تعوّل تونس، على إنجاح جلسات الحوار السياسي، بين الفرقاء الليبيين، من أجل رأب الصدع وتقريب وجهات النظر، والدخول بليبيا في مرحلة جديدة.
محطات وجولات عدّة مَرّ بها مسار التفاوض بين الفرقاء الليبيين فمن "بوزنيقة" المغربية إلى "مونتيرو" السويسرية، مروراً بالغردقة في مصر ثم جنيف، والقاهرة مجدداً، فتونس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، يتطلع الليبيون إلى حل سياسي شامل يُنهي الأزمة التي طال أمدُّها، ويُتوّج باتفاق شامل، فهل ينجح هذا اللقاء في ما رسم له من أهداف؟ وهل تملك تونس فعلاً أدوات إنجاح هذا الاجتماع بالنظر إلى عمق الأزمة في ليبيا؟
الملتقى يجمع كل المكونات
كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعلنت مساء السبت 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، عن استئناف جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين في نوفمبر المقبل في تونس، على أن يأخذ الملتقى الذي سيشهد مشاركة كل مكونات الشعب الليبي، في الاعتبار توصيات "مونتيرو" والتفاهمات التي تم التوصل إليها في محادثات "بوزنيقة" والقاهرة.
وأوضحت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالنيابة، ستيفاني وليامز، أن الملتقى "يهدف إلى تحقيق رؤية موحدة حول إطار الحكم وترتيباته التي ستفضي إلى إجراء انتخابات وطنية في أقرب الآجال في ليبيا، من أجل استعادة سيادة البلاد والشرعية الديمقراطية للمؤسسات".
وأكدت أنه "استجابة لتوصية غالبية الليبيين، يمتنع المدعوون إلى المشاركة في ملتقى الحوار السياسي عن تولي أي مناصب سياسية، أو سيادية، في أي ترتيب جديد للسلطة التنفيذية".
نقطة مضيئة للدبلوماسية التونسية
وجدد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، في أكثر من مناسبة، استعداد تونس لاحتضان ملتقى يجمع كل الفرقاء الليبيين للدفع نحو الاستقرار السياسي في هذا البلد المجاور.
وخلال لقائه، الاثنين، رئيسة البعثة الأممية وليامز، أعرب سعيد عن ارتياحه لتتويج مسار من التنسيق والتشاور بين تونس وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "باختيار بلادنا لاحتضان هذا الاجتماع المهم الذي سيلتقي فيه كل الفرقاء الليبيين من أجل استئناف العملية السياسية"، مؤكداً استعداد تونس لوضع كل الإمكانات المادية والبشرية اللازمة للإسهام في إنجاح هذا الاستحقاق.
وأكد رئيس الدولة على ثوابت الموقف التونسي لحل الأزمة، وفق مقاربة تقوم على وحدة ليبيا ورفض التدخلات الخارجية فيها.
وتلقى سعيّد دعماً مباشراً من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون من خلال مكالمة هاتفية تناولت الوضع في ليبيا وضرورة إنجاح لقاء الحوار في تونس.
وتُعتبر هذه خطوة جيدة بالنسبة إلى الدبلوماسية التونسية، في تقدير الأكاديمي والإعلامي، رئيس منتدى ابن رشد للدراسات، كمال بن يونس، حتى تكسر الجمود الذي تردت فيه منذ مدة الدبلوماسية التونسية، ولم تلعب الدور الذي كان بإمكانها أن تضطلع به في الملف الليبي.
التوافق الداخلي
وأوضح أن الوضع في ليبيا معقد بشكل كبير، لافتاً أنه من دون توافق داخلي بين الأطراف الكبار الذين يحكمون قبضتهم على الأرض فيها، لا يمكن الحديث عن حل للأزمة، مضيفاً أنّه على المجموعة الدولية أن تقرر ما إذا كانت فعلاً تبحث عن حل جدي لها، أم هو لقاء للتسويف وترحيلها إلى آجال بعيدة.
وأشار بن يونس، إلى أنه "ظاهرياً هناك رغبة في حل سياسي في ليبيا، إلا أن المعروف أن الولايات المتحدة لم تكن لها إستراتيجية واضحة طيلة السنوات العشر الماضية بل فقط إستراتيجية أمنية وقائية لا غير".
وشدد على أهمية حل الأزمة الليبية وضمان استقرارها من أجل تخفيف الضغط على الدولة التونسية، بخاصة في ما يتعلق بالتجارة البينية بين البلدين.
"الطبخة" السياسية جاهزة
ويتقاسم الدبلوماسي السابق، المتخصص في العلاقات الدولية، أحمد الهرقام، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، ما ذهب إليه كمال بن يونس، مؤكداً أن الاجتماع في تونس في حد ذاته مؤشر جيد لدبلوماسيتها، علماً أنها لطالما نأت بنفسها عن هذا الملف.
واعتبر أن "ليبيا هي المتنفس الاجتماعي والاقتصادي لتونس من خلال التبادلات التجارية في البوابات والمعابر التجارية الرابطة بين البلدين، وأن من شأن استقرارها أن ينعش الاقتصاد في هذه الأخيرة، ويخفف الضغط عليها بخاصة أن ليبيا تستوعب عدداً كبيراً من اليد العاملة التونسية".
وأوضح أن "الطبخة" السياسية قد تكون جاهزة لليبيا، بعد استكمال الجولات السابقة للحوار الليبي - الليبي، في كل من بوزنيقة وألمانيا وقد تُتوج باتفاق في تونس.
توافق تونسي جزائري
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يرى الصحافي التونسي المتخصص في الشأن الدولي نزار مقني أنّ هذا الاجتماع يأتي بعد عناء وجهد كبيرين من الدبلوماسية التونسية، والتوافق بينها وبين والجزائر، في إطار مبادرة ثنائية لحل الملف الليبي سلمياً.
وقال إن هذا الاجتماع يمكن أن يكون فرصة لليبيين، لإيجاد أرضية لمرحلة انتقالية جديدة، تُختتم بانتخابات تؤسس للبدء في توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وجمع السلاح، إثر توقيع كل الأطراف على وثيقة سياسية ملزِمة للجميع ومن ثم الدخول في مرحلة انتقالية جديدة، تأخذ في الاعتبار نقائص اتفاق الصخيرات، علاوة على ضرورة إلزام القوى الدولية المتدخلة فيها بدعم هذا المسار.
أزمة أمنية
من جهة ثانية، قلّل رئيس تحرير صحيفة "أخبار الحدث" الليبية محمود المصراتي، من أهمية الاجتماع الذي ستحتضنه تونس، مؤكداً أن الأزمة في ليبيا ليست أزمة سياسية، كما يتم التعامل معها، بل أمنية، مشدداً على "ضرورة تجميع السلاح ونزعه من الميليشيات، والمجموعات الإرهابية".
واستغرب المصراتي عدم التوصل إلى مسودة اتفاق تنهي الخلافات والصراعات الحادة قبل التوجه إلى اجتماع تونس.
ليبيا مقبلة على حرب
وأكد المصراتي أن الليبيين الآن، ليست لهم ثقة في هذه البعثات الأممية التي ترعى الحوارات السياسية، لافتاً أنّ البلاد مقبلة على حرب كبرى لا محالة، طالما أنّ السلاح منتشر عند من سماهم "الميليشيات والمجموعات المسلحة"، داعياً إلى تفكيكها وتجميعها بيد الدولة.
وختم أنّ "الوضع في ليبيا متردّ وسط تدني الخدمات الاجتماعية وتفشي فيروس كورونا وفقدان الأمن بتنامي الجريمة".
وسط تباين المواقف والقراءات، بشأن مقررات ورهانات الاجتماع المقبل للفرقاء الليبيين، تُكثف تونس استعداداتها لتأمين فرص نجاح هذا اللقاء، وعلى الرغم من عدم امتلاكها آليات ضغط قوية للحل، فإنها تعوّل بدرجة أولى على رصيدها الرمزي، لأنها لم تتورط مع أي طرف، في الدعم المباشر المادي أو المعنوي، كما تستند إلى التنسيق مع الجزائر، من أجل صياغة تفاهمات قد تفتح الباب أمام مسار سياسي يضع حداً لحالة الفوضى والانفلات التي تردت فيها ليبيا لحوالى عشر سنوات.