كشف تقرير من تحقيق عام أنّ المهاجم في حادثة "كرايستشيرش" تبرع بآلاف الجنيهات لمجموعات ومواقع إلكترونية دولية يمينية متطرفة قبل تنفيذ مجزرته. وقد قتل برينتون تارانت الأسترالي الجنسية (30 سنة) 51 شخصاً بإطلاق النار داخل مسجدين في تلك المدينة النيوزيلندية ["كرايستشيرش"] في مارس (آذار) 2019. وحُكم عليه في أغسطس (آب) بالسجن المؤبد، من دون إمكان نيل إطلاق سراح مبكر، قبل أن يقرّ بذنبه في 92 تهمة من الإرهاب والقتل ومحاولة القتل.
أخيراً، قدّمت لجنة تحقيق ملكية نظرت في الهجوم الإرهابي تفاصيل عن استخدامه المنتديات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وفيديوهات "يوتيوب" اليمينية، من أجل صوغ آرائه الموالية للقومية البيضاء. وكشفت أن تارانت وهب 16 تبرعاً على الأقل إلى مجموعات وأفراد ووسائل إعلامية دولية يمينية متطرفة منذ العام 2017، مرجحة أنه قدّم أيضاً عدداً أكبر من التبرعات لم تتمكن من إثباته.
وعلى نحو مماثل قدم تارانت دعماً إلى فصائل أوروبية عدة متفرعة من مجموعة "جيل الهوية" ("جينيريشن آيدنتيتي" Generation Identity) التي تناصر القومية البيضاء، وكذلك زعيمها الأسترالي مارتن سيلنر. كذلك قدّم المال إلى مواقع تابعة للنازيين الجدد من بينها "دايلي ستورمر" Daily Stormer و"ريبيل ميديا" Rebel Media التي عمل فيها في تلك الفترة تقريباً تومي روبنسون وشخصيات بارزة من أصحاب نظرية مؤامرة إبادة العرق الأبيض. وبلغ مجموع التبرعات حوالى 6600 دولار أسترالي (3700 جنيه استرليني) من دون احتساب خمس دفعات بالعملة الرقمية "بيتكوين".
وخلُصت اللجنة الملكية إلى أنه "خلال مقابلتنا معه، أشار الشخص المعني إلى تبرعه لمنظمات أكثر من تلك التي عدّدناها. ومن الممكن جداً بالتالي أنه قدم تبرعات لا علم لنا بها". وقُدّمت أكبر التبرعات بدءاً من سبتمبر (أيلول) 2017، خلال الفترة التي ذكر تقرير اللجنة الملكية إن تارانت عمل فيها على التحضير لهجومه.
وأضاف التقرير، "حينما وصل ذلك الشخص [تارانت] إلى نيوزيلندا في أغسطس (آب) 2017، عقد العزم على ارتكاب هجوم إرهابي، كهدف أساسي لحياته في نيوزيلندا. و شمل، بين أمور أخرى، التزوّد بالأسلحة، وتطوير خبرته في استخدامها، والتدرّب على تعزيز قوته العضلية في ناد للرياضة، وتحديد الأهداف والتخطيط". وقد أرسل الجزء الأكبر من المال أي 4500 دولار أسترالي (2500 جنيه إسترليني) إلى مجموعة "جينيريشن آيدنتيتي" المتعصبة للعرق الأبيض والمنتشرة في أوروبا. ولاحقاً، استقى تارانت عنوان بيانه الذي نُشر على موقع المراسلة "شان 8" 8chan قبل عملية إطلاق النار، مباشرة من العقيدة الأساسية المنظمة.
وتزعم نظرية "الاستبدال العظيم" التي وضعها مناصر القومية البيضاء الفرنسي رونو كامو، بأنّ الأوروبيين البيض يُستبدلون بغير البيض. كذلك تبرّع بالمال إلى فرعي "جينيريشن آيدنتيتي" في فرنسا وألمانيا، وأرسل أكبر تبرع مفرد، بلغ 2300 دولار أسترالي (1300 جنيه إسترليني) لمصلحة زعيم المنظمة النمساوي سيلنر.
وذكر التقرير أنه حثّ آخرين عبر شبكة الإنترنت على التبرع لسيلنر، وكتب رسالة إلكترونية لهذا الأخير بعد إتمام بالتبرع في يناير (كانون الثاني) 2018. وآنذاك، كتب تارانت "واظب على عملك العظيم، سوف يكون الطريق نحو النصر طويلاً لكن مع مرور كل يوم يزداد شعبنا قوة". وضمن تبادل للرسائل نُشر في تقرير اللجنة الملكية، ظهر أن سيلنر إجابه موضحاً إن تارانت أعطاه "الطاقة والتحفيز"، ودعاه إلى تناول القهوة أو البيرة، إذا سافر [تارانت] إلى فيينا.
وقدّم تارانت الدعوة نفسها إلى سيلنر في حال زار أستراليا أو نيوزيلندا، لكن التقرير ذكر إنه لا يوجد دليل على لقاء الثنائي في النمسا حين زار الأخير البلد مرتين في العام 2018. وأضاف التقرير، "لا دليل يشير إلى لقائهما فعلياً. في هذه المرحلة، لا نرجّح أنّ الشخص المعني أراد فعل أي شيء يثير انتباه أجهزة الاستخبارات والأمن الدولية".
ونفى سيلنر أي علاقة له بتارانت أو الهجوم، بل أورد في فيديو نشره لاحقاً إنه سيتبرع بمال مطلق النار إلى منظمات خيرية. وأضاف، "لست عضواً في منظمة إرهابية ولا علاقة لي أبداً بهذا الرجل، سوى أنني تلقيت تبرعاً منه من دون أن أفعل شيئاً".
وعلى نحوٍ مماثل، قدم تارانت تبرعات أقل إلى عدد من وسائل الإعلام اليمينية، بما فيها "إذاعة فريدوماين" Freedomain Radio التي أسّسها مناصر القومية البيضاء ستيفان مولينو. وأرسل ثلاثة تبرعات بعملة "بيتكوين" الرقمية إلى موقع النازيين الجدد "دايلي ستورمر". وفي سبتمبر (أيلول) 2017، قدّم 107 دولارات أسترالية (60 جنيهاً استرلينياً) إلى الموقع الكندي "ريبيل ميديا" Rebel Media الذي ضمت صفوف مراسليه آنذاك تومي روبنسون مؤسس "عصبة الدفاع الإنجليزية" English Defense League.
وفي وقت سابق، وظف موقع "ريبيل" شخصيات بارزة من أصحاب نظرية مؤامرة "إبادة العرق الأبيض"، بينهم فايث غولدي وجاك بوزوبيك ولورين سوذرن التي مُنعت من دخول المملكة المتحدة، على غرار سيلنر، في مارس (آذار) 2018. وعقب هذه الخطوة، قرأ روبنسون الخطاب الذي اعتَزَم سيلنر قراءته في "هايد بارك" بلندن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهيمن على الفيديوهات التي أعدّها روبنسون لمصلحة موقع "ريبيل" محتوى معادٍ للإسلام وعصابات استغلال الفتيات والاعتداء عليهنّ جنسياً، وانتقادات لسياسيين ضمنهم عمدة لندن صادق خان. وكذلك أورد تارانت ذكر عصابات الاغتصاب في بيانه، إضافة إلى كتابته عبارة "من أجل روذرهام" على ذخيرته. وحثّ الناس على قتل خان.
وأورد تارانت ذكر مهاجم "فنسبوري بارك" الإرهابي دارين أوزبورن الذي اعتبر روبنسون مصدراً ملهماً له. وتحدث عن أوزبون باعتباره قدوة بسبب "اتخاذه موقفاً ضد الإبادة الجماعية العرقية والثقافية". ومن الشخصيات الأخرى التي ذكرها تارانت باعتبارها مصدر إلهام له، زعيم "الاتحاد البريطاني للفاشيين" أوزوالد موزلي، ومجموعة من الإرهابيين اليمينيين المتطرفين تشمل مهاجم النرويج أندرياس بريفيك.
وألهم تارانت الذي يبجّله القوميون البيض غالباً باعتباره "قديساً"، حوادث إطلاق نار أخرى بينها التي جرت في كاليفورنيا وتكساس والنرويج، إضافة إلى حادث طعن إرهابي في المملكة المتحدة.
وذكرت اللجنة الملكية أنه إضافة إلى مشاهدة محتوى اليمين المتطرف على الإنترنت، استخدم تارانت الشبكة الافتراضية في شراء كتب تطرف وأدوات متنوعة. ووفق وصف ورد في التقرير، "أخذ (القاتل) خطوات هدفها تقليص بصمته الرقمية" وعرقلة التحقيقات. وكذلك لم يُعثر أبداً على القرص الصلب لحاسوبه.
ولقد نقل تارانت إلى المحققين إنه بدأ "بالتفكير سياسياً" منذ عمر 12 سنة بعد سنوات من اطلاعه على الإنترنت واللعب عليها من دون رقابة، وقد عبّر عن آرائه العنصرية في سن صغيرة. ويشار أيضاً إلى أنه لم يعمل أبداً، خلال فترة قصيرة اشتغل فيها مدرّباً شخصياً في أستراليا، بل عاش على 457 ألف دولار أسترالي (254 جنيه إسترليني)، ورثها عن أبيه الذي قتل نفسه في العام 2010 بعد تشخيص إصابته بسرطان الرئة.
وأورد تقرير اللجنة أيضاً إن تارانت سافر بحريّة كبيرة، "لأنه استطاع ذلك، ولم يكن لديه شيء أفضل كي يفعله"، قبل انتقاله إلى نيوزيلندا وشروعه في تخطيط هجومه الذي نفّذه في أغسطس 2017.
ولم تربط تارانت سوى علاقات سطحية بالآخرين في نادٍ رياضي ونادي الرماية الذي تمّرن فيه بأسلحة سريعة الطلقات. وقد مرّت بعض الإشارات المحتملة إلى مخططه من دون أن يلاحظها أحد حين تلقّى العلاج في المستشفى في يوليو (تموز) 2018 لإصابته في حادثة بسبب سلاح ناري. واعتُبر تارانت "مؤهلاً ومناسباً" لحمل رخصة سلاح بعدما قدّم صديقاً يلعب معه وأبيه باعتبارهما مرجعيتين تكفلان شخصيته. واعترفت الشرطة بأنه كان عليها التدقيق في ما "إذا كانت تعرف كفاية الشخص".
ووجد التقرير أنّ جهاز الاستخبارات الأمنية النيوزيلندي اختار التركيز على خطر التطرف الإرهابي الإسلامي المستوحى من "داعش"، على حساب غيره من المخاطر. وقد قدّم التقرير 44 توصية لكنه استنتج أنّه لم يكن من طريقة منطقية لاكتشاف خطط تارانت "إلا من طريق المصادفة".
© The Independent