ما إن أعلنت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشكل متزامن تفاصيل اتفاق بريكست، حتى بدأ الجدل في بريطانيا حول ما إذا كانت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون قد حصلت على اتفاق مع الأوروبيين يلبي تطلعات شعبها للعلاقة مع أوروبا أم لا.
ومع توقع معارضة للاتفاق من قبل مجموعة من نواب حزب المحافظين يوصفون بأنهم "صقور بريكست"، الذين كانوا يفضلون الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، أقر رئيس الوزراء وزعيم حزب المحافظين بأن "الشيطان في التفاصيل" فيما يتعلق ببنود الاتفاق الذي يقع في أكثر من ألف صفحة، لكنه أصر أيضاً على أن اتفاق بريكست الذي أعلن التوصل إليه عشية عيد الميلاد "الصفقة المناسبة لكل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي".
من بين أهم التفاصيل في بنود الاتفاق تلك المتعلقة بالخدمات المالية، التي كانت تمثل ميزة أساسية لحي المال والأعمال في العاصمة البريطانية (سيتي أوف لندن)، والذي يشكل مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد البريطاني.
حقوق المعادلة المالية
بحسب بنود الاتفاق، فقدت المصارف الاستثمارية والشركات المالية العاملة في لندن ما كان يسمى "جواز السفر المالي الأوروبي"، وتمت الاستعاضة عنه بما يسمى "حقوق المعادلة المالية" لغرف المقاصة في لندن التي تدير تعاملات يومية في الأسهم والسندات المشتقات الاستثمارية الأوروبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولأن تلك العمليات تتضمن بيع وشراء مشتقات تبلغ نحو 20 تريليون دولار، فهي تمثل أهمية قصوى للقطاع المالي البريطاني. وتحتاج حقوق المعادلة المالية إلى تغييرات كبيرة في النظم والقواعد ولوائح عمل الشركات المالية للاتساق مع طريقة التعامل الجديدة بين بريطانيا وأوروبا.
وفي مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" صباح اليوم الأحد، تعهد وزير الخزانة ريشي سوناك، بحل هذه المسائل، وقال "سنظل في حوار مكثف مع شركائنا الأوروبيين حين يتعلق الأمر بقرارات الحسم في شأن حقوق المعادلة المالية". وأضاف أن القطاع المالي البريطاني هو "شيء نفخر به"، وسيظل مفتوحاً لعلاقات وتعاملات جديدة، و"الاستفادة من فرص جديدة".
واعترف سوناك بأنه ستكون هناك تغييرات في اللوائح والقوانين والقواعد المنظمة لتعاملات القطاع المالي "لأنه مع خروجنا من الاتحاد الأوروبي يمكننا أن نقوم بذلك بشكل مختلف".
وأكد وزير الخزانة البريطاني ثقته في أن اتفاق بريكست "فرصة هائلة لتوحيد البلاد"، بعد أن وصفها بأنها "شقاق وخلافات السنوات القليلة الأخيرة".
فرصة لبريطانيا
جاءت آراء وزير الخزانة ريشي سوناك في مقابلته مع "سكاي نيوز" متسقة مع تصريحات رئيس الوزراء بوريس جونسون في حوار نشرته صحيفة "صنداي تلغراف" أعاد فيه التأكيد أن الاتفاق فرصة لبريطانيا للالتفات لتطوير اقتصادها، و"زيادة الفرص بالتساوي في أنحاء البلاد"، لتجاوز الخلافات التي ميزت السنوات الماضية.
وكرر جونسون الإشارة إلى أن حكومته كانت مستعدة للخروج من أوروبا من دون اتفاق لو لم تحصل على ما أراده الناخب البريطاني وصوت له (في استفتاء بريكست عام 2016)، لكنه أكد أيضاً أن بريطانيا لم تكن تسعى "للخروج (من أوروبا) لمجرد الخروج"، أو لأنها لا تريد أن تبقى في أوروبا، مكرراً ما يقوله أنصار بريكست منذ أكثر من أربع سنوات من أن الهدف هو "تحرير بريطانيا من قيود البيروقراطية الأوروبية"، للانطلاق نحو آفاق اقتصادية أوسع.
وبدا أن حوار جونسون مع صحيفة "صنداي تلغراف"، ذات التوجه اليميني والمؤيدة لحزب المحافظين، موجه أساساً لمجموعة من النواب في حزبه معارضين لأوروبا بالمطلق وأرادوا خروجاً من دون اتفاق.
وأرسل جونسون رسالة على عبر تطبيق "واتساب" لنواب حزب المحافظين في مجلس العموم (البرلمان) البريطاني، عرضت شبكة "سكاي نيوز" نصها، بدأها بأن اتفاق بريكست انتصار للحكومة، وأنه "لبى كل تعهداتنا في بياننا الانتخابي".
أضاف "أعتقد أنه بات لدينا الآن الأساس الذي نبني عليه شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي كدولة ذات سيادة"، موضحاً "أعرف أن الشيطان في التفاصيل"، ومؤكداً أن الاتفاق يحقق كل ما كانت تريده بريطانيا.
وحتى مع احتمال "تمرد" بعض نواب المحافظين في تصويت البرلمان يوم الأربعاء المقبل (30-12-2020)، فإن حكومة بوريس جونسون ستحصل على الأصوات الكافية للتصديق على الاتفاق. فحزب العمال المعارض ألزم نوابه في البرلمان بالتصويت لصالح الاتفاق، وقال سير كير ستارمر زعيم حزب العمال إنه سيطبق النظام الصارم للالتزام الحزبي على النواب ليصوتوا بنعم.