي توجَه إليه لأكثر من مرة عبر الإجابة عن أسئلة سابقة أو طرح زوايا في ملفات أخرى، فعلى سبيل المثال حين سألته مديرة المناظرة عن تغيير موقف المحكمة العليا حول قضية السماح بالإجهاض، تحدث عن نجاح إدارة ترمب في قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وحينما سُئل عن إهمال إدارة ترمب للعلم في قضية التغيّر المناخي، ركّز بنس على خطة الضرائب التي طرحها بايدن والتي يعتزم فرضها على مَن يزيد دخلهم على 400 ألف دولار في العام إذا نجح في الانتخابات.
وتملص بنس أيضاً من الإجابة عن سؤال يتعلق بالانتقال السلمي للسلطة إذا خسر وترمب الانتخابات، وهو ما رفض الرئيس الأميركي باستمرار التعهد به، وبدلاً من ذلك هاجم بنس الديمقراطيين لمحاولتهم عزل الرئيس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أقوى الهجمات
واعتبر مراقبون أن هجمات هاريس على إدارة ترمب المتعلقة بملف الرعاية الصحية وإهمال ذوي الحالات المرضية المعروفة سلفاً كانت أقوى لحظاتها، بينما كان بنس أكثر فاعلية في هجومه على ما وصفه بـ "الأجندة اليسارية"، التي قال إن إدارة بايدن ستنفذها إذا فازت بالانتخابات.
ومع ذلك رأى الصحافي مارك كابوتو أن "هاريس كانت على منصة المناظرة، نقيضاً واضحاً لليسار الذي يريد الجمهوريون تصويرها به، بعدما فشلوا في تصوير بايدن على أنه "حصان طروادة" للراديكاليين اليساريين الذين يساندونه".
من المنتصر؟
من ناحية ثانية، اعتبرت نانسي كوك الباحثة السياسية أن "المرشحَين تفاديا ببراعة أسئلة عدة، وفي حين لم ترتكب هاريس أخطاءً كبيرة، قدم بنس عملاً جيداً اتسم بالهدوء والعقلانية، إلا أنه لم يدافع بشكل جيد عن تعامل الإدارة مع الوباء أو خططها لإنعاش الاقتصاد، بينما يريد الناخبون سماع خطط المرشحين للتعامل المستقبلي مع الجائحة".
في المقابل، قالت هولي أوتربين المحلّلة السياسية في موقع "بوليتيكو" إن "بنس أثبت مهارته في النزال السياسي وحاصر هاريس في بعض النقاط، كما نجح في خفض درجة الحرارة الملتهبة في معسكر حملة الرئيس بطريقة مطمئنة لناخبي ترمب القلقين الذين هزّهم سلوكه الأخير. أما بالنسبة إلى هاريس، فمن المحتمل أن يكون هناك عدد كبير من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم والذين تُعد هذه المناظرة أول مشاهدة تقييمية لأدائها"، معتبرةً أن "أداءها كان كافياً لسد فجوة عدم المعرفة بها".
أما ناتاشا كوريكي وهي محللة سياسية في واشنطن فاعتبرت أن "المرشحين قدما حالات قوية ومتماسكة وأعطيا الأميركيين لمحة أكبر عن ماهية خططهم الخاصة. وحاول نائب الرئيس بنس على وجه الخصوص تعويض خسائر دونالد ترمب في المناظرة الأولى".
هل يتغير رأي الناخبين؟
يعتبر يوجين دانيالز الخبير السياسي أن "النقاش الوقور في المناظرة سيكون له تأثير وانعكاس إيجابي، من حيث أن بنس وهاريس نجحا في محو ما تبقى من ركام مناظرة الأسبوع الماضي بين ترمب وبايدن، لكن ذلك لن يغيّر رأي أحد من الناخبين على الأرجح".
وأوضح دانيالز أن "الأسئلة الرئيسية العالقة لا تزال بلا إجابة وهي قضية الانتقال السلمي للسلطة التي تجنبها بنس، وعدم رد هاريس على اعتزام الديمقراطيين زيادة عدد المحكمة العليا بمزيد من القضاة، وهي قضايا لا يبدو أن الفريقين سيجيبان عنها حتى الشهر المقبل". وأضاف كابوتو أن كلاً من المرشحين قدما ما يريدانه بالضبط، وهذه تبدو مشكلة أكبر بالنسبة لترمب، بالنظر إلى أن الفارق في استطلاعات الرأي بينه وبين بايدن، يظهِر تقدم الأخير، وهو ما يجعل فريق ترمب أكثر حرصاً على العمل لسد الفجوة بأسرع وقت ممكن قبل موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل".