يبدو أن فقاعة شركة "إيستمان كوداك" لصناعة الكاميرات وأفلام ومواد التصوير التي ظهرت فجأة نهاية يوليو (تموز) ومطلع أغسطس (آب) الماضيين لم تنته تماماً بعد. فقد أعلن المفتش العام للهيئة الحكومية التي كانت ستمنح القرض لكوداك، والذي ألغي الآن، أنه أجرى تحقيقاً أسفر عن عدم وجود أي تصرفات غير قانونية من جانب الهيئة الحكومية في ما يخص ما حدث قبل أربعة أشهر وأثار ضجة في الأسواق وفي الكونغرس الأميركي.
وكانت عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي والمنافسة سابقاً على ترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة إليزابيث وارن طلبت التحقيق في تصرفات مؤسسة تمويل التنمية الدولية في ما يخص قرار منح قرض بقيمة 765 مليون دولار لشركة إيستمان كوداك بمقتضى "قانون الإنتاج الدفاعي" كي تتمكن الشركة من إنتاج مكونات صيدلانية لأدوية تستخدم في علاج فيروس كورونا.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن المفتش العام للمؤسسة أنتوني زاكل لم يعثر على أي تصرف غير قانوني من جانب العاملين في المؤسسة الحكومية ولا أي تضارب مصالح لدى أي من العاملين المعنيين بعملية القرض.
وكان المستشار السابق للبيت الأبيض بيتر نافارو علّق على قرار منح القرض الحكومي لكوداك وقتها بأن "خطة كوداك وضعت بسرعة، بحسب توقيت الرئيس دونالد ترمب". لكن ترمب نفي وقتها أن تكون له علاقة بتفاصيل قرار منح القرض.
مخالفات بالجملة
بدأت الفقاعة المريبة حتى قبل الإعلان الرسمي عن القرض، حين سربت شركة كوداك خبر حصولها عليه قبل إتمام الصفقة ما أدى إلى ارتفاع سعر سهم الشركة 2000 في المئة تقريباً. ووصلت القيمة السوقية لها إلى نحو 2 مليار دولار في غضون أيام بعدما كانت قيمتها السوقية بضعة ملايين (115 مليون دولار قبل أسبوع من الفقاعة). فلم يكن سعر سهم كوداك يزيد إلا قليلاً على دولارين ليقفز في أقل من أسبوع إلى 60 دولاراً، قبل أن يعاود الانهيار السريع بعد وقف القرض وانفجار الفقاعة والاتهامات المتعددة للشركة والجهة الحكومية واتهامات سياسية لإدارة ترمب.
وتعتبر الهيئة الحكومية معنية أساساً بتقديم الدعم لبرامج التنمية في الدول الفقيرة. لكن الرئيس ترمب حين فعّل قانون الإنتاج الدفاعي أصبح بإمكانه جعلها تدعم شركات في الداخل الأميركي. يدير مؤسسة تمويل التنمية الدولية آدم بويلر الذي عمل سابقاً في مجال الرعاية الصحية وكان يوماً ما شريك سكن لصهر الرئيس ترمب ومستشاره جاريد كوشنر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذا، ارتفعت حواجب عدة بخاصة من الديمقراطيين في الكونغرس، حين تفاخر ترمب بالقرض "غير المسبوق لشركة أميركية في إطار قانون الدفاع" لدى الإعلان عنه يوم الثلاثاء 28 يوليو (تموز) الماضي. ثم إن تلك المكونات التي كانت ستنتجها كوداك هي لدواء هيدروكسي كلوروكين الذي روّج ترمب إلى أنه يعالج فيروس كورنا وأعلنت السلطات الصحية المعنية أنه غير فعال.
وباع بعض أعضاء مجلس إدارة كوداك والمديرين التنفيذين أسهماً في الشركة قبل إبلاغ السوق بصفقة القرض المحتملة وفور تسريب الخبر وارتفاع سعر السهم بشكل صاروخي، ومنهم عضو مجلس الإدارة جورج كارفنكل الذي كسب في صفقة بيع الأسهم 116 مليون دولار.
وبمطلع أغسطس (آب) الماضي تكاثرت الإشاعات في السوق حول ممارسات غير قانونية من جانب الشركة، التي منحت بعض مديريها التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة حصص أسهم قبل إعلان الصفقة بيوم لترتفع على الفور قيمتها بشكل كبير. ما اعتبر إفشاء غير قانوني يساوي التعامل غير الشرعي في الأسهم، لأن الشركة أيضاً سربت لوسائل الإعلام تفاصيل صفقة القرض قبل الإعلان عنها أو إبلاغ السوق بها رسمياً.
عندئذ أعلنت مؤسسة تمويل التنمية الدولية أنها ستعلق إجراءات تقديم القرض لشركة "إيستمان كوداك" بسبب إجراءات التحقيق، وأضافت: "إن الاتهامات الأخيرة بارتكاب أخطاء تثير قلقاً جدياً. ولن نستمر في الإجراءات حتى يتم الحسم فيها". إذ إن هيئة الأوراق المالية بدأت بالتحقيق في اتهامات تتعلق بطريقة إفصاح شركة كوداك عن صفقة القرض الحكومي. وسارعت الحكومة الأميركية بالنأى بنفسها عن صفقة القرض مع تعدد التحقيقات بشأنها.
قضية مستمرة
على الرغم من أن تحقيق مؤسسة تمويل التنمية الدولية الداخلي خلص إلى عدم وجود مخالفات من قبل العاملين في المؤسسة في خطة القرض، إلا أنه لم يتناول أي تواصل بين المؤسسة وجهات من خارجها، وتحديداً البيت الأبيض. وبعد أن سلم المفتش العام أنتوني زاكل تقريره حول التحقيق للسيناتور وارن الأسبوع الماضي، قال أحد مساعديها إنه لا يحسم إن كان هناك أي تدخل من البيت الأبيض في قرار منح المؤسسة القرض لكوداك.
وإذا كان تحقيق هيئة الأوراق المالية لم يخلص إلى نتيجة حاسمة، وتحقيق شركة كوداك الداخلي أيضاً انتهى بأنه لم يكن هناك أي تصرفات غير قانونية في الإعلان عن القرض، فإن الديمقراطيين في الكونغرس وخارجه ربما سيضيفون القضية إلى قائمة طويلة من الاتهامات التي يعدونها ضد ترمب ما إن يترك البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.