أخيراً أُعلن رسمياً رحيل عزت الدوري، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، في العراق، عن عمر ناهز 78 سنة. وجاء الإعلان، بعدما تكرر نبأ موته، طيلة 17 عاماً، من حقبة ما بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003. وبعد أن توارى عن الأنظار لجهة مجهولة، لا يعلمها إلا ثلة مقربة من مرافقيه في تنظيم (النقشبندية )، وهي طريقة صوفية، تبناها الدوري مذ كان في الحكم في بغداد.
ترجيح وفاته في العراق
ويرجِّح مقربون من رفاق مسيرته من البعثيين، أنه توفي في العراق من دون تحديد مكانه. ونعته "القيادة القومية" في بيان مقتضب، وأشادت "بنضاله وثباته على مبادئ البعث" بحسب وصفها. كذلك نعاه الدكتور خضير المرشدي عضو القيادة القومية المستقيل أخيراً من الحزب، والمقرب من الدوري ومنهجه، مشيداً بدوره "القيادي في مقاومة أعداء العراق".
و قد دارت حكايات تشبه الأساطير عن رحلة اختفائه داخل العراق، بعد إعلانات حكومية متكررة عن إلقاء القبض عليه حيناً، وموته أحياناً.
ففي 2005 أُعلن نبأ وفاته، وتكرر في سنوات متتالية. وفي مناسبات قليلة كان يظهر الدوري بصوته وبصور ثابتة، عبر وسائل التواصل، لينفي تلك المزاعم. وسبق أن أعلنت فصائل مسلحة عن مقتله في بيجي، وفي تكريت، وكذلك في منطقة (سلمان بيك) الواقعة في المثلث بين تكريت والموصل وإقليم كردستان، حيث رُجِّح اختفاؤه هناك.
كذلك أعلنت الحكومة العراقية في مرات متكررة تمكنها من مقتله وأصدرت بيانات بذلك، فُسرت بأنها جزء من الحرب النفسية التي تشنها على ثاني أخطر اعدائها بعد صدام حسين، حين كان يتولى مسؤولية نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ونائب أمين سر القطر في العراق وعضو القيادة القومية.
انشقاقات
لكن فور إعلان تقلده لمنصب الأمين العام لحزب البعث، انشقت القيادة عنه الموجودة في سوريا، والتي تزعمها عضو القيادة القطرية محمد يونس الأحمد السبعاوي، حيث تبادل الطرفان اتهامات لاذعة بالتخوين والعمالة. إلى أن تمكن الدوري من تشكيل جبهة الخلاص الوطني المؤلفة من تحالفين: القيادة العليا للجهاد والتحرير، وجبهة الجهاد والخلاص الوطني التي انبثق منها تنظيم النقشبندية التابع للدوري.
مكافأة أميركية
وقد وضعت القوات الأميركية جائزة مالية قدرها 10 ملايين دولار، لمن يتقدم بأي معلومات تقود لاعتقاله، ووضعت صورته بين 55 مطلوباً على أوراق اللعب. وكان الدوري المطلوب السادس للقوات الأميركية، فهو يُعد الرجل الثاني في حكم العراق منذ عام 1979 بعد تولي صدام حسين رئاسة الدولة، وهو من المقربين إليه، من أبناء تكريت من غير أقاربه. الدوري كان من الحلقة الرباعية الضيقة التي تعمل حول صدام حسين وتدير الدولة والحكم، والمتمثلة: بعزت إبراهيم الدوري، وعلي حسن المجيد (ابن عم صدام)، وطه الجزراوي (كردي)، وطارق عزيز (مسيحي). هذه الحلقة توزعت عليها المناصب القيادية طيلة الـ24 سنة من عمر حكم صدام حسين، الذي أنهاه الغزو الأميركي للعراق عام 2003. والمعروف عن الدوري ولاؤه المطلق لزعيمه وطاعته لأوامره وتمثل منهجه في القيادة، وتواضعه الشديد وتقشفه في الحياة العامة، وحجبه لعائلته عن الظهور الإعلامي المطلق، ما جعله بمنأى عن المنافسة السياسية. وكُلف بملفات حساسة، لا سيما تصفية خصوم صدام حسين، وتأسيس دوائر الأمن والقيادات الحزبية من الموثوق بهم للنظام.
بدائل حقبة الدوري المقبلة
ونُسب للدوري الإشراف على عمليات مسلحة ضد النظام الجديد، ودعوات صوتية مسربة من مقربين إليه تدعو قطاعات مختلفة من العراقيين لمقاومة القوات الأميركية، وحرص على الظهور بالبدلة العسكرية ورتبة المهيب التي كان يتقلدها الرئيس صدام حسين. وقد مُني الدوري بانتكاسات عدة غير النفي والانشقاق والملاحقة والمرض المزمن، حين رفض تنظيم داعش الامتثال لطلبه بإطلاق مجموعة من أعضاء القيادة القطرية الذين التجأوا للموصل، وعلى رأسهم سيف المشهداني، وأعدمهم. كذلك تعرضه للمرض الشديد والمستمر بعد إصابته باللوكيميا (سرطان الدم)، الذي تطلب تغييراً مستمراً لدمه في ظروف استثنائية. ويتكتم رفاق رحلته في المنفى والاختباء، الحديث حتى الآن عن الظروف العصيبة التي واجهها، وكيف كان يدير الحزب من منفاه. ويتوقع مراقبون تولي قيادة شابة لمسيرة البعث الذي اعتاد العمل في الأوكار منذ حقبة الستينيات، وسط جدل وهمس في أوساطه عن محاكمة سياسية للذين فرَّطوا بالحزب والدولة، والتي عمدّ الدوري إلى تأجيلها بدعوى احتمال استفادة "العدو" من تلك المكاشفة، وتوظيفها ضد الشخصيات التي تعرض أركانها للقتل والتشرد والملاحقة.