أفاد عدد من الباحثين أنّ المحيطات على كوكب الأرض سجّلت مستويات قياسيّة من درجات الحرارة المرتفعة العام الماضي، نظراً إلى تسارع وتيرة الاحتباس الحراريّ العالميّ على نحو مضطرد.
ووفقاً للعلماء، يوازي معدل الحرارة التي استوعبتها المحيطات على مدى الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، الانفجارات الناجمة عن 3.6 مليارات قنبلة ذريّة.
والحال أنّ تغيُّر المناخ أدّى إلى زيادات سريعة في ما يُسمى درجة حرارة الهواء السطحيّ العالميّة منذ خمسينيات القرن العشرين، ووجد العلماء أنّ أعلى معدلات الحرارة سجلت في الأعوام الخمسة الأخيرة.
وفي دراسة جديدة تسعى إلى تحديد الآثار التي يخلّفها الاحترار العالميّ في المحيطات، تبيّن أنّ الأخيرة شهدت في العام الماضي درجة الحرارة الأعلى المسجلة في التاريخ البشريّ، إذ ازدادت بمقدار 0.075 درجة مئويّة عن متوسط الفترة ما بين 1981 و2010.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول العلماء إنّ المحيطات توفِّر صورة وافية عن ارتفاع حرارة كوكبنا لأنّها تحبس ما يزيد على 90 في المئة من الحرارة الزائدة التي تختزنها الأرض.
وتناول هذه المسألة ليجينج تشينغ، الباحث الرئيس في الدراسة التي نشرت في مجلة "أدفانسيس إن أتموسفيريك ساينسيز"، وقال إنّه لا يمكن دحض الارتفاع في درجة حرارة المحيطات التي قاسها العلماء، وهو دليل آخر على ظاهرة الاحتباس الحراريّ التي تطاول كوكبنا. لا تتوفّر تفسيرات منطقيّة أخرى لهذا الاحترار ما عدا انبعاثات غازات الدفيئة التي يخلّفها الإنسان وتحبس الحرارة الزائدة في الغلاف الجويّ للأرض".
في الحقيقة، كي ترتفع حرارة المحيط إلى المستوى الذي لامسته حاضراً، سيكون المحيط قد امتصّ 228،000،000،000،000،000،000،000 (228 سيكستليون) جول من الطاقة.
معلقاً على هذا الرقم الضخم، أضاف تشنغ، وهو أستاذ مشارك في "المركز الدوليّ للعلوم المناخيّة والبيئيّة" التابع لـ"الأكاديميّة الصينيّة للعلوم"، "تلك أصفار كثيرة فعلاً. توازي كمية الحرارة التي تسببنا بها في المحيطات حول العالم في السنوات الـ 25 الماضية 3.6 مليارات قنبلة ذريّة من نوع قنبلة هيروشيما".
قيّم الباحثون البيانات من جميع المصادر المتاحة، من بينها ثلاثة آلاف و800 عوامة تطفو عبر بحار كوكب الأرض ومحيطاته ضمن البرنامج الدولي "آرغو" الذي يُعنى برصد احترار المحيطات وملوحتها وتياراتها، وما إلى ذلك.
عند تقييم البيانات بوسائل تحليليّة جديدة بغية مقارنتها مع اتجاهات درجات الحرارة التي تعود إلى خمسينيات القرن العشرين، وجد العلماء أنّ السنوات الخمس الأخيرة كانت الأكثر دفئاً على الإطلاق.
في هذا الصدد، يقول جون أبراهام، وهو باحث مشارك وأستاذ الهندسة الميكانيكيّة في جامعة "سانت توماس" في الولايات المتحدة، إنّ " فهم مدى تغيّر الأمور حيوي. يكمن مفتاح الإجابة عن هذا السؤال في المحيطات حيث يصب شطر راجح من الحرارة. إذا كنت ترغب في فهم ظاهرة الاحتباس الحراريّ، عليك أن تقيس ارتفاع حرارة المحيط".
وأضاف، "الاحترار العالميّ حقيقة واقعة، وهو يزداد سوءاً. ليس ذلك سوى غيض من فيض الحقيقة التي تنتظرنا. ولكن لحسن الحظ، في وسعنا أن نفعل أمراً ما حيال ذلك: يمكننا استخدام الطاقة بشكل أكثر حكمة وتنويع مصادرها. لدينا القدرة على خفض هذه المشكلة".
إلى جانب الاتجاهات الطويلة الأجل، يمكن أن تحمل الموجات المفاجئة من الدفء- على غرار موجة الحرارة التي ضربت شمال المحيط الهادئ بين 2013 و2015 التي أطلق عليها الباحثون اسم "البلوب"، تأثيرات كارثية تدمِّر التنوع البيولوجيّ في المحيطات.
وقال كيفن ترينبيرث، باحث مشارك وكبير العلماء في المركز الوطني لبحوث الغلاف الجوي في الولايات المتحدة، "ثمة أدلة على أنّ ظاهرة "البلوب" تسبَّبت في خسائر كبيرة للحياة البحرية، من العوالق النباتيّة والحيوانيّة مروراً بالأسماك- بما في ذلك 100 مليون سمكة من سمك القد- وصولاً إلى الحيوانات البحريّة، على غرار الحيتان. لهذه المظاهر من الاحتباس الحراري عواقب وخيمة".
كذلك حذّر الباحثون من أنّ المناطق الحارة في المحيطات يمكن أن تعزِّز نشوب العواصف بدرجة كبيرة- نذكر مثلاً الحرارة في خليج المكسيك التي ساهمت في ولادة إعصاري "هارفي" و"فلورنسا" في عامي 2017 و2018 على التوالي، اللذين أوديا بحياة العشرات.
وخلص تشنغ إلى أنّ " حصاد ما ارتكبناه هو تقليص معدل الأكسجين الذائب في المحيطات، وتضرر الكائنات البحريّة، وتعزيز العواصف، والحدّ من الأسماك وانحسار الاقتصادات ذات الصلة بالمحيطات. ولكن مع ذلك، كلما عملنا على خفض نسبة انبعاثات غازات الدفيئة، انخفض معدل احترار المحيطات. لا يزال خفض كميّة النفايات، وتدويرها، وإعادة استخدامها، فضلاً عن الانتقال إلى مجتمع الطاقة النظيفة... أبرز سبيل للمضي قدماً في التصدِّي لتغيّر المناخ".
© The Independent