بعد نحو عام من التحقيقات والتحريات، رفعت وزارة العدل الأميركية الثلاثاء دعوى على شركة غوغل العملاقة، تتهمها بممارسات احتكارية تضر بمنافسيها، وتنتهك قواعد المنافسة التجارية الحرة، وتطالب المحكمة بإرغام الشركة على وقف تلك الممارسات.
ويحظى محرك البحث غوغل بما يصل إلى 90 في المئة من استفسارات البحث على الإنترنت في الولايات المتحدة. وتقول الدعوى إن غوغل تنفق مليارات الدولارات لضمان "التسيد" في مجال البحث وعائد الإعلانات الرقمية. كما أنها تضع صيغاً احتكارية في عقودها مع شركائها التجاريين، بما يمنع غيرها من التنافس في السوق.
وتحظى الدعوى بتأييد الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة، إذ نقلت وسائل الإعلام الأميركية تصريحات النواب الديموقراطيين والجمهوريين في اللجنة الفرعية لمنع الاحتكار في مجلس نواب الكونغرس، المؤيدة للدعوى. وبالتالي، فبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، تظل الدعوى على غوغل محل اتفاق سياسي في واشنطن.
وبالرغم من أن دعوى وزارة العدل الأميركية لا تطالب المحكمة بـ "تفكيك" شركة غوغل، إلا أن هناك مدعين عامين في ولايات أميركية عدة يعملون على تحريات مماثلة، ويمكن أن ينضموا في ما بعد لدعوى وزارة العدل ليتسع نطاق القضية، وتفتح أبواب جهنم لا على غوغل وحدها، وإنما على كل قبيلتها "التكنولوجية" في وادي السليكون وخارجها.
على خطى مايكروسوفت؟
ويشبه الأساس القانوني لدعوى وزارة العدل ما تعرضت له شركة مايكروسوفت العملاقة في قضية الاحتكار الشهيرة في أوروبا خلال تسعينيات القرن الماضي، حين كان الاتحاد الأوروبي يطالب بتفكيك مايكروسوفت، لكن الشركة تمكنت من التوصل إلى تسوية بمليارات الدولارات، لتفادي الحكم بفصل برنامج التشغيل "ويندوز" عن محرك التصفح "مايكروسوفت اكسبلورر". وكان الاتحاد الأوروبي أقام دعواه في ذلك الوقت على أساس أن إجبار مايكروسوفت الشركات المصنعة لأجهزة الكمبيوتر على تنزيل مايكروسوفت اكسبلورر فيها بشكل مسبق قبل طرحها للمستخدمين، ممارسة احتكارية تنتهك قواعد المنافسة الأوروبية.
وردت غوغل على دعوى وزارة العدل ببيان من رئيس الإدارة القانونية في الشركة، دافع عن ممارستها قائلاً إن ملف الدعوى "يشوبه العوار القانوني وليس متماسكاً". وأضاف أن "قواعد المنافسة الحرة تستهدف مصلحة المستهلك النهائي، وليس دعم شركات منافسة ربما تقدم خدمات أقل جودة". وبحسب الشركة، فإن توفيرها نظام تشغيل هواتف الموبايل الخاص بها للشركات المصنعة لأجهزة الموبايل، مع التطبيقات الأخرى، أدى إلى خفض كلفة تلك الأجهزة، وهو ما يترجم إلى أسعار أقل للمستهلك مع جودة عالية.
وتركز دعوى وزارة العدل الأميركية على الاتفاق بين غوغل وشركة آبل في شأن استخدام محرك البحث غوغل في هواتف آيفون، وهو ما يعود بأرباح طائلة من الإعلانات الرقمية عليها، في الوقت الذي يحرم المنافسين من أصحاب محركات البحث الأخرى الاستفادة من التعاقد مع آبل.
غرامات سابقة
تواجه غوغل سلسلة من الغرامات في أوروبا نتيجة قضايا عدة رفعها الاتحاد الأوروبي على الشركة بدعوى الاحتكار وانتهاك قوانين المنافسة بين الشركات. وبدءاً من عام 2017 وحتى 2019 فرضت على غوغل، أومجموعة ألفابيت المالكة للشركة، ثلاث غرامات مختلفة، يصل إجماليها إلى أكثر من 10 مليارات دولار (8.25 مليار يورو).
وما زالت غوغل في نزاع قضائي أمام أعلى محكمة استئناف في الاتحاد الأوروبي حول غرامة بنحو 2.8 مليار دولار (2.4 مليار يورو)، واضطرت الشركة منذ عام 2016 إلى التوقف عن بعض الممارسات التي اعتبرت في الأحكام الأوروبية "احتكارية تمنع المنافسين الاستفادة العادلة من السوق".
وكانت الغرامة الأولى في سلسلة الغرامات الثلاث عام 2017، بعد الحكم بانتهاك غوغل قواعد المنافسة والإضرار بالمستهلكين نتيجة ممارساتها التي تجعل محرك البحث الخاص بها يعرض خدمات التسوق الخاصة بغوغل كأولوية، وهو ما يضر بقدرة المستهلك على مقارنة الأسعار مع موفرين آخرين لخدمات التسوق غير "غوغل شوبنغ". وتم تغريم غوغل ما يزيد على 2.8 مليار دولار (2.4 مليار يورو).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد ذلك بعام، أي في 2018، فصلت المحكمة الأوروبية في دعوى متعلقة ببرنامج تشغيل الهواتف الذكية للشركة، أندرويد، وقضت بانتهاك غوغل قواعد المنافسة الحرة الأوروبية عبر ممارسات تلزم الشركات المصنعة للهواتف الذكية التي تعمل بنظام أندرويد بربط النظام بمنتجات غوغل الأخرى.
وتضطر تلك الممارسات، في اتفاقات غوغل مع الشركات المصنعة لأجهزة الموبايل، المصنعين إلى تنزيل مسبق لمحرك البحث غوغل وغيره من تطبيقات الشركة بشكل مسبق قبل طرح الأجهزة في السوق. وغرمت المحكمة الأوروبية غوغل ما يزيد على خمسة مليارات دولار (4.3 مليار يورو) مع إلزامها بالتخلي عن الممارسات السابقة.
أما الغرامة الثالثة العام الماضي، والبالغة 1.8 مليار دولار (1.49 مليار يورو)، فكانت في دعوى للاتحاد الأوروبي على غوغل لانتهاكها قواعد حرية المنافسة في ما يتعلق بالإعلانات على الإنترنت. وقضت المحكمة بأن ممارسات الشركة احتكارية، إذ تجبر الشركات التي تستخدم تكنولوجيتها على توقيع عقود تضمن الدفع بالإعلانات التي يحملها برنامج "آدسنس" الخاص بغوغل، إلى جانب إعلانات تلك الشركات على مواقعها.
بداية لحملات أوسع
بالرغم من أن القضية المرفوعة على غوغل قد يطول التقاضي فيها سنوات، مع احتمال التوصل إلى تسوية تدفع فيها الشركة ولو مليارات الدولارات للسلطات، إلا أن بعض المحللين والمراقبين يعتبرونها بداية حملة على شركات التكنولوجيا الكبرى وممارساتها الاحتكارية. وفي تصريحات لبعض النواب والشيوخ في الكونغرس، برزت إشارات إلى أن دعوى وزارة العدل تصرّف متأخر لكسر احتكارات "وادي السليكون"، مقر شركات التكنولوجيا الكبرى في غرب الولايات المتحدة، التي تفاقمت بالفعل.
ويتوقع كثيرون أن تنضم ولايات أميركية لدعوى وزارة العدل ضد غوغل. كما أن المحققين الفيدراليين وآخرين في ولايات عدة يجرون بالفعل تحريات، ويجمعون أدلة لدعاوى قضائية على شركات مثل أمازون وآبل وفيسبوك.
وتختلف قضايا الاحتكار وانتهاك المنافسة عن الاتهامات التي يغلب عليها الطابع السياسي، مثل الاتهامات لفيسبوك وتويتر مثلاً بالتأثير في الرأي العام لأغراض سياسية. وحتى غوغل اُتهمت من قبل الجمهوريين بأن محرك البحث الخاص بها يضع خوارزميات بحث بطريقة تجعل المواد المحابية للديموقراطيين تظهر للمتصفح كأولوية.
قضايا من نوع مختلف
ولأن قضايا الرأي العام والخلافات السياسية تحتمل التفسيرات والتأويل، فمن السهل على شركات التكنولوجيا التصدي لها، ولكن حين يتعلق الأمر بالمال والأعمال، وحقوق المنافسين من الشركات في حرية السوق ومنع الاحتكار، تصبح قضايا من هذا النوع مشكلة للشركات، وتنتهي بتفكيكها لكسر الاحتكار، أو تغريمها مبالغ طائلة.
ومع تحول سوق الإعلانات من المنافذ التقليدية مثل الصحف والإذاعة والتلفزيون إلى الإعلانات الرقمية عبر الإنترنت، تحظى قضايا الاحتكار على شركات التكنولوجيا الكبرى بأهمية متزايدة، فالكل يتنافس الآن على نصيب من كعكة الإعلانات الرقمية، ويتطلع إلى السلطات لحماية حرية المنافسة والتصدي لهيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى، التي توشك أن تواجه مشكلات قانونية عدة في المستقبل القريب.