وعد مرشح الرئاسة الديمقراطي جو بايدن خلال المناظرة الأخيرة التي خاضها أمام منافسه الشرس دونالد ترمب، بأنه "سينقل" البلاد بعيداً من النفط والغاز الطبيعي.
هذا الوعد قد يضر به سياسياً في ولايات مثل تكساس وبنسلفانيا، لكنه لم يفاجىء كثيرين في صناعة الطاقة إذ كان المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط والغاز يدركون تماماً أن العالم بدأ في الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، على الرغم من أنهم يجادلون بقوة بأن صناعتهم ستستمر في توفير طاقة رخيصة وفيرة لعقود مقبلة. وقال العديد منهم إن تعليقات بايدن لم تعجبهم، لكنهم لم ينزعجوا منها أيضاً.
وتورد صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "ما يهم الصناعة في نهاية المطاف ليس ما إذا كان سيكون هناك انتقال للطاقة، لكن مدى السرعة التي سيكون عليها هذا الانتقال وما إذا كان سيتم السماح للشركات باستغلال احتياطات النفط والغاز من خلال تعويض تأثيرها البيئي، والتقاط انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتخزينها".
شركات النفط الأوروبية تتبنى التغيير
العديد من شركات النفط الأوروبية الكبرى، تتبنى التغيير الذي دعا إليه بايدن مع تزايد المخاوف بشأن تغير المناخ وبدء المستثمرين في تجنب أعمال الوقود الأحفوري. على سبيل المثال، أعلنت شركة "بريتيش بتروليوم" أنها ستقلص خلال العقد المقبل إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40 في المئة وستزيد استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة عشرة أضعاف، لتصل إلى 5 مليارات دولار سنوياً.
لكن صناعة النفط الأميركية، والتي تبرعت بسخاء كبير لحملة الرئيس ترمب مقارنة بحملة منافسه بايدن، كانت أكثر تردداً في تغيير نماذج أعمالها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلاحظ المسؤولون التنفيذيون أن الغاز الطبيعي يحل بسرعة محل الفحم، أقذر أنواع الوقود الأحفوري. يكمل الغاز أيضاً مصادر الطاقة المتجددة من خلال توفير الطاقة عندما لا تشرق الشمس وتهب الرياح. حتى أن بعض المديرين التنفيذيين في مجال الطاقة أيدوا فرض ضريبة على الانبعاثات التي تسبب تغيير المناخ بحجة أنها ستخلق حوافز لالتقاط الكربون وتخزينه، ما يقلل الانبعاثات.
في المقابل، قال جورج ستارك، مدير الشؤون الخارجية في كابوت للنفط والغاز، التي لديها عمليات واسعة للغاز الطبيعي في ولاية بنسلفانيا "يجب أن تكون هناك قوة عمل كبيرة، نحن نكمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وبحاجة إلى شيء يمكن تشغيله بشكل مستمر".
وأضاف ستارك، مثل غيره من العاملين في هذا المجال، أنه وجد تعليقات بايدن مثيرة للقلق، لكنه لم ينتقد نائب الرئيس السابق بشدة، قائلاً "ستكون الفرصة متاحة لحوار أكثر اخضراراً".
لن يتم القضاء على الوقود الأحفوري حتى عام 2050
في المناظرة الأخيرة، قال بايدن إنه سيسعى إلى استبدال الوقود الأحفوري بمصادر متجددة "بمرور الوقت"، مشيراً إلى أن صناعة النفط "تُحدث تلوثاً بشكل كبير". لكنه أوضح سابقاً أنه يعارض إنهاء التكسير الهيدروليكي في حقول الصخر الزيتي، وهي ممارسة شائعة في بنسلفانيا وتكساس وأوهايو.
وقال بعض المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط والغاز إنهم أحبوا أجزاءً من خطة الطاقة التي طرحها بايدن هذا الصيف.
بعد المناظرة، سعى بايدن إلى توضيح ملاحظاته بالقول إنه لن يتم القضاء على الوقود الأحفوري حتى عام 2050. وفي الملاحظات التي بدت مصممة لمناشدة التقدميين الديمقراطيين والناخبين من الطبقة العاملة الذين يعتمدون على وظائف الوقود الأحفوري، مضيفاً أنه يريد إلغاء دعم الوقود الأحفوري.
وقال مايك سومرز، رئيس معهد البترول الأميركي، مجموعة الضغط الرائدة في الصناعة في واشنطن، في مقابلة صحافية "بالطبع شعرنا بخيبة أمل من تصريحات بايدن، لا يمكنك فقط إلغاء استخدام الغاز الطبيعي فجأة بنقرة أصبع"، مشيراً إلى أن نائب الرئيس السابق المرشح قد أعرب عن غموض كافٍ لدرجة أن التغيير السريع في حقول النفط والغاز الصخري غير محتمل.
وأضاف سومرز "التكسير الهيدروليكي في الوقت الحالي هو المعادل السياسي للضمان الاجتماعي، إنها أخبار جيدة لهذه الصناعة وللشعب الأميركي، أن كلا المرشحين من الأحزاب الرئيسية يدركان أهمية هذا الابتكار الذي جعل الولايات المتحدة شبه مستقلة في مجال الطاقة".
النفط والغاز يمثلان 70 في المئة من طاقة العالم
ستعتمد سرعة انتقال العالم من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، على سياسات الحكومات في جميع أنحاء العالم. لكنها ستكون مدفوعة أيضاً بالتقدم التكنولوجي، بما في ذلك المركبات الكهربائية وخلايا الوقود والطائرات والشحن وتخزين البطاريات للطاقة التي تنتجها توربينات الرياح والألواح الشمسية.
وبينما يعتقد العديد من خبراء الطاقة أن الطلب على النفط والغاز سيبدأ في الانخفاض خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، سيستمر استخدام الوقود لعقود.
وكالة الطاقة الدولية، وهي منظمة متعددة الأطراف أفادت أخيراً بإنه "لا يزال من السابق لأوانه توقع حدوث انخفاض سريع في الطلب على النفط نظراً للسياسات التي اعتمدتها الدول حتى الآن".
من الصعب تحديد توقيت التحول، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن صناعة الطاقة كانت تشهد تغيراً سريعاً في السنوات الأخيرة. وكانت الولايات المتحدة تستورد كميات متزايدة من النفط والغاز الطبيعي قبل 15 عاماً فقط عندما أدى التكسير الهيدروليكي فجأة إلى وفرة في كل من الوقود وجعل الولايات المتحدة مُصدِّراً كبيراً.
اليوم باتت السيارات الكهربائية شائعة بشكل متزايد، كما أن تكاليف طاقة الرياح والطاقة الشمسية تنخفض بسرعة. الفحم، الذي كان وقود الطاقة المهيمن في بداية القرن، في حالة تدهور عميق، وخسر أمام الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة.
وقال جون أولسون، رئيس قسم هندسة البترول والأنظمة الجيولوجية بجامعة تكساس في أوستن "حقيقة أن النفط والغاز يمثلان 70 في المئة من طاقة العالم، ما يعني أنه لا يمكنك تغيير ذلك مرة واحدة". وحذر أنه "إذا لم ندِر عملية الانتقال بشكل جيد حقاً، فقد ينتهي بنا الأمر بنقص الطاقة وجميع أنواع الكوارث".
فالسياسات الدائمة للنفط والغاز في أماكن، مثل أوهايو وبنسلفانيا وتكساس، مهمة للغاية حيث يرغب الديمقراطيون في الفوز بها، إلى جانب أن عشرات الآلاف من الوظائف بشكل مباشر أو غير مباشر ترتبط بإنتاج الوقود الأحفوري أو معالجته. أحد المصانع التي بنتها شركة "رويال دتش شل" غرب بنسلفانيا لإنتاج البلاستيك من أحد المنتجات الثانوية للغاز الطبيعي، توفر وظائف بناء لآلاف العمال.
قلق من العواقب الاقتصادية لرئاسة بايدن
بعد متابعة المناظرة، قال مايك بيلدينغ رئيس لجنة مقاطعة غرين في غرب بنسلفانيا، إنه قلق بشأن العواقب الاقتصادية لرئاسة بايدن.
وأضاف "على المستوى الإقليمي، كان الفحم والغاز الطبيعي والنفط صناعة اقتصادية وقوى عاملة دافعة على مدى القرن الماضي، التكنولوجيا المطورة حديثاً، مثل عمليات مصانع التكسير والتكسير، لديها إمكانات كبيرة لدفع اقتصاداتنا للقرن المقبل".
لكن نمو التنقيب عن النفط والغاز في السنوات الأخيرة أثار غضب بعض الناخبين في ولاية بنسلفانيا، الذين قالوا إنه لم يكن نعمة اقتصادية لكثير من السكان وانتقدوا السجل البيئي للصناعة.
وقال لويس باور بيورنسون، المقيم في مقاطعة واشنطن جنوب غربي بنسلفانيا والمنظم الميداني لمجلس الهواء النظيف، وهو مجموعة بيئية، "لقد كنا ننتقل، ودعونا نستمر في التحول نحو الطاقة الخضراء، إنها مسألة اقتصاد، لقد أنتجوا الكثير من الغاز وليس لديهم مكان لتخزينه".