ليس هناك سوى قلة من الدراسات أفضل من حالة هونغ كونغ، حول كيفية موت الديمقراطية. ففي السنوات العشرين الماضية، واصلت بكين بانتظام استحواذها على المقاليد الرئيسية للسلطة، متمثلة في الاقتصاد والإعلام والجهاز التنفيذي. وفي هذا العام، قررت الحكومة أن الوقت قد حان لفرض حكم استبدادي مطلق.
وكذلك وفّرت قيود "كوفيد- 19" ذريعة لقمع التجمع السلمي. ومع وجود رئيس تنفيذي أفضل قليلاً من مجرد دمية، جرى تقديم قانون الأمن القومي للقضاء على استقلالية المدينة. وفي هذا الأسبوع، أدى الاستبعاد الجماعي للمشرّعين الديمقراطيين إلى إقرار الوضع الراهن الجديد الذي يسود فيه نظام الحزب الواحد.
قبل عامين، روّجت هونغ كونغ لنفسها بوصفها "مدينة آسيا العالمية." والآن ينظر العالم بإشفاق إلى مدينة في حالة تدهور، ولا ينبغي أن نتفاجأ بنزوح جماعي منها.
لقد كشفت الأوضاع السياسية في هونغ كونغ بخشونة هشاشة الأعراف والمؤسسات الديمقراطية. وعلى الرغم من كل أحاديث بكين عن التعددية، تُظهر التطورات السياسية أيضاً أن الحزب الشيوعي الصيني لم يعد يهتم بالحفاظ على واجهة الامتثال للقانون الدولي. ويتضح هذا بشكل جلي من خلال التطورات الأخيرة في الحرب التجارية بين الصين وأستراليا، التي تمثّل انتهاكاً مباشراً لاتفاق التجارة الحرة والتزاماتها بموجب "منظمة التجارة العالمية".
إذ تشكّل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها بكين من جانب واحد لتطهير المجلس التشريعي لهونغ كونغ من الديمقراطيين، انتهاكاً صارخاً للإعلان الصيني البريطاني المشترك، وينبغي على المملكة المتحدة الحرص على أن يكون لذلك عواقب.
في هذا الإطار، يجب أن يكون هناك على الطاولة مساران للعمل. أولاً، يجب أن تنظر المملكة المتحدة في إمكانية رفع قضية لدى "محكمة العدل الدولية". وباعتبار ما حدث يمثّل انتهاكاً واضحاً لـ"اتفاق فيينا عن قانون المعاهدات"، فقد تكون ثمة قضية بهذا الشأن.
ثانياً، تعزّز التطورات حجة البرلمان البريطاني لتطبيق عقوبات ماغنيتسكي أو عقوبات أخرى، ضد المسؤولين عن انحراف هونغ كونغ إلى الاستبداد.
بالتراجع قليلاً، يعد هذا تذكيراً آخر بضرورة تشكيك المرء في اتفاقات حسن النية المبرمة مع الحزب الشيوعي الصيني، وينبغي أن تكون إحدى أولويات السياسة الخارجية للحكومة البريطانية النظر في المجالات التي نعتمد فيها استراتيجياً على بكين والسعي إلى تقليل هذا الاعتماد.
في هذا الصدد، لاحظ (الحاكم السابق لهونغ كونغ) كريس باتن حديثاً أنه من شينجيانغ إلى هونغ كونغ، ومن "كوفيد" إلى بحر الصين الجنوبي، تثبت سياسة بكين الخارجية أن "ثمة أمراً واضحاً، هو أنه لا يمكن للعالم أن يثق بديكتاتورية [الرئيس الصنيي] شي [جينبنغ]". لقد صرّح الرئيس الصيني بوضوح أن "الديمقراطية الدستورية الغربية" و"حقوق الإنسان العالمية" تشكّل أفكاراً يجب التغلب عليها إذا أُرِيدَ للصين أن تظهر كقوة عظمى. وفي هذا المعنى، يكون الحزب الشيوعي قد وضع نفسه في مواجهة القيم الغربية. لذا يجب أن نكون حذرين من منحهم الكثير من النفوذ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المسألة تتعلق بالأمن القومي والقيم والمصالح البريطانية. وبينما يستعد مجلس العموم لمناقشة مشروع قانون الأمن القومي والاستثمار الذي طال انتظاره من الحكومة، ينبغي على الحكومة البريطانية مراجعة نقاط الضعف على وجه السرعة. ثمة وعي متزايد بأن سياسات "العصر الذهبي" التي انتهجها ديفيد كاميرون قد تركت المملكة المتحدة مكشوفة. ولقد أوردت وكالة "بلومبرغ" للأنباء حديثاً أن الصينيين شاركوا في صفقات بـ70 مليار دولار (53.2 مليار جنيه إسترليني) في المملكة المتحدة. وتركّز عدد من تلك الصفقات في صناعات أساسية كالطاقة والعقارات، فيما تعتمد جامعاتنا على تمويل الطلاب الصينيين، وبحسب التقارير يتعرض طلاب هونغ كونغ للترهيب. كذلك يعد انكشاف الشركات البريطانية في هونغ كونغ مسألة مثيرة للقلق. ومثلاً، يجني بنك "آتش إس بي سي70" HSBC في المئة من أرباحه من هونغ كونغ التي تعتبر مركزه في آسيا؛ لذا فإنه يمر في مرحلة حرجة.
بقول آخر، يعني ذلك كله أن السياسية المتبعة تجاه الصين لم يعد من الممكن أن تنقسم بين وزارة الخارجية التي تركز على الدبلوماسية وبين وزارة الخزانة المعنية بالعلاقة المالية للمملكة المتحدة مع الصين. لقد باتت [تلك السياسة] تتعلق بالدفاع والشؤون الداخلية والأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية والتجارة والتعليم. ويجب على رئاسة الوزراء تشكيل مجموعة عمل لتنسيق وتخصيص موارد أكبر لتحديد مكمن التهديدات. ولقد أوضحت إدارة بايدن الجديدة في الولايات المتحدة صراحة، أنها تتطلع إلى إجراءات متعددة الأطراف في الرد على الصين، وهذه فرصة لبريطانيا.
تشير الحوادث في هونغ كونغ إلى نظام عالمي جديد. في 1990، لخص الزعيم الصيني السابق دينغ كيياو بينغ نهج بكين للسياسة الخارجية بعبارة "إخفِ قوتك وانتظر وقتك." في 2017، تخلى الرئيس شي عن هذا المبدأ وتبنى شعاراً جديداً هو "حان الوقت لأن نأخذ موقع الصدارة". وكذلك ذكر وزير خارجيته إن الصين ستصبح "القوة الأكثر نشاطاً وإيجاباً في إدارة الشؤون العالمية".
يعتبر تمزيق الإعلان الصيني البريطاني المشترك، نتيجة لهذه السياسة الخارجية الجديدة الحازمة. وتتضمن رؤية شي رفضاً شاملاً للمعايير الدولية أو إعادة تصورها. إنه أعظم تحد يواجه الليبرالية الدولية في السياسة الخارجية المعاصرة، ونحن بحاجة إلى التعامل معه بجدية.
جوني باترسون هو مدير السياسات في Hong Kong Watch - وهي منظمة غير حكومية تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون في هونغ كونغ.
© The Independent