الترقب سيد الموقف في شرق آسيا مع دنو موعد قمة الرياض، فالاقتصاد العالمي متباطئ، وينذر بأزمات اقتصادية لما بعد كورونا، تفوق الكساد الكبير الذي حصل العام 1930، مما يجعل قمة الـ 20 الأهم منذ عام 2009، حين عقدت في لندن عقب الأزمة المالية العالمية.
ويضاف لأهمية هذه القمة قلة التركيز على قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، والتي لم يحدد موعدها، كما تستثمر دول شرق آسيا الفرصة الذهبية لطرح تجاربها وسياساتها في محاربة الوباء وما بعده، وتغير التوجه العالمي بخطط تسهم فيها المجموعة بالحفاظ على البيئة.
تأجيل الديون وتقليص الكربون
أعلن الرئيس الصيني تشي جين بينغ في خطابه أمام قادة ورؤساء مجموعة الـ 20 الطارئة، مسؤولية ودور الصين، وأكد على ضرورة عمل دول المجموعة معاً لمكافحة الوباء المستجد، ودعم أدوار المجتمعات الدولية لمتابعة الوباء، وتنسيق سياسات اقتصاد عالمي كلي، منادياً جميع دول المجموعة لإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي من خلال خفض الرسوم وإزالة العوائق، وتسهيل تدفق التجارة الحرة.
ومن المرجح أن تبرهن الصين خلال القمة المقبلة على دورها الفاعل في تعافي الاقتصاد العالمي، إذ ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وينبين أن قمة الرياض المقبلة سيكون لها دور مؤثر في تقوية الجهود الدولية لمحاربة "كوفيد-19"، وتسريع التعافي الاقتصادي، إضافة إلى إلقاء الضوء على موافقة الصين على مبادرة مجموعة الـ 20 لتأجيل سداد الديون عن الدول الأكثر فقراً، إذ لاقت الدعوة ترحيباً من الدول المقرضة ومنها الصين، التي تعد أكثر دول المجموعة إقراضاً للدول الأفريقية.
وأكدت الصين التزامها بتنفيذ خطة الدين التي وضعتها المجموعة للمساعدة في تخفيف الديون عن الدول الفقيرة من دون شطبها، وتحقيق التنمية المستدامة لتلك الدول خلال الجائحة المستجدة، وهي أكثر دول المجموعة إقراضاً للدول الأفريقية، وهو ما أشار إليه الرئيس الصيني تشي جين بينغ خلال حديث له في قمة السلام في الـ 13 من نوفمبر (تشرين الثاني)، حين أوضح أن بكين تعمل بجدية على مبادرة تأجيل الديون للبلدان الأكثر فقراً، وأن بلاده ستأخذ دوراً حيوياً في التعاون الدولي للتنمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن خطة الصين التي طرحتها أخيراً عن التحول لمصادر الطاقة النظيفة، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول العام 2060، من المتوقع أن تكون من الملفات التي تطرحها بكين خلال قمة الرياض، في إطار أهداف القمة الساعية إلى حماية الكوكب، إذ تعد هذه الخطوة تقدماً كبيراً في طريق الحفاظ على البيئة ومحاربة تغيير المناخ، بخاصة وأن الصين تعد من أكبر مصادر الكربون، ومسؤولة عن 28 في المئة من الانبعاثات العالمية.
وأوضح السفير الصيني في السعودية خلال حوار له مع جريدة "عرب نيوز" أهمية قمة الـ 20 التي تترأسها السعودية للمرة الأولى، موضحاً التأثير الدولي الكبير للمملكة عالمياً وإقليمياً، كونها الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة الـ 20.
وتوقع السفير ويكينغ أن تخرج قمة الرياض بسلسلة من المخرجات التي يمكنها أن تدعم الجهود الدولية في محاربة "كوفيد-19" وتعافي الاقتصاد.
وستعمل الصين مع أعضاء المجموعة للقيام بدور قيادي في الحوكمة الدولية، ودعم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وفقاً لما صرح به سفيرها في الرياض.
كوريا ضد الجائحة
تعرف كوريا الجنوبية بقوة اقتصادها، إذ صنفت في المركز الـ 11 كأكبر الاقتصادات في العالم عام 2015. وتخطى اقتصادها إلى المركز التاسع عالمياً هذا العام، كما أنها رابع أكبر اقتصاد في القارة الآسيوية.
وجذبت كوريا الجنوبية اهتمام العالم بتعاملها مع جائحة كورونا، ووفقاً لمحللين كوريين، ويعود ذلك إلى إجراءات العزل التي تتسم بالشفافية وإجراءات العلاج، كما شاركت "سيوول" تجربتها مع باقي أعضاء المجموعة في سابق الاجتماعات.
ويقول وزير الاقتصاد والمالية في كوريا الجنوبية هونغ نام كي، إن الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة كورونا من الممكن أن تفوق الأزمة المالية العالمية عام 2008، وحتى الكساد الكبير في عام 1930، وأكد ضرورة عودة القيادة لمجموعة الـ 20، والانشغال بالاقتصاد العالمي مجدداً.
وذكر الوزير الكوري في مقالة سابقة له أن دول "الـ 20" تحتاج إلى الإبقاء على التزام قوي في تنسيق السياسات، وتفعيل هذا الالتزام من خلال خطط فعلية ومحددة، كما يجب أن تتضمن مواجهة أزمة الجائحة الجديدة استراتيجية للخروج منها، ورؤية طويلة المدى للاقتصاد العالمي، كما أوضح أن مجموعة الـ 20 يجب أن تتعاون في سياسات الإنقاذ الاقتصادي وإجراءات الحجر الصحي، وأن تكون ضمن خطة عمل المجموعة.
وما يؤكد هذه الرؤية دعوة الرئيس مون جاي إن في القمة الاستثنائية إلى تحالف دولي ضد الوباء، ومشاركة الدول لإجراءات وخبرات العزل وبيانات العيادة، والقوى الأساسية في السماح بالسفر.
وشارك مون تجربة سيوول في التعامل مع الجائحة، والإجراءات الناجحة التي اتخذتها بلاده، متضمنة التطور السريع في كواشف الفحص في السيارات، وتطبيقات الهواتف المحمولة التي تساعد في العزل الذاتي.
الرئيس الكوري اقترح الحفاظ على التبادل الاقتصادي الأساسي بين الحدود للتغلب على الأزمة الاقتصادية لجائحة كورونا، ووجه وزير المالية بإعداد خطط للتنسيق بين دول المجموعة في إجراءات العزل وسياسات الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي العالمي وحركة الأشخاص والبضائع بين الدول، في ظل توقعات بأن تلك الخطط من شأنها أن تعود مجدداً للطرح خلال القمة المقبلة.
وستعمل سيوول على الإلماح إلى التزامها بخطة مجموعة الـ 20 في التنمية المستدامة، بعدما أعلنت في أكتوبر الماضي سعيها إلى تحقيق الحياد الكربوني مع الوصول إلى عام 2050، إذ حثّ الرئيس على ضرورة إنهاء الاعتماد على الفحم واستبداله بأحد مصادر الطاقة المتجددة.
اليابان وظهور سوغا الأول
ترأست اليابان مجموعة الـ 20 العام الماضي، وأكد رئيس وزرائها السابق شينزو آبي ثلاث أولويات خلال القمة التي عقدت في أوساكا العام الماضي، وتنص على تقوية التجارة الحرة والعادلة، وتطوير القواعد لنشر البيانات على مدار الحدود الدولية، وتقدير الابتكار لمواجهة التغيير المناخي مع حل باقي المشكلات البيئية. ولكن قمة أوساكا شهدت توتراً في العلاقات بين طوكيو وسيوول، حيث لم يجتمع رئيس الوزراء الياباني والرئيس الكوري على هامش القمة بسبب خلافات تاريخية بين البلدين.
وفي القمة الاستثنائية لمجموعة الـ 20، نادى رئيس الوزراء السابق شينزو أبي بضرورة التزام دول المجموعة بسياسات مالية واقتصادية جريئة وطويلة المدى، للتأكيد على قوة المجموعة كما فعلت أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وفي قمة الرياض، يُنتظر أن تؤكد اليابان أهمية الاستثمار وتعافي الاقتصاد العالمي، حيث نادى وزير المالية الياباني في قمة وزراء المالية بأهمية زيادة دول مجموعة الـ 20 للإنفاق، في محاولة لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي.
وقال السفير الياباني في السعودية تسوكاسا أيمورا لصحيفة "عرب نيوز" إن رئاسة السعودية للقمة ستُذكر دائماً بوصفها حدثاً مهماً للإنسانية في معالجة الأزمة الصحية العالمية بحكمة، كما تتطلع اليابان إلى أن تقدم قمة الرياض أفعالاً محددة تجاه عدد من القضايا، ومنها دعم مبدأ الاقتصاد الدائري منخفض الكربون، والحفاظ على التجارة العالمية الحرة، وفقًا لسفيرها تسوكاسا أيمورا.
هذه المؤشرات لاتجاهات طوكيو في القمم السابقة، وسياستها البيئية، ترجحان إظهار اليابان اهتمامها بالأزمة الاقتصادية في ظل كورونا، والحياد الكربوني على قائمة ما ستتناوله في القمة المقبلة.
كما سيتم خلال قمة الرياض الحضور الأول لرئيس الوزراء الياباني الجديد يوشيهيدي سوغا الذي خلف شينزو آبي.
وتشير سياسات دول جنوب شرق آسيا أخيراً إلى احتمال أن تشهد قمة الرياض فرصة جيدة لمناقشة سياسات الحياد الكربوني، وطرح خططها لتقليل الانبعاثات، ومساعدة نظرائها في مجموعة الـ 20 على اتخاذ خطوات مشابهة لها حفاظًا على البيئة، إلى جانب دعم الاقتصاد العالمي في ظل جائحة كورونا.