عمد مركز البحوث الزراعية الدولي "إيكاردا" إلى إرسال شحنات من حلب، شمال سوريا، إلى أحد الأقبية في القطب الشمالي (سفالبارد)، بهدف انتشال أكثر البذور السورية النادرة من نيران الحرب.
وضمن مختبرات تمتاز بالجودة العالية وعلى أيدي علماء دوليين أُجريت بحوث مكثفة امتدت عقوداً على كميات من حبوب العدس والقمح والحمص، ونجح المركز الزراعي في نقل نسخ من التجارب والجينات إلى مراكز دولية حاضنة، بعدما خرج "إيكاردا" عن العمل من البلاد في 2012.
وغادر مركز البحوث البلاد إثر احتدام المعارك في محيط تل زراعي، يطلق عليه "تل حديا" الواقع في ريف حلب الجنوبي، ونقل مقره إلى العاصمة المغربية الرباط، وافتتح بنكاً في بيروت، وكأن مصيره أن يكون دائم التنقّل والترحال، لا سيما أن مقرّه الأساسي كان في لبنان، وانتقل منه عام 1977 على إثر الحرب الأهلية.
من حلب إلى النرويج
وكشفت صحيفة "وايرد" الأميركية عن حدوث صفقة تهريب قبل ستة أعوام ممتدة بين 2012 و2014، بررته بأسباب تتعلق بتأمين البذور في مكان آمن، بعيداً من الحرب في دولة النرويج، وفي قبو يطلق عليه "قبو يوم القيامة".
وذكر التقرير أن تلك البذور تعود إلى أهم المحاصيل في المعمورة، كما وصفت بأنها ذات قيمة لا تقدر بثمن تصل إلى ما يقارب 116 ألف عيّنة، ووزعت 300 بذرة منها في لبنان والمغرب، وأوردت مديرة بنك الجينات في "إيكاردا" ماريانا يزبك، "طوّرنا البذور الجديدة، وشُحنت حول العالم لمن يطلبها".
وتسعى أبحاث "إيكاردا" إلى تطوير محاصيل قادرة على مقاومة الجفاف والآفات والأمراض الناتجة من التغيّر المناخي وبناء نظم زراعية متكاملة لإنتاج المحاصيل الحقلية وتعزيز سلاسل القيمة الغذائية المستدامة من أجل تنوّع الدخل وتحسين سبل العيش لصغار المزارعين في المناطق الجافة.
السوريون والحاجة إلى حبوبهم
وإزاء هذا يأتي الكشف عن أعمال انتقال البذور واستفادة دول عدة من جودة القمح السوري، منها الولايات المتحدة، إذ أنقذت هذه الأصناف المحسّنة المقبلة من سوريا موسم الزراعة الأميركي، عقب جفاف شهده عام 2018، وبعدما تنبّأ خبراء الزراعة بانخفاض معدلات الإنتاج الأميركي من القمح أربعة في المئة سنوياً.
من جهتها، كشفت منظمة أورغانك كونسيومر الأميركية، عن عثورها على بذور النبات السوري على بعد 25 كيلومتراً غرب مدينة حلب على يد فريق بحثي. وأشارت وسائل الإعلام لاحقاً إلى ميزة هذه البذور وقدرتها على التطور الجيني.
ولم تعلّق وزارة الزراعة أو مصدر مسؤول حول ما سرّب من تهريب للبذور، في وقت تعيش البلاد أزمات متلاحقة في إنتاج القمح وتدنّي مستواه بسبب الجفاف.
وعمدت الوزارة المعنية إلى إعطاء أوامرها للمزارعين بضرورة زرع كل المساحات المتاحة بالقمح، بعد ضائقة الجفاف وتدنّي الإنتاج وحرائق المحاصيل في الشمال الشرقي، علاوة على إحكام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قبضتها على التوريدات وشبه توقفها، بعدما درجت العادة استجرار دمشق القمح والنفط منها.
ويقدر إنتاج القمح لعام 2019 بنحو 2.2 مليون طن متري، مقارنة بإنتاج العام الماضي الذي كان الأدنى على مدى السنوات الـ29 السابقة والبالغ 1.2 مليون طن، بحسب تقرير أصدرته منظمة الأغذية (فاو).
وذكر التقرير أن الإنتاج لا يزال أدنى بكثير من متوسط ما قبل الأزمة والبالغ 4.1 مليون طن (2002 - 2011). أما إنتاج الشعير، المقدر بمليوني طن متري، فقد ازداد خمسة أضعاف عما كان عليه عام 2018، متجاوزاً متوسط مستويات الإنتاج التي حُققت قبل الأزمة بأكثر من 150 في المئة.
الحلول الغذائية عبر الإنتاج
ولم تخلُ انعكاسات نقص توريدات الدقيق للأفران على صناعة الرغيف وغلاء سعره بعد التكاليف الباهظة التي تنفق عليه الحكومة، وسمّي بـ"الرغيف المدعوم" مع عوامل أخرى سببت بالنتيجة ازدحاماً على الأفران، مضافاً إليه تهريب الدقيق وتدنّي مستوى إنتاجه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتجهت دمشق على إثر الحرب وفقدانها أكبر مخزونها الاستراتيجي من القمح والحبوب الأخرى إلى الاستيراد، وقدّمت موسكو دعماً كبيراً في هذا المجال، كان آخره إعلان مناقصة في أول نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لشراء 150 ألف طن من القمح.
ولا يزال قطاع الزراعة الذي يوفّر مصدر الدخل الرئيس لمعظـم السوريين، يتكبّد خسائر في البنى الأساسية الحيوية وإنتاج المحاصيل والثروة الحيوانيـة ورأس المـال البشـري، وفق تقرير هذا العام لمنظمة الإسكوا.
وكانت سوريا تفاخر قبل الحرب بإنتاج الحبوب، منها القمح الذي بلغ ما يزيد على 4 ملايين طن، وبمساحة 1.7 مليون هكتار. ويروي المهندس الزراعي عز الدين شهاب، أهمية القمح في بلاده، قائلاً "هناك نوعان الطري والقاسي، إلا أن مواسم الجفاف والحرب الأخيرة وخروج مساحات من أيدي الدولة جعل سوريا من بلد مصدّر إلى مستورد".
واختتم، "اضطرت البلاد خلال 2012 إلى استيراد الطحين للمرة الأولى، وزادت موجة جفاف خيّمت على المنطقة في 2014 الأمور سوءاً، إذ انخفض المحصول إلى أدنى مستوياته بأقل من مليون طن، وبأحسن الأحوال لا يزيد على 1.7 مليون طن".