سيتوجه فريق من العلماء بقيادة المملكة المتحدة إلى القارة القطبية الجنوبية لدراسة أكبر جبل جليدي في العالم، وهو في طريقه إلى الاصطدام بجزيرة جورجيا الجنوبية.
فقد بات الجبل المسمى "A-68a"، الذي يشكل كتلة جليدية عائمة بحجم جزيرة جامايكا تقريباً، على بعد أقل من 50 كلم من الجزيرة.
ويمكن لوصوله إلى شواطئها أن يتسبب في كارثة لمعظم الحياة البرية المحيطة بجورجيا الجنوبية، أحد أكثر الأنظمة البيئية أهميةً في العالم.
ولغاية منتصف القرن العشرين، كانت الجزيرة البريطانية محطة أساسية لصيد الحيتان، لكنها أمست اليوم مجرد بقعة خالية من السكان الدائمين أو بالأحرى مستعمرة مهمة لطيور البطريق والفقمات، مع توقعات بوصول جبل الجليد إليها خلال موسم التزاوج.
ونظراً إلى ارتفاع الجبل الجليدي 38 متراً (125 قدماً)، وامتداده على مساحة 3900 كلم مربع، من الممكن أن يُعيق وصول حيوانات الجزيرة إلى البحر والعثور على غذاء لصغارها، وهذا يعتمد طبعاً على الموقع الدقيق للاصطدام. ومن الممكن أيضاً أن يُمزق قاع البحر، ويسحق النظام البيئي تحت الماء في المنطقة المحيطة بالجزيرة.
هذه المشكلة لن تكون مؤقتة بالنسبة إلى الفقمات والبطاريق. فبحسب "هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي" BAS، "يُرجح للجبل الجليدي أن يستمر ملتصقاً بساحل الجزيرة المتضررة لفترة تزيد على 10 أعوام قبل أن يتكسر ويتلاشى نهائياً"، ولو صحت هذه الترجيحات، فلن يتمكن المليونا بطريق المقيمة في الجزيرة (وتتراوح أنواعها بين البطريق الملك والجنتو والبطريق الذهبي أو المكرونة والبطريق شريطي الذقن) من الوصول إلى البحر لإطعام صغارها.
ويتشكل جبل "A-68a" من مياه عذبة، يُمكن لذوبانها أن يجعل المحيط غير صالح لحياة العوالق النباتية وسواها من الكائنات البحرية، التي تُعد جزءاً لا يتجزأ من السلسلة الغذائية.
وسوف تستهدف بعثة البحث العلمي التي ستنطلق إلى القطب الجنوبي الشهر المقبل، تحديد الآثار المختلفة التي قد تتمخض عن الجبل الجليدي.
وقد علمنا أن الباحثين بقيادة "هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي" سيُبحرون على متن سفينة تابعة لـ"المركز الوطني لعلم المحيطات" NOC، بعدما تقدموا باقتراح لـ"مجلس الأبحاث البيئية الطبيعية" NERC لتمويل بعثة طارئة جنوباً.
وعلى ضوء الصور الجوية التي التقطتها وزارة الدفاع حديثاً، التي تُبين بوضوح أن الجبل الجليدي بدأ يتكسر، أُوكلت إلى العلماء مهمة التحقيق في الأثر المحتمل لمياه الجليد الذائب على بقعة من المحيط تحتضن بطاريق وفقمات وحيتان، ناهيك عن بعض أكثر مصائد الأسماك المُدارة بشكل مستدام في العالم.
وفي إطار هذه المهمة، يُعتزم الاستعانة بغواصات آلية تحت الماء، على أن يتم نقلها على متن سفينة الأبحاث "أر أر أس جايمس كوك" RRS James Cook، التي ستنطلق من جزر الفولكلاند باتجاه الجبل الجليدي أواخر يناير (كانون الثاني) بقيادة أخصائي علم المحيطات، الدكتور بول أبراهامسن من "هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي".
"لدينا فرصة ذهبية لزيارة الجبل الجليدي"، قال أبراهامسن. "في العادة، يستغرق التخطيط اللوجيستي لرحلات البحث البحرية سنوات طويلة، لكن إدراك "مجلس الأبحاث البيئية الطبيعية" الذي يعمل جنباً إلى جنب مع حكومة جورجيا الجنوبية وجزر ساندويتش الجنوبية و"برنامج بلو بيلت" Blue Belt Programme الحكومي البريطاني، خطورة الوضع وضرورة التحرك السريع، اختصر الوقت وأتاح لنا دراسة الجبل الجليدي في رحلة مرتقبة لمراقبة النظام البيئي للمحيط الجنوبي ومناخه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"في الوقت الحاضر، الكل يبذل جهوداً جبارة لإتمام هذه المهمة".
ومن المفترض بالغواصتين الآليتين بطول 1.5 متراً أن تُمضيا نحو أربعة أشهر في جمع قياسات ملوحة مياه البحر والكلوروفيل ودرجة الحرارة في جوانب معاكسة من الجبل الجليدي، على أن يتولى طاقم من "المركز الوطني لعلم المحيطات" و"هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي" مهمة توجيهها بواسطة الأقمار الصناعية.
عدا عن ذلك، سيقوم الباحثون بقياس عدد العوالق البحرية الموجودة في المياه والمقارنة بينها والأعداد الواردة في دراسات المحيطات والحياة البرية، التي أُجريت حول جورجيا الجنوبية وجزيرة الطيور المتاخمة لها على المدى الطويل.
وكانت "هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي" قد أشارت في وقت سابق إلى أن المياه المحيطة بجورجيا الجنوبية، هي واحدة من البقع الأكثر تنوعاً من الناحية البيولوجية في العالم وإحدى أكبر المحميات البحرية، لاحتوائها على فصائل بحرية كثيرة تتعدى سلاحف الغالاباغوس.
وفي هذا الصدد، أوضح البروفسور جيرانت تارلينغ، وهو عالم بيئي لدى "هيئة مسح القطب الجنوبي" أن "الجبل الجليدي سيُدمر قاع البحر ويُطيح بالمجتمعات المقيمة فيه من إسفنج ونجوم هشة وديدان وقنافذ، الأمر الذي يُنذر بتناقص في التنوع البيولوجي".
وأضاف، "تُخزن هذه الكائنات كميات كبيرة من الكربون في أنسجتها والرواسب المحيطة، ومن شأن الدمار الذي سيتسبب به الجبل، إعادة إطلاق الكربون في المياه وزيادة وضع الغلاف الجوي سوءاً".
لكن، بحسب البروفسور تارلينغ، ليست كل التأثيرات التي نتجت من مسار تحرك الجبل الجليدي سلبية:
"فعندما تجتاز جبال الجليد المحيط المفتوح، تجر في طريقها كميات هائلة من الغبار المعدني، وهذا الغبار يُخصب العوالق المحيطة بها، الأمر الذي يعود عليها بالمنفعة ويُعزز السلسلة الغذائية".
لكن انهيار أطراف جبل الجليد وتكسرها إلى كتل أصغر حجماً، قد يعرض مسارات السفن للخطر. ولهذا ستسعى البعثة إلى إبقاء التكتلات الخطيرة تحت الرقابة بعد أن كان أندرو فليمينغ، رئيس قسم الاستشعار عن بعد في "هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي"، يتولى المهمة بنفسه ويتعقب مسار الجبل الجليدي "A-68a" عبر الصور التي يلتقطها القمر الصناعي "كوبيرنيكوس سنتينيل -1" Copernicus Sentinel-1 وأقمار أخرى.
"نحن نراقب تقدم الجبل "A-68a" عن كثب، حيث أننا لم نر كتلةً جليدية بهذا الحجم منذ بعض الوقت"، على حد تعبير فليمينغ. "ولو تكسر، فسيتداعى إلى آلاف الكتل الجليدية الصغيرة، ومن شأن هذه الكتل أن تُعرقل مسارات السفن في المنطقة، لاسيما إن تفرقت. لقد سلمتنا "وكالة الفضاء الأوروبية" صوراً منتظمة من القمر الصناعي "كوبيرنيكوس سنتينيل-1" وستستمر الأمور على هذه الحال خلال الأشهر المقبلة".
"وبالنسبة إلى الصور والتسجيلات التي جمعتها البعثات الجوية الخاصة بوزارة الدفاع، فقد ساعدت على تأكيد بعض المعالم، التي يمكن أن نراها في الصور المأخوذة من الفضاء. لكن تبقى الصور القريبة ضرورية للوقوف على تفاصيل عملية تكسر الجبل وتحسين قدرتنا على فهمها"، أردف فليمينغ.
وفي السياق ذاته، علق وزير المحيط الهادئ والبيئة زاك غولدسميث قائلاً، "علينا أن نفهم تأثيرات جبال الجليد الضخمة على الحياة البرية والبحرية. وأنا سعيد جداً لأن "برنامج بلو بيلت"، الذي يعمل مع الأقاليم البريطانية (ما وراء البحار)، لحماية مياهها وإدارتها بصورة مستدامة، قادر على توفير الدعم اللازم لهذه البعثة البحثية المهمة للغاية".
© The Independent