يدور نقاش كبير بين نواب حزب العمال حول "بريكست"، وما إذا كان ينبغي عليهم دعم صفقة ما، إذا طرحت للتصويت.
أقول "إذا" لأنه لا يوجد قانون يستلزم التصويت على أي صفقة تتوصل إليها الحكومة، لكن بوريس جونسون سيحرص على طلب التصويت لكي يتفاخر ويتظاهر بأن هذا هو ما يريده، ويحاول وضع حزب العمال في موقف حرج. لكن لا أفهم لماذا يجب على حزب العمال أن يواسيه أو يدعمه في هذا المسعى.
هناك أسباب عدة تستدعي عدم التصويت لمصلحة أي اتفاق يقدمه رئيس الوزراء، لدرجة أنه يصعب معرفة من أين نبدأ، وأفضل مكان للبداية هو النظر إلى الحجج التي يقدمها أولئك الذين يعتقدون أنه ينبغي عليهم دعم الصفقة.
أولاً: سيكون التصويت لمصلحة الصفقة إشارة إلى الناخبين في الدوائر الانتخابية بـ "الجدار الأحمر" (مناطق وسط وشمال إنجلترا التي تصوت تقليديا لصالح حزب العمال) أن حزب العمال تصالح مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
هناك كثير من اللغو يثار حول الدوائر الانتخابية في الجدار الأحمر لدرجة أنني أتمنى لو لم تدخل هذه العبارة في المعجم مطلقاً. إنها جزء من تحليل أجوف ومبسط لدى "وستمنستر" (الحي الحكومي وسط لندن)، الذي يسعى دائماً إلى العثور على تفسير سهل لسبب حدوث تغيير معقد، وتعد العبارة القائلة بأن "الشمال أراد الخروج من الاتحاد الأوروبي" عبارة مبسطة وفارغة بما فيه الكفاية.
لقد كان "بريكست" بالطبع قضية مهمة في الانتخابات الأخيرة، لذلك وضع بوريس جونسون "صفقته الجاهزة" oven-ready deal في صلب حملته، لكن المدن الكبرى في الشمال صوتت لمصلحة البقاء، وغالباً ما يسكن بعض المناهضين لـ "بريكست" الأكثر حماسة خارج منطقة الجنوب الشرقي، تماماً كما يوجد في لندن والجنوب بعض أشد المؤيدين للخروج من دون صفقة.
وفي ما يتعلق بأسباب رفض الناخبين لحزب العمال، لم يكن "بريكست" مشكلة كبيرة بقدر المشكلة التي كان يمثلها جيريمي كوربين والتوجه العام للحزب تحت قيادته، ويعرف كل نائب خسر منصبه هذا الأمر بحكم تجربة مريرة، لكن المشكلة الأكبر في انشقاق ناخبي حزب العمال إلى حزب المحافظين في عدد من الدوائر الانتخابية تعود إلى انخفاض نسبة المشاركة في 49 من أكثر من 50 دائرة انتخابية مؤيدة للخروج، لذا فإن تشجيع الناس على الانخراط من جديد في السياسة يتطلب رسالة ملهمة أكثر من القول "إننا دعمنا صفقة لم نكن نحبها حقاً، وكنا نعلم أنها ستضر بمستقبلكم".
لقد حسب معهد الدراسات المالية أنه حتى لو حصلت المملكة المتحدة على صفقة للخروج، فإن ذلك لا يزال سيقضي على 4 في المئة من قيمة اقتصادنا، وسيكون تأثير ذلك ملموساً في المقام الأول وبشكل أسوأ في أفقر المناطق، وهو ما قد يفسر الدعم المستمر والمتزايد للرأي القائل بأن "بريكست" كان "خطأً"، ويفسر الاستطلاع الأخير الذي أظهر تقدماً بنسبة ثمانية في المئة لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي. على الأقل أميركا أصلحت الخطأ الذي ارتكبته عام 2016 (في إشارة إلى المتخاب بايدن).
ثانياً: القول بأنه لن يستمع لنا أحد بشكل مناسب في الدوائر الانتخابية في مناطق "الجدار الأحمر" حتى نعترف بأننا أخطأنا في "بريكست"
هذا كلام فارغ، لأن أولئك الذين يحبون "بريكست" بالفعل لن يقتنعوا أبداً، وأما أولئك الذين يكرهون "بريكست"، وبينهم عدد من ناخبي حزب العمال في دوائر الجدار الأحمر، فسيشعرون بالإحباط. والواقع هو أن حزب العمال لن يحصل على عودة الجمهور "للإنصات لطروحاته" هناك ولا في أي مكان آخر حتى يقدم سياسات في شأن الاقتصاد والوظائف والصحة والتعليم والجريمة وجميع القضايا الكبرى الأخرى (تهتم) بحياة المواطنين، تكون مبتكرة وذات صدقية ومتماسكة وأفضل من التفاهة التي تقدمها لهم أسوأ حكومة رأيناها في حياتنا (حكومة جونسون).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثالثاً: يتعيّن على زعيم حزب العمال كير ستارمر التعامل مع تهمة كونه من داعمي البقاء.
يعد هذا الادعاء فقاعة مثالية لقرية "وستمنستر". لقد قام السير كير بعمل جيد في إثبات نفسه للجمهور منذ أن أصبح قائداً للحزب، ولكن حتى ذلك الحين لم يكن معروفاً بشكل جيد خارج "وستمنستر" كما هو الحال داخلها. إن أصحاب هذا الادعاء يستمعون كثيراً إلى هجمات حزب المحافظين، والتي وفقاً لنتائج استطلاع بني على عينة من المجتمع focus group الأخيرة التي رأيتها، ليست مقنعة للناس، ولا يركزون بشكل كافٍ على أجندة التغيير التي يريدها الناس في حياتهم، وسيريدونها أكثر بعد الكارثة المزدوجة لـ "كوفيد-19" و"بريكست".
بالنسبة لكثير من الناس هناك (مناطق الجدار الأحمر)، يكاد يكون كير ستارمر ورقة بيضاء، يمكن ملؤها (بالمواقف والسياسيات) كيفما يشاء، أكثر مما يستطيع أغلبية القادة الجدد القيام به، لكن الانتخابات القادمة ستداهمه بسرعة، بقدر ما يتطلب قول "ماذا نفعل في شأن كوربين؟" وبالمناسبة، فإن لديه بالفعل مشكلة مع جزء من أعضاء الحزب، وتحديداً حول تعليق عضوية كوربين، وأظن أنه سيواجه مشكلة أكبر إذا قرر دعم صفقة "بريكست"، وأولئك الذين ينادون بإجراء تصويت داخل برلمان الحزب لدعم الصفقة يزعمون أن ذلك سيحسم الموقف داخل الحزب، لكن لا، لن يفعل.
رابعاً: إذا لم نصوت لمصلحة الصفقة، فسنتهم بدعم الخروج من دون صفقة.
هذا ممكن تماماً، لأن حزب المحافظين سيجد دائماً طريقة للكذب في شأن نيات خصومهم، كما حدث عندما قالوا إن حزب العمال يريد إلغاء عيد الميلاد، على الرغم من دعمه لهم في التحركات الرئيسة المتعلقة بـ "كوفيد-19". لا أحد على هذا الكوكب يعتقد أن حزب العمال يريد خروجاً بلا اتفاق، وهذا على الأقل وصل للناس، على الرغم من إخلاء الحزب تحت قيادات متعاقبة ساحة المعركة حول "بريكست" في بعض الأحيان، لذا فإن كل ما يجب عمله هو وضع تعديل منطقي يشرح إخفاقات التفاوض ونقاط الضعف في الصفقة، وسيكون العرض الوحيد المتبقي هو صفقة سيئة، ثم تمتنع عن التصويت الرئيس. امتنع واشرح السبب.
خامساً: سيقولون إن الامتناع عن التصويت علامة ضعف
هذا صحيح، لأن الجمهور عادة لا يحب الامتناع عن التصويت، ولكن يمكن تبريره بالقول إن النتيجة البديلة الأكثر احتمالاً هي الخروج من دون صفقة. إضافة إلى ذلك، فإنه من المؤكد تمرير الصفقة بغض النظر عن قرار حزب العمال، لأن حزب المحافظين يتمتع بالأغلبية في البرلمان. وبحلول الانتخابات المقبلة لن يتذكر معظم الناس ماذا فعلت المعارضة في شأن الصفقة، لكن إذا صوت حزب العمال لها فمن المؤكد أنهم سيتذكرون جيداً، لأنه في كل مرة من الآن حتى وقت الانتخابات، سيحاول حزب العمال فضح الإخفاقات التي تقع نتيجة "بريكست"، وسيصرخ حزب المحافظين بالقول "لكنكم صوتّم لمصلحتها"!
لننظر كيف تعاملوا مع "كوفيد-19" عندما تدعمهم المعارضة، فإن المحافظين يرحبون بذلك بابتهاج، وعندما يثير حزب العمال اعتراضات على الأمور التي تسير على نحو خاطئ، وهناك الكثير منها، يثرثر بوريس جونسون في شأن "كابتن هيندسايت" Captain Hindsight (انتقاد لمواربة زعيم حزب العمال)، ويحث جونسون كير ستارمر على اتخاذ قراره. وفي هذا الصدد، أشعر أن ستارمر فوجئ إلى حد ما بمدى قسوة وفظاظة جونسون وشركائه في تعاملهم مع المعارضة التي دعمتهم على نطاق واسع خلال أزمة كورونا، لكنه لم ير شيئاً بعد.
عندما ينكشف "بريكست" سيلقون باللائمة على "كوفيد-19" وأوروبا، وعندما يحاول حزب العمال إلصاقها بالحكومة، فإن تصويتهم السابق على الصفقة سيضعفهم بلا رجعة، وسيتم إضعاف أقوى الأسلحة التي توجد بحوزتهم إلى درجة العجز. كل شكوى مبررة ستتحول إلى تذمر، وسينظر إلى كل هجوم فعال باعتباره "شعوراً بالمرارة،" وسيتم هدم كل نقد بـعبارة: "لكنكم صوتّم لـ "بريكست"!، وستكون هذه الردود قوية في مناطق الجدار الأحمر وبين المحافظين في المدن وفي كل مكان آخر، لأنها ستكون صحيحة.
سادساً: سيكون الخروج من دون صفقة سيئاً للغاية بالنسبة إلى المملكة المتحدة، لذا يتعين علينا التصويت لمصلحة أية صفقة
هذا خطأ، لأن أفضل صفقة لا تزال متاحة هي عبارة عن اتفاق باهت حول التعرفة الجمركية، مصحوب بكلمات دافئة في شأن المستقبل، ولقد انتهت وعود الحصول على "الفوائد نفسها بالضبط"، التي تتيحها العضوية في الاتحاد الأوروبي. "كما ثبت زيف الأقوال بأنها "أسهل صفقة في التاريخ ... نمسك بجميع الأوراق ... نحصل على كعكتنا ونأكلها ..." إنها صفقة فاشلة، والأسوأ من ذلك أنها ستفشل في التعامل مع التعثرات الضخمة والاضطرابات والبيروقراطية الزائدة وكُلف العوائق غير الجمركية أمام تجارة السلع والخدمات. هذا ما تعنيه مغادرة السوق الموحدة، ولا يجب أن يتطوع حزب العمال بتقاسم اللوم والذنب الذي سينجم عن واقع المجالات الشاسعة والحيوية التي لن تغطيها الصفقة.
سابعاً: علينا أن نثبت أننا قادرون على اتخاذ قرارات صعبة، لنظهر أننا مؤهلون لإدارة أنفسنا مرة أخرى.
ليس من الصعب أبداً الابتعاد عن نقاش صعب، لذا فإن اتخاذ قرار صعب في شأن أوروبا قد يكون هو القول بأنك ستحاسب هؤلاء الكذابين والدجالين يومياً على "بريكست"، وعلاوة على ذلك فإن إلحاق الأذى بنفسك وبالبلد لمجرد إظهار أنك تستطيع فعل ذلك لا يجعلك صالحاً للحكم، كما أنني لست مقتنعاً بتاتاً بأن طريقة إظهار أهلية الحكم تتمثل في مساعدة رئيس وزراء وحكومة وحزب هم الأقل أهلية للحكم في حياتنا.
ثامناً: لقد سئم الناس من "بريكست" ويريدون فقط الانتهاء منه
لن يتم الانتهاء من "بريكست"، إنه لن ينتهي بحلول الأول من يناير (كانون الثاني)، بل سيبدأ حينئذ، وستستمر المملكة المتحدة في الوجود بصفقة أو بلا صفقة، مع أنه بفضل "بريكست" يبذل المحافظون قصارى جهدهم لتحطيمها، وسيستمر الاتحاد الأوروبي في الوجود، ويتعين على كليهما إيجاد طرق للتعامل مع بعضهما البعض. وفي حال مساندتهم في الصفقة، فإنه في كل مرة تنشأ مشكلة تستعصي على الحكومة، وسيكون هناك تركيز كبير على حزب العمال بقدر التركيز على المحافظين، لأنه سيقال مرة أخرى "لقد صوتّم لمصلحتها."
سيكون حزب العمال صوّت أيضاً على صفقة لم تفشل فقط في تلبية الشروط التي حددتها لها الحكومة، وإنما أيضاً في تلبية جميع الشروط التي وضعها حزب العمال. وبالمناسبة، بخصوص الاتحاد، تمثل اسكتلندا وقوة الحزب القومي الاسكتلندي إحدى أكبر مشكلات حزب العمال في الحصول على الغالبية، وفي حال تصويته لمصلحة الصفقة، سيمنح لهم سلاحاً مفيداً آخر.
تاسعاً: إن التصويت لمصلحة الصفقة سيمهد الطريق أمام حزب العمال لتقديم المزيد من الحجج البناءة حول علاقتنا المستقبلية مع أوروبا
بالعكس، سيتحول النقاش بسرعة إلى صرخات الخيانة من أنصار "بريكست" المتطرفين والشعبويين، وستشعر الحكومة تحت ضغط البحث عن مخرج من هذا النقاش واختيار معركة شعبوية ضد هؤلاء الأوروبيين السيئين، وستتم محاصرة العمال في موقع حيث يتعين عليهم الدفاع عن صفقة لا تحظى بشعبية، لأنه سيقال لهم "لقد صوتّم لمصلحتها."
عاشراً: لا أحد سيفهم إذا قلنا إننا لا نريد الخروج بلا صفقة، ولكن لا يمكننا دعمها
هذا يعتمد على كيفية تقديمها، ونصيحتي هي العودة إلى الوعود التي قدمت في شأن "بريكست" عام 2016، وأخذها واحدة تلو الأخرى، وتوضيح كيف فشلوا في الإيفاء بها. يجب فضح الأكاذيب والأوهام والخداع، وتوضيح الضرر الذي أحدثوه بالفعل وسيحدثونه في المستقبل.
ثم ينبغي التركيز على الوعود التي قطعت في الانتخابات الجاهزة، والقيام بالشيء نفسه. بعد ذلك نقول نعم، لقد فاز جونسون في الاستفتاء وفي الانتخابات، ونحن نعترف أنه يحظى بتفويض شعبي، ولقد استخدم هذا التفويض ولديه الغالبية لتمرير هذه الصفقة، ولو كانت أصواتنا ضرورية لمنع الخروج من دون صفقة، لكان من المحتمل أن ندعمه، لكن أصواتنا ليست ضرورية، لذا لن ندعمه، وبدلاً من ذلك نتمنى له كل التوفيق في صفقته وسنتتبعها خطوة بخطوة، وسنقيسها على الوعود التي قطعها، وعلى الواقع اليومي للأشخاص والشركات في المملكة المتحدة.
وعلى الرغم من أننا تقبلنا الخروج، نعلم أن أوروبا ستظل مهمة لحياة الناس ونجاح الأعمال، لذا سنعمل من أجل التعاون والشراكة حول الأهداف والغايات المشتركة، ونترك حزب المحافظين يواصل تمزيق نفسه، لأنه حتى الآن يفضل البعض منهم الخروج بلا صفقة على الخروج بأي صفقة مهما كانت.
في النهاية، يحتاج جونسون والمحافظون إلى سماع هذه الرسالة بصوت عالٍ وواضح، لقد كان "بريكست" حلمكم، تحملوا مسؤوليته. هذه صفقتكم تحملوا مسؤوليتها. وفي شأن "كوفيد-19" فإنه يحدث على مرآكم، تحملوا مسؤوليته. إنهما أكبر تحديان أمام الحكومة وقد فشلتم في كليهما، وسنحاسبكم على كليهما. وفي غضون ذلك سنواصل إعداد أجندة سياسية للمضي قدماً بهذا البلد بعد عقد من الزمن تحت حكمكم الذي لم يأت بشيء سوى الفوضى والأذى والانحطاط.
© The Independent