في خطوة ربما تزيد المشهد الليبي تعقيداً بعد أن سار في طريقه إلى حلحلة الأزمة عبر طاولات تفاوض عدة، وجّهت رئاسة مجلس النواب في طبرق دعوة مفاجئة لعقد جلسة في المقر الدستوري بمدينة بنغازي، وهو الموعد نفسه الذي حُدد لجلسة غدامس الإثنين المقبل، ما أثار مخاوف من نسف مساعي توحيد البرلمان المنقسم على نفسه منذ سنوات عدة.
وفي المقابل، أثار وزير الدفاع المفوّض في حكومة الوفاق صلاح النمروش، جدلاً بتوقيعه معاهدة عسكرية جديدة مع إيطاليا، احتج عليها الشرق الليبي، معتبراً إياها "مخالفة جديدة" لاتفاقات اللجان العسكرية في جنيف وغدامس.
وبينما قال النمروش، في بيان، إن "الاتفاق يشمل التعاون في مجالات التدريب والتعليم العسكري وتبادل الخبرات والدعم والتطوير والصيانة والاستشارات، وكذلك في مجال الهجرة غير الشرعية وأمن الحدود البرية والبحرية، وعمليات التخلص من الذخائر والألغام"، اعتبرته مصادر مقرّبة من الجيش الليبي في بنغازي "مخالفة صريحة" لما اتُفق عليه.
دعوة مثيرة للجدل
جاء في دعوة الرئاسة أن "الجلسة تأتي لمناقشة جدول أعمال المجلس والتطورات الراهنة للأوضاع في البلاد".
هذا الموقف سبقه قبل أيام تصريح لرئيس النواب عقيلة صالح، احتج فيه على اتفاق المغرب، وعقد الجلسة الموحدة للبرلمان من دون الرجوع إلى رئاسته أو استشارته في هذا الشأن، واتفقت مصادر ليبية عدة على اعتبار هذه الدعوة "محاولة صريحة لعرقلة وإفشال الجلسة الموحدة في غدامس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من هذه الدعوة المثيرة للجدل، أعلنت وسائل إعلام ليبية وصول 119 نائباً إلى مدينة غدامس، من أصل 121 التقوا في المغرب، مع توقعات بأن يصل ما بين 130 إلى 140 نائباً إلى المدينة من أصل 200، وهو العدد الكامل لأعضاء المجلس، وستعقد الجلسة الجامعة بينهم بتأمين من اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وبحسب المصادر ذاتها ستناقش الجلسة المرتقبة ملفات عالقة، منها تعديل اللائحة الداخلية للمجلس.
وقالت عضو النواب عائشة الطبلقي، إن دعوة عقيلة صالح لعقد جلسة في بنغازي "ليست في وقتها"، مشيرة إلى أنها "لن تؤثر في جدول أعمال الجلسة المقررة في غدامس، لأن النواب عازمون على حل الأزمة وإنهاء الانقسام المؤسساتي الذي يبدأ بمجلس النواب"، ومؤكدة أن "لديها النصاب القانوني لإنجاز كثير من الأعمال، وأهمها تعديل اللائحة الداخلية وإعادة انتخاب الرئاسة واللجان الفنية لعمل المجلس".
تحركات "الإخوان"
من جانبهم، ربط نواب برلمان طبرق بين مخاوف رئاسة المجلس من جلسة غدامس، وما وصفوه بـ "تحركات مريبة" لأعضاء مقربين من جماعة "الإخوان المسلمين"، للسيطرة على البرلمان خلال الفترة المقبلة، إذ قال النائب إبراهيم الدرسي إن "نواباً منشقين، متحالفين مع حكومة فايز السراج، يسعون إلى عرقلة سير الحوار السياسي الليبي"، مشيراً إلى أن "تحركات جناح تنظيم الإخوان داخل البرلمان تدعو إلى التشكيك في جدية عقد جلسة جديدة من الحوار في غدامس".
بينما حذر عضو المجلس علي التكبالي من أن "اجتماع غدامس ربما يشهد صراعات عدة"، في ظل وجود مخاوف مما وصفه بـ "ألاعيب" الإخوان المسلمين، تسببت بعزوف بعض النواب عن الذهاب إلى هناك، مبدياً تخوفه من "مساعي الجماعة إلى السيطرة على المشهد السياسي الليبي، عن طريق إحكام قبضتها على مصدر التشريع، وخداعهم بالذهاب إلى غدامس والحصول على النصاب، ومن ثمّ تغيير الرئيس واللائحة الداخلية تمهيداً لتنفيذ هذا المخطط".
توافقات هشة
وفي قراءته للتوتر الذي بدأ يصاحب عقد الجلسة المرتقبة لمجلس النواب في غدامس، قال الباحث والأكاديمي الليبي مرعي الهرام، "هذا الانقسام الحادث في المجلس قبل عقد الجلسة يكشف عن هشاشة توافقات الأطراف الليبية، وإمكان تهاوي اتفاقاتها الكثيرة أخيراً، في أية لحظة ولأي سبب".
ويضيف، "محور الخلاف في ما حدث هو على رئاسة المجلس، التي ترغب أطراف من برلمان طرابلس في تغييرها بتعيين رئيس جديد للبرلمان، يتفق عليه جميع الأعضاء ويصوتون على اختياره، الأمر الذي يرفضه مجلس طبرق، خصوصاً المقربين لعقيلة صالح".
وحذر الهرام من نتائج فشل جلسة غدامس الذي بات محتملاً جداً، "إذا أخفقت جلسة الإثنين في الانعقاد، وانفضّ النواب من دون توحيد المجلس، فإن ذلك سينعكس على مسارات الحوار المقبلة، ويحيي الشكوك في صدق نيات أطرافه في التوصل إلى اتفاق حقيقي ينهي الأزمة، ويثير التساؤلات في جدوى ماراثون الحوارات التي تجريها، وطال زمنها وتعددت، وأصاب الشارع الليبي الملل من متابعتها وترقب نتائجها في كل مرة".