أعيدت الكرة بعد المصادقة التمهيدية في الكنيست على اقتراح حجب الثقة عن الحكومة إلى ملعب بنيامين نتنياهو، الذي انطلق نحو جهود مكثفة لمنع حل البرلمان، وكسب أصوات الأكثرية قبل التصويت المقبل على الاقتراح.
وقد مهّد شريكه في الحكومة بيني غانتس، الذي صوّت مع حزبه "أزرق - أبيض" إلى جانب اقتراح حل الكنيست، بإعلان إمكانية تراجعه في حال "جرت المصادقة على الموازنة" حتى نهاية الشهر المقبل، ليكون هذا المسار واحداً من عدة مسارات أمام نتنياهو لمنع انتخابات رابعة، والحفاظ على كرسي رئاسة الحكومة.
المصادقة على الموازنة
وعلى الرغم من الأسباب العديدة للصراع بين غانتس ونتنياهو حول شراكة الحكومة، بينها التنكر للاتفاق بين الاثنين بشأن التناوب على رئاسة الحكومة، فإن مسألة المصادقة على الموازنة من شأنها حل الأزمة التي دخلتها إسرائيل، في أعقاب السياسة التي اتبعها نتنياهو منذ انتخابه، وأدت إلى تدهور اقتصادي خطير، إلى جانب شرخ اجتماعي انعكس في التظاهرات الضخمة التي أطلقت صرخة ضد هذه السياسة، وما آلت إليه الأوضاع بسببها.
وحالياً، أمام غانتس إمكانيتان فقط، إمّا المصادقة على موازنة 2021 في أقرب وقت ممكن وإما انتخابات. أما نتنياهو فليس مستعداً لأن يقر موازنة 2021، لأن هذا يغلق له إمكانية التملص من التناوب. بالتالي فإن إسرائيل تسير إلى سيناريو الانتخابات.
ومن جهته حاول المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، حل إشكالية الأزمة، وتوجه قبل يومين من التصويت على مشروع حل الكنيست إلى نتنياهو وغانتس ووزير المالية يسرائيل كاتس، ودعاهم إلى طرح الموازنة على طاولة الكنيست للتصويت عليها، بعد أن تجاوزت الموعد الأخير لها. وحذّرهم من خرقهم القانون الذي يقضي بأن على الحكومة أن تطرح مشروع الموازنة قبل 60 يوماً من بداية السنة المالية.
إغراء غانتس
مسؤولون داخل حزب "أزرق - أبيض" انتقدوا زعيمهم غانتس لقبوله المشاركة في خرق القانون، إلى جانب عدم اتخاذ موقف حاد حول إلزام نتنياهو تنفيذ الاتفاق بينهما في المناوبة على رئاسة الحكومة، التي أعلن نتنياهو رفض تنفيذها، وأصرّ على إنهاء دورة الحكومة الحالية وهو في منصبه.
وعملياً، هذا هو المسار الثاني لنتنياهو، الذي من الممكن أن يقدم من خلاله إغراءات لغانتس، ويدفعه إلى إعلان التراجع عن موقفه الداعم لحل الكنيست. لكن الاحتمالات في هذا الجانب ضئيلة، لأسباب عدة، بينها أن تخلي نتنياهو عن كرسي رئاسة الحكومة لصالح غانتس سيفتح الباب أمام إمكانية محاكمته بتهم الفساد والرشاوى الموجهة ضده، وقد تكون الضربة القاضية لنهاية حياته السياسية.
علاقة مع الحركة الإسلامية
وخشية نتنياهو من خطوة كهذه تُبقي أمامه مساران، الأول هو الحفاظ على علاقة حميمة مع الحركة الإسلامية، واستمرار المغازلة بينه وبين رئيسها عضو الكنيست منصور عباس، الذي شكل إلى جانب نواب الحركة الثلاثة في الكنيست، حبل إنقاذ لنتنياهو.
فمثل هذه العلاقة تعود إلى صالح نتنياهو، فقد يؤدي امتناع تصويت أعضاء الحركة مع أو ضد اقتراح حل الكنيست إلى تفكيك وإضعاف القائمة المشتركة، المتمثلة بالأحزاب الأربعة الوطنية لفلسطينيي 48، بـ15 مقعداً. وتعطيها استطلاعات الرأي تراجعاً خطيراً في شعبيتها في حال أجريت انتخابات برلمانية، بحيث لا تتجاوز عشرة أو أحد عشر مقعداً مع الحركة الإسلامية، وفي حال انسحاب الحركة يوجد خطر إمكانية تجاوزها نسبة الحسم، بالتالي يخرج نتنياهو الرابح الوحيد.
التقارب مع زعيم حزب العمل
أما المسار الرابع لنتنياهو فسيكون في التقارب مع زعيم حزب العمل عمير بيرتس، الذي دخل إلى ائتلاف الحكومة وتبوأ منصب وزير، بتقديم إغراءات إليه، بينها دعم ترشيحه لرئاسة الدولة بدل رؤوفين ريفلين، المتوقع إنهاء فترته قريباً. كما لا تسقط من حسابات نتنياهو بلورة صفقة مع حزب "يمينا" المتطرف برئاسة نفتالي بينت.
أمام هذه السيناريوهات متوقع أن يلجأ نتنياهو إلى عرض محرج أو مغري لغانتس، مثل المصادقة على الموازنة، وبعد أن تهدأ عاصفة الأحزاب المعارضة في حل الكنيست، يعود إلى المربع الأول في سياسته التي يحقق من خلالها مطامعه السياسية بتحييد غانتس من جديد.
وفي ذروة هذه الأزمة السياسية لا يمكن تجاهل الوضع الأمني الذي تعيشه إسرائيل في أعقاب اغتيال العالم الإيراني محسن زادة، حيث تعيش حالة تأهب في أقصى درجاتها عند الحدود وفي الخارج والداخل. وهذا الوضع الأمني قد يستغله نتنياهو ويدفع بغانتس إلى اتخاذ خطوة تحت ذريعة عدم المغامرة في مستقبل إسرائيل في ظل تهديدات إيرانية، والتفاهم من جديد.
الانتخابات الرابعة
على الرغم من سياسة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وتكاتف الوسط واليسار من أجل إسقاطها، خصوصاً في أعقاب فشلها في مواجهة أزمة كورونا، فإن دخول إسرائيل إلى انتخابات رابعة في غضون سنتين يشكل ضربة أقوى وأكثر ضرراً لها على مختلف الأصعدة.
بحسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية بعد المصادقة على اقتراح حل الكنيست فإن إجراء انتخابات رابعة ستنتهي مرة أخرى بتعادل، وستكون هناك حاجة إلى حكومة موسعة، ولن تكون حكومة وحدة. وهكذا ستعود إسرائيل إلى أزمة حسم الانتخابات وتشكيل حكومة واسعة وثابتة.
حكومة طوارئ وطنية
أمام الاحتمال الأكبر بين كل السيناريوهات بالتوجه إلى انتخابات رابعة، وما يعقب ذلك من تدهور لمختلف الأوضاع الإسرائيلية عرضت اقتراحات عدة للخروج من هذه الأزمة. التوقعات أنه حتى وإن وافق نتنياهو على الموازنة وعارض غانتس اقتراح حل الكنيست فستبقى الحكومة غير قادرة على أداء مهامها السياسية، وعليه طرح اقتراح أن يبادر الكنيست إلى تعيين "حكومة طوارئ وطنية"، ينصب اهتمامها على محاربة كورونا، وتأثير الفيروس المدمر على إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذه الحكومة، وفق مقترحيها، ستكون متحررة من الضغوط ومن الاعتبارات السياسية. فسيجري تشكيلها من خبراء من خارج الكنيست لفترة زمنية محددة، تحصل على ثقة معظم أعضاء الكنيست. وبتوقعات أعضاء كنيست شجعوا هذه الفكرة، فستكون حكومة شفافة من دون اتخاذ قرارات ضبابية، وتضمن تمرير موازنة لعامي 2021 و2022 واستقرار النظام.
وبحسب القانون الإسرائيلي، لا حاجة إلى إجراء أي تغيير تشريعي لأداء حكومة خبراء. يكفي أن يكون رئيس الحكومة عضواً في الكنيست، ومن الممكن أن يكون الوزراء فيها من غير أعضاء البرلمان، بل يمكن أن تشمل وزراء سابقين ومديرين عامين سابقين لوزارات حكومية ورؤساء هيئات عامة يعرفون الأنظمة التي سيكونون مسؤولين عنها.
حزب وسط
ومن بين الجهود المبذولة لإخراج إسرائيل من أزمتها، اقترحت مجموعة من السياسيين والضالعين في الاستشارات الاستراتيجية، تشكيل حزب "وسط" برئاسة الجنرالين غادي إيزنكوت وموشيه يعالون، الذي يشغل حالياً رئيس حزب تيلم. وقد شغل الاثنان في السابق رئاسة الأركان.
وجاء هذا الاقتراح بعد إجراء استطلاعات رأي لفحص بدائل للحكومة، وكانت النتيجة أن الخيارات الأفضل لكسر حالة التوازن السياسي بين اليمين واليسار تشكيل حزب برئاسة إيزنكوت ويعالون. وقد وافق الاثنان على الاقتراح.
وكشف عن صياغة مذكرة بعنوان "تأسيس حزب وسط جديد. الجوانب الاستراتيجية والعملية". ومما جاء في المذكرة "لقد جرى فحص أسماء مختلفة حصل يعالون وإيزنكوت على أكثرية، وبوجودهما يكون الحزب الأقرب من اليسار واليمين، حيث سيشمل شخصيات من الطرفين.
وترى الجهات الداعمة أن الاثنين لديهما القدرة على نقل المقاعد من معسكر إلى آخر، وسيكون الحزب قادراً على إضعاف حزب "يمينا"، برئاسة نفتالي بينت. وعلّق يعالون على اقتراح هذا الحزب بالقول "هدفي ضمان تغيير الحكومة، ومن الممكن فعل ذلك عبر تشكيل حكومة طوارئ في الكنيست الحالية من دون نتنياهو. لكن، إذا لم يكن ذلك ممكناً، فيجب صياغة بديل سياسي وسطي يمكن أن يجذب أصواتاً لكسر التوازن القائم".
وتبقى الكرة في يد نتنياهو وأمامه فترة زمنية قد تكون كافية للخروج من أزمته الحالية والاستمرار في رئاسة الحكومة حتى نهاية الدورة الحالية والحفاظ على أكثر الألقاب التي تناسبه "ملك إسرائيل".