لعبت الأزمات الاقتصادية دوراً مهماً في رحلة تطوير مجموعة الـ 20 منذ الولادة، وربما قبل ذلك، منذ أزمة الديون السيادية في تسعينيات القرن الماضي، إلى الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 المعروفة بـ "أزمة الرهن العقاري"، التي تكونت فيها الأعضاء الكاملة لهذا الوليد الاقتصادي العالمي، في محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة، ونجحت في ذلك.
وبالتالي، لا يمكن التعامل مع هذا الكيان بمعزل عن الأزمات، ومدى قدرته على التعامل معها، فالمجموعة التي تكمل اليوم عامها الـ 13، نهضت في 2008 من ركام الاقتصاد العالمي بعد مخاض عسير، ولا تريد العودة إلى الركام ذاته، وتسعى بجهد للتعامل برشد أكبر مع مشكلة العالم ككل.
مخاض الولادة أم أزمة منتصف العمر؟
إذا افترضنا بأن ما عايشه هذا الكيان في 2008 كان مخاض ولادة عسير، فلا حرج في تسمية ما يعشيه اليوم في 2020 "أزمة منتصف العمر"، وهو الذي لم يحسب سنواته الماضية، وما أنجزه فيها، في ظل انتقادات واسعة طالت أداءه وجدوى استمراره، إذ يعيش العالم اليوم أزمة وجودية تهدد الاقتصاد العالمي ككل، بفعل تبعات الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا التي أضرت به كثيراً، بعدما وضعت الأنظمة أمام خيار الصحة أو الاقتصاد.
وبالنظر إلى التجربتين، بين 2008 و2020، يتضح أن العالم يجيد التعامل مع الأزمة الحالية أكثر من سابقتها اقتصادياً، مما يطرح تساؤلاً حول أي الأزمتين أكثر حدة وعنفاً على الاقتصاد العالمي، "مخاض الولادة" أم "أزمة منتصف العمر"؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يرى مدير تحرير الاقتصاد في قناة الشرق محمد البيشي، أي وجه للمقارنة بين التحديين الاقتصاديين، "لا مقارنات اقتصادية مع أزمة كورونا، إلا أزمة الكساد العظيم في 1929، أما مقارنتها بأزمة 2008 فهو تقليل من الأثر الفادح لها. صحيح أنه لم تنهر مؤسسات مالية كبرى مثل ما حصل لـ "ليمان براذرز" قبل 13 سنة، لكن هناك دولاً بأكملها انهارت اقتصادياً، ودولاً أكثر ستنهار".
ويشير إلى صعوبة ما يتعرض له العالم اليوم، "حتى لو تجاوزنا الانهيار فإن خريطة الاقتصاد ستتغير. هناك دول كبرى اقتصادياً كالبرازيل وكندا ستخرج من خريطة الاقتصاد الدولي، وهذا سيأخذ وقتاً حتى تظهر نتائجه"، إذ يبدو أن التوقعات بداية العام هي ما أسهمت في التقليل من النتائج اليوم، "وكل ما في الأمر أن الضربة العنيفة التي وجهها كورونا، خلقت زخماً دفع الناس لتوقع نتائج أسوأ"، وهو ما جعل مقارنة الضرر تسير لمصلحة ما حصل في 2008.
تفسير آخر يسير إليه المحلل والمتخصص في إدارة الأصول محمد السويّد، بالتفريق بين الأزمتين من حيث المتسبب فيها، فـ "أزمة 2008 تسبب بها الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وكانت آثارها سلبية بشكل بالغ، لأنها حدثت في منتصف فقاعة العقار والأسهم الأميركية حينها، وكان تعرّض إحدى كبرى المؤسسات المالية للإفلاس آنذاك بداية مرعبة نبّهت العالم فجأة إلى المخاطر المحدقة بالنظام المالي"، في حين أن أزمة 2020 تشكلت بسبب "إجراءات حكومية بحتة، مخطط لها بشكل دقيق، إذ قامت بها الحكومات عن دراية كاملة بنتائجها لمواجهة فيروس كورونا عن طريق الإغلاق، الذي تسبب في إرباك متوقع وغير مفاجئ لسير الاقتصادات العالمية".
السير طواعية نحو الأزمة
في المقابل، يبدو أن الإجراء الطوعي الذي أخذته القيادات السياسية نحو خلق الأزمة الاقتصادية بشكل عاقل ومدرك، بحثاً عن تحقيق مكتسبات صحية، أسهم في مساعدة المجموعة على التخطيط لاحتواء التبعات بشكل جيد، من خلال حزم التحفيز في الوقت المناسب، على عكس ما حصل في 2008 التي جاءت فيها الحزم بعد وقوع الكارثة.
ويضيف السويّد، "نجحت دول الـ 20 خلال 2020 في إقرار السياسات التحفيزية للاقتصاد الدولي بشكل عاجل، من دون تأخير"، مضيفاً في ما يتعلق بنضج القرار داخل المجموعة بعيداً من الأهداف الأنانية، "فضلاً عن ذلك كانت القرارات أكثر نضجاً في النظر إلى حاجة الاقتصاد العالمي، إذ اعتنت بالدول النامية في المساعدات العاجلة، إذ تم اعتماد أكثر من 11 تريليون دولار كبرامج تحفيزية من قبل الدول الأعضاء".
ولكن ثمة أسباب أخرى لهذا التماسك في رأي البيشي، فقد كانت "الأزمة الاقتصادية هذا العام مفاجئة من حيث عمقها، لكن لم تكن مفاجأة في التوقيت، فقد سبقتها بعض إشارات التمهيد التي ساعدتها في ترتيب إجراءات جديدة لاستمرار حركة الاقتصاد، مثل توظيف التقنية، ما ساعد العالم في الحفاظ على تماسكه"، أضف إلى ذلك "مستوى التنسيق العالي الذي قدمته مجموعة الـ 20 بين قادتها، مما أسهم في منع أي حروب تجارية في مارس (آذار) الماضي، وإبقاء العلاقة بين قادة الدول الكبرى عند الحد الأدنى من التعاون".
لكن مهما كانت النتيجة، فابنة الـ 13 ربيعاً لا يبدو أنها ترغب في استعادة ذكريات الطفولة، وهي التي تقاتل منذ بداية العام لحماية آبائها الـ 20 من العودة إلى نقطة الصفر. الصفر الذي ولدت تحته.