شهدت شركات سعودية كبرى حراكاً على مستوى الرؤساء التنفيذيين خلال الأعوام الأربعة الماضية باستقالات وتغييرات في مقاعد الرؤساء على غير العادة. وبحسب إعلان المؤسسات المدرجة في هيئة السوق المالية "تداول"، فمنذ بداية سبتمبر( أيلول) الماضي إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، قُدم عدد كبير من الاستقالات. وتعددت أسباب رحيل الرؤساء التنفيذيين عن مناصبهم، إلا أن السبب الأكثر شيوعاً هو "ظروفهم الخاصة"، من دون توضيحها.
ويعد الرئيس التنفيذي (CEO) أعلى سلطة في الشركة، فهو المسؤول عن إدارتها وتنفيذ سياستها المقررة من قِبل أعضاء مجلس الإدارة، إضافة إلى مهامه الرئيسة، من تخطيط للأهداف وتنظيم الموارد وتوجيه الموظفين ومراقبة سير العمل، مع تحقيق الأهداف الموكلة إليه، وهنا تكمن حساسية استقالته.
موجة استقالات
يبدو أن ثقافة استقالة الرئيس التنفيذي لشركات في دول العالم الثالث ليست دارجة، لذا يرد مصطلح الإقالة لا الاستقالة عادة في رسائل الرحيل، نتيجة لخلاف في التوجهات بين الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة، أو فشله في تنفيذ خطط الشركة، بحسب دراسة أعدتها شركة "كي بي إم جي".
غير أن الثلاثة أشهر الماضية شهدت موجة استقالات لعدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات كبرى بالسعودية مدرجة في "تداول". وتنوعت مجالات الشركات بين قطاع الاتصالات والبنوك المصرفية وقطاعات أخرى. ففي الاتصالات، قدم الرئيس التنفيذي لـ"إس تي سي" ناصر الناصر، استقالته في 29 من نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي كان علامة مميزة في ربحية الشركة، بحسب سهم المؤسسة بنسبة 20 في المئة تقريباً.
أما في القطاع المصرفي، فقد استقال ثلاثة رؤساء تنفيذيين بعد أكثر من 15 سنة، قضوها في العمل، وكان السبب "ظروفهم الخاصة"، بحسب ما أفادوا في إعلان استقالاتهم. فالرئيس التنفيذي لـ"مصرف الإنماء" عبد المحسن الفارس، الذي أدار المصرف 14 سنة، استقال في 29 من نوفمبر، وهو الذي قاد عملية الإدراج في سوق الأسهم في 2007. كما أعلن البنك العربي الوطني في 22 سبتمبر (أيلول) استقالة الرئيس التنفيذي روبير مارون عيد الذي عمل أكثر من 15 سنة، بينما وضع نبيل الحوشان حداً لسنواته في "بنك الجزيرة" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي يشغل حالياً عضو إدارة في بنك التنمية الاجتماعية.
قطاعات أخرى
كما أعلنت مجموعة "صافولا" في 28 من أكتوبر (تشرين الأول) استقالة الرئيس التنفيذي أنيس مؤمنة لأسبابه الخاصة، وهو الذي عُين في 2018، وأحدث تحولاً لافتاً في الشركة من الخسارة إلى الربح، بحسب منشور الشركة الدوري. وقد نجح مؤمنة في تحقيق صافي ربح 475 مليون ريال (126 مليون دولار)، ونمو في سعر السهم 28 في المئة، وكذلك حصلت الشركة في فترته على المرتبة الرابعة في مؤشر "ستاندارد آند بورز" و"داو جونز" ومعهد "حوكمة دبي".
واستقال الرئيس التنفيذي لـ"المراعي لمنتجات الألبان" السعودية في 17 نوفمبر ماجد مازن نوفل، الذي لم يكمل عامه الأول في الشركة لظروفه الخاصة. واختلف سبب استقالة يوسف سعيد بازيد، الرئيس التنفيذي لشركة "اليمامة للصناعات الحديدية"، وذلك لبلوغه السن القانونية للتقاعد.
تعويضات الرؤساء التنفيذيين
وذكر مسح، أعدته منصة الرؤساء التنفيذيين السعوديين المعنية بتتبع أخبار تحركات التنفيذيين في القطاع الخاص السعودي، اعتمد على شريحة كبار التنفيذيين في 176 شركة مدرجة في السوق المالية السعودية "تداول" موزعة على 20 قطاعاً، أن "تعويضات ورواتب كبار التنفيذيين في الشركات خلال 2019 سجلت نمواً بسيطاً، صرفت لما يقارب 893 تنفيذياً بمتوسط 2.2 مليون ريال للفرد (533 ألف دولار)".
وأظهر المسح أيضاً، أن كبار التنفيذيين في قطاعي البنوك والمواد الأساسية أكثر القطاعات استحواذاً على التعويضات بـ445 مليوناً و269 مليون ريال (71 مليون دولار). بينما سجل قطاعا البنوك والاتصالات أكثر الشركات من حيث معدل تعويضات الفرد بـ7.1 مليون (1.87 دولار) و6.3 مليون ريال للفرد (1.6 مليون دولار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال محلل الأسواق المالية بسام العبيد، إن استقالة الرئيس التنفيذي "تأثيرها بالغ"، والأمر قد يكون له علاقة بـ"الأداء أو بالمدير نفسه"، إذ يعمد بعضهم إلى تقديم استقالته "بعد تحقيق خسائر أو ضعف بالأداء للشركة أو عدم القدرة على إحداث تغيير"، وهذا يعد تحذيراً لملاك أسهم المؤسسة، وإشارة إلى عدم قدرتها على المنافسة، مما يدفع المستثمرين إلى عمليات البيع والتخلص من السهم لتتفاقم الخسائر.
ويرى عبد الله حمد الفوزان، رئيس مجلس إدارة "كي بي إم جي" الفوزان وشركاه، أن الشركات المدرجة تتبع أنظمة حوكمة قوية، تجعلها "لا تتأثر باستقالة الرئيس التنفيذي، أو يكون التأثير محدوداً"، وقال "إذا كنا سنشهد مزيداً من الاستقالات، فلا شك أن أولويات الشركات والمساهمين والمستثمرين بعد جائحة كورونا قد تغيرت بالمجمل، وهو ما قد يتطلب تغييراً في أساليب القيادة".
وفيما يتعلق بارتفاع عدد الاستقالات خلال الأيام الماضية، خصوصاً قطاعي المصارف والاتصالات، أضاف الفوزان "الكل يعلم أن قطاع الاتصالات يعيش حالياً فترة تحول، وقد حققت السعودية نجاحات، وكذلك القطاع المصرفي الذي كان من الركائز الفاعلة والدفاعية للتصدي لآثار جائحة كورونا بإشراف البنك المركزي"، ولذلك لا يعتقد أن آثار الجائحة "هي السبب الرئيس لهذه الاستقالات".
ويلفت النظر إلى أن "عدد الاستقالات في 2019، كان أكثر من هذه السنة، علماً أن السنة المالية لدى الجميع قد انتهت، و2020 ما زال بها شهر". مضيفاً "السعودية تشهد تحولاً إيجابياً نحو تمكين القيادات الشابة منذ عدة أعوام، وهي بالعموم ناجحة في عدة قطاعات".
واختتم الفوزان "الاستقالة لا تعني شيئاً سلبياً بالعموم. هي حالة صحية تعتمد على التجديد والتغيير، وبث روح وإستراتيجيات جديدة، بحسب متغيرات السوق وبيئات العمل ونماذج الأعمال المتغيرة باستمرار، بوجود أزمات أو من دونها".
هذه الاستقالات رافقت إعلان "هيئة السوق المالية السعودية"، الإثنين الماضي، إحالة 22 مستثمراً إلى النيابة العامة بشبهة التحايل. وشمل الاشتباه المشار إليه في بيانات السوق، تداولاتهم على سهم شركة "دار الأركان للتطوير العقاري"، وتحقيقهم مكاسب على محافظهم الاستثمارية بمبلغ إجمالي قدره 1.33 مليار ريال (354 مليون دولار). وربط بعض المتابعين لملف الفساد تلك الاستقالات باحتمال وقوع شبهات فساد في الشركات المذكورة رغم أن أي منها لم تشر إلى تورط المسؤولين المستقيلين بالفساد خاصة أن أي من المستقيلين لم يحل إلى القضاء ما يدحض التكهنات السلبية.
لكن اكتفاء الشركات الكبرى المدرجة في تداول بمصطلح "الظروف الخاصة" في الإشارة إلى الاستقالات، بدت وكأنها تشجع التفسيرات السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما دفعنا إلى تقصي الأمر من هيئة سوق المال التي وعدتنا بتقديم إجابة، يوم الثلاثاء الأول من ديسمبر (كانون الأول)، وحتى كتابة التقرير لم يصلنا أي رد منها، وتلتزم "اندبندنت عربية" بنشره في حال وروده.