بعد أشهر من المداولات بين الحكومة العراقية والكتل السياسية واللجان في مجلس النواب، لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها العراق منذ مطلع العام 2020، والتي أدت إلى استنزاف احتياط البنك المركزي من العملة الصعبة وارتفاع الدين الداخلي إلى مستويات غير مسبوقة، جاء خفض قيمة الدينار كخطوة أولى لإصلاح هيكلية الاقتصاد العراقي أحادي الجانب.
وجاء الإعلان عن القرار بعد أسابيع من تذبذب سعر الدينار العراقي أمام الدولار والعملات الأخرى، وسط إقبال كبير على شراء الدولار من قبل التجار والمواطنين للمرة الأولى منذ سنوات، الأمر الذي أدى إلى بيعه بأسعار عديدة مختلفة في اليوم الواحد، وتسبب في شلل كبير في الحركة الاقتصادية داخل البلاد.
وأوضح البنك المركزي أن قرار التخفيض سيكون لمرة واحدة، ومثل خطوة مهمة لرفع عائق كبير لإجراء التنمية الحقيقية كون سعر الصرف السابق البالغ 1119 ديناراً للدولار الواحد، أصبح غير مناسب مع معدلات الصرف للدول الأخرى، فضلاً عن كونه سيتيح توفير الموارد الكافية لتمويل الموازنة، وحرصاً من البنك على تفادي استنزاف احتياطاته الأجنبية.
الدولار مقابل 1460 ديناراً
ويبلغ الاحتياط النقدي للعراق من الدولار نحو 50 مليار دولار، بعد أن كان نحو 90 ملياراً مطلع 2020، بعد سلسة من القروض الداخلية للحكومة العراقية من البنك المركزي والمصارف الحكومية والأهلية، لتغطية الرواتب والنفقات بعد تراجع أسعار النفط، وهي مخصصة لتأمين استيرادات العراق، وكذلك غطاء للعملة المحلية الصادرة في الوقت الحاضر.
ووفق المصرف المركزي، فإن سعر الصرف الجديد سيمر عبر مراحل، الأولى منها عبر شراء الدولار من وزارة المالية بـ 1450 ديناراً وببيع البنك المركزي له إلى المصارف بـ 1460، وبيعه للمواطنين بـ 1470.
سندعم الشرائح الفقيرة
من جانبها، بينت وزارة المالية العراقية أن تثبيت سعر الصرف الجديد ينسجم مع متطلبات الإصلاح التي تعمل من أجلها الحكومة لتحسين الواقع الاقتصادي، وستعمل بشكل فوري على دعم القطاعات المتضررة والشرائح الفقيرة، عبر إجراءات تتضمن زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة العامة من أجل تعويض ارتفاع أسعار بعض المواد المستوردة.
وأضافت الوزارة أن القرار يحظى بتأييد القوى السياسية والبرلمانية والفعاليات الاقتصادية، التي شاركت مع الحكومة في نقاشات مطولة للتوصل إليه، بالإضافة إلى الجهات الدولية المختصة بهذا الإجراء، ومنها صندوق النقد الدولي الذي وعد بتخصيص مبالغ كبيرة لمواجهة انعكاسات الجائحة على الفئات الهشة.
ويعد خفض قيمة العملة العراقية من أهم شروط المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم العراق في العام 2021، فضلاً عن إصلاح نظام البطاقة التموينية ورفع الدعم عن أسعار الوقود وخفض نفقات الحكومة العراقية ومعدل الرواتب العام في البلاد.
ورفضت وزارة المالية العراقية ما سمتها التفسيرات الخاطئة المتشائمة، التي يحمل بعضها خلفية سياسية لعرقلة حركة الإصلاح ومنع إحداث نقلة نوعية في مجالات الصناعة والزراعة والتنمية.
قرار متسرع
يختلف مختصون في الشأن الاقتصادي مع رؤية وزارة المالية، ويرون أنها خطوة متسرعة ستكون لها نتائج سلبية على حياة المواطنين العراقيين، خصوصاً الفئات التي تعتمد في معيشتها على الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويصف المختص في شؤون الاقتصاد، صالح الهماشي، زيادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار من قبل البنك المركزي "بالقرار المتسرع"، والذي سيؤدي إلى ارتفاع سعر السلع في السوق العراقية مع قلة المداخيل.
وقال الهماشي إن "رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار جوانبه السلبية ستكون أكبر من إيجابياته، لا سيما في ظل اتخاذ الحكومة سلسلة من القوانين، منها تخفيض رواتب موظفي الدولة، وزيادة الضرائب، وفرض ضريبة مبيعات على السلع والمهن، وزيادة أسعار البنزين"، مبيناً أن "القرار لم يؤخذ بنظر الاعتبار ما يقارب 30 في المئة يعتاشون على الدولة، وهي تقدم معونات لهم لأنهم غير منتجين، وكان من الأفضل اتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية بالتزامن مع إجراءاتها المالية".
ورجح الهماشي أن ينافس المنتج العراقي للمنتجات المستوردة لعدم وجود صناعات حقيقية تدخل في المنافسة مع البضائع الرخيصة، التي تدخل من تركيا وإيران، واللتين يعاني اقتصادهما تضخماً كبيراً.
وسيتضرر من القرار الكثير من الشرائح، لأن جميع السلع والخدمات سترتفع أسعارها بالتزامن مع فرض مزيد من الضرائب بحسب الهماشي، الذي يتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى ردود فعل غاضبة من الشارع العراقي واحتجاجات خلال عام 2021.
زيادة نسبة الفقراء
بدوره، يحذر أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، من زيادة نسبة الفقر بنسبة 60 في المئة بعد إجراءات الحكومة الأخيرة، لافتاً إلى أن وزير المالية ينفذ أجندة البنك الدولي.
وقال إن "التقلب بأسعار صرف الدولار مقابل الدينار ألقى بظلاله على المواطن العراقي، وزاد من أسعار السلع وتوقف الحركة التجارية لعدم معرفة سعر الصرف"، لافتاً إلى أن القرارات الحكومية المرتقبة بتقليل الرواتب وزيادة الضرائب مع قرار تغيير سعر الصرف ورفع أسعار المشتقات النفطية، كلها ستؤدي إلى خفض المدخول، ما سيرفع من نسب الفقر لتصل لنحو 60 في المئة، عما هو عليه الآن (40 في المئة) من مجموع الشعب العراقي.
ويضيف أن "ارتباط البنك المركزي يعود إلى البرلمان العراقي، فإن ما يحصل من تغيير في أسعار الصرف ينسجم مع ما طلبته وزارة المالية، وبمعنى تابع لوزارة المالية"، لافتاً إلى أن "البنك الدولي يسعى إلى تغير الصرف في العراق، ووزير المالية يطبق أجندات البنك الدولي".
وتوقع استمرار تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الدينار بعد تغيير سعره وعدم توقفه على سعر معين، ما سينعكس سلباً على الأسواق، لافتاً إلى أن الحلول تتمثل بالتغيير التدريجي، وممكن أن يكون سعره 1300 دينار ليكون سعراً مقبولاً.
وتبلغ قيمة القروض الداخلية نحو 80 تريليون دينار عراقي (67.7 مليار دولار)، أما الخارجية فتبلغ نحو 27 مليار دولار، وستبلغ 32 مليار دولار إذا ما اقترض العراق خمسة مليارات من صندوق النقد ضمن المفاوضات الجارية بين البلدين، بحسب مختصين.
البنك المركزي مستقل
بدوره، يوضح عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي النائب أحمد حمة رشيد، أن سلطة البنك المركزي مستقلة، وهي من تحدد سعر الصرف، معتبراً أن أي زيادة في سعر الصرف قد تؤدي إلى غلاء أسعار السلع.
ويضيف أن "السلطة النقدية في العراق سلطة مستقلة، ولا سلطان عليها، وبحسب المادة الثانية من قانون البنك المركزي لسنة 2004 وتعديلاته، لا يمكن لأي سلطة التدخل، لا سيما أنه في عام 2015 حاول البرلمان تحديد سعر مبيعات البنك ونقضته المحكمة الاتحادية"، ويرجح أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق، داعياً إلى استثمار الموضوع في قضية تنمية المنتج المحلي، ويلفت إلى وجود مفاوضات سابقة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتثبيت سعر الصرف على 1300 دينار للدولار.