كانت للأخبار عن موافقة الجهة البريطانية المنظمة المستقلة للعقاقير على لقاح فيروس كورونا الذي ابتكرته "فايزر" و"بيونتك" وأن الجرعات الأولى ستُقدَّم بدءًا من الأسبوع المقبل آثار عميقة في المعركة ضد الجائحة.
لكن هل تكون الآثار الاقتصادية مهمة بالقدر ذاته على الأقل؟ فالجائحة هي ما دفع الاقتصاد البريطاني إلى أكبر تراجع له في حوالى 300 سنة، لذلك يمكن القول إن هذه الأخبار تمثل بعضاً من أفضل الأخبار الاقتصادية منذ بدأت الجائحة.
ما مدى سرعة عودة الحياة الاقتصادية الطبيعية؟ وما مقدار الدعم الذي سيمثّله لاقتصاد المملكة المتحدة تعميم اللقاح هذا الشهر؟
يشوب الغموض التوقعات الاقتصادية، لا سيما في الوقت الراهن؛ لكننا نستطيع الحصول على مؤشر تقريبي حول تفكير الجهة الحكومية المكلّفة وضع التقديرات، أي مكتب مسؤولية الموازنة، في ما يخص تداعيات التعميم الأسرع للقاح، وذلك من خلال ترجيحات المكتب التي صدرت الأسبوع الماضي بالتزامن مع مراجعة الإنفاق.
لقد وضع المكتب هذا ثلاثة سيناريوهات. السيناريو المركزي، الذي توقّع ارتفاع معدل البطالة إلى 7.5 في المئة العام المقبل وضربة بعيدة الأجل للناتج المحلي الإجمالي تساوي ثلاثة في المئة، وافترض توفّر اللقاحات على نطاق واسع بدءًا من منتصف عام 2021 وفرض قيود صحية عامة "شديدة إلى متوسطة" حتى ذلك الحين.
لكن السيناريو الإيجابي افترض توفّر اللقاحات على نطاق واسع بدءًا من ربيع العام المقبل وفرض قيود "متوسطة إلى خفيفة" حتى ذلك الوقت.
وكان الفارق الاقتصادي بين السيناريوهين ضخماً. ففي السيناريو الثاني، يرتفع معدل البطالة إلى 5.1 في المئة فقط (وتقل ذروة العاطلين عن العمل مقارنة بالسيناريو الأول بواقع 700 ألف شخص) ولا يعاني الاقتصاد من تأثر بعيد الأجل.
وهذا من شأنه أن يشير، بالمناسبة، إلى أن الحاجة إلى زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق لتقليص العجز والدين العام في أعقاب هذه الأزمة ستكون أقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السيناريو المركزي لمكتب مسؤولية الموازنة بلغ العجز المتوقع نحو أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة 2024-2025، ولم يتجاوز 1.7 في المئة في السيناريو الثاني.
ينص تفكير المكتب أساساً على أن تعميماً سريعاً للقاحات وفرضاً لقيود أقل في مجال الصحة العامة بفضل هذا التعميم، يسمحان بعودة أسرع إلى نشاط اقتصادي أكبر بعد تراجع العام الحالي، الأمر الذي يبقي الناس في وظائفها. فهذا الوضع يلجم القفزة في البطالة التي يمكن بخلاف ذلك أن تضرّ بالنمو البعيد الأجل لإنتاجية القوة العاملة.
وتشجع أيضاً العودة الأسرع إلى النشاط الاقتصادي الشركات على إنفاق مال أكثر على الاستثمار – في تجهيز وتكنولوجيا جديدين – ما يحدّ أيضاً من الضرر الذي قد يصيب بخلاف ذلك نمو إنتاجيتنا الوطنية.
ويفكر الخبراء الاقتصاديون في القطاع الخاص بطريقة مماثلة.
ويعتقد سيمون فرنش من شركة "بانميور غوردون" بأن تعميماً كاملاً للقاحات بحلول نهاية الفصل الأول من العام المقبل قد يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي عام 2021 من حوالى 5.5 في المئة إلى 7.5 في المئة مع انتعاش إنفاق المستهلكين في وقت أقرب.
والأهم ربما أنه يعتقد بأن الأثر الاقتصادي البعيد الأجل يمكن أن يكون أقل.
وهناك بالطبع غموض كبير ومحاذير كثيرة في شأن حسابات كهذه.
فتعميم اللقاحات على نطاق البلاد سيترتب عليه تحديات لوجستية، بخاصة أن تخزين لقاح "فايزر" يتطلب درجة حرارة مئوية تساوي 70 تحت الصفر.
وعلى الرغم من أن اللقاح كان شديد الفاعلية في التجارب، لا نزال لا نعرف كم ستستمر المناعة التي يولّدها.
وثمة مخاطر إيجابية أيضاً. فقد تحصل لقاحات أخرى أيضاً على الموافقة على تعميمها مبكراً. وفي الواقع، فإن هذا محتمل إلى حد كبير في ضوء الأداء الجيد في التجارب للقاحَي "موديرنا" و"أسترازينيكا- أكسفورد". فالقطاع الطبي يراهن على عدد من الاحتمالات في ما يتعلق باللقاحات.
ويجب ألا ننسى أن الاقتصاد قد يعاني صدمات لا علاقة لها باللقاحات. مثلاً، يمكن لوقف سابق لأوانه للدعم المالي العام للاقتصاد الذي لا يزال في حالة ركود شديدة وذلك بقرار من وزير المالية ريشي سوناك أن يقلل المنافع المترتبة على تعميم مبكر للقاحات.
لكن ما من شك في أن أخبار اللقاحات، مع هذه المحاذير كلها، تمثل مفاجأة إيجابية مرحّب بها للاقتصاد ومستويات العيش في عام سيّء في شكل قياسي.
© The Independent