يتبين حاضراً أن الجامعات البريطانية الأبرز أنفقت عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية على مئات الآلاف من الرحلات الجوية خلال السنوات الأربع الماضية، على الرغم من تعهدات متكررة بمعالجة أزمة المناخ.
إذ علمت "اندبندنت" أن موظفين في ثماني مؤسسات تشمل جامعات كامبريدج وبريستول ونيوكاسل، شاركوا في17 ألف رحلة بالطائرات، وقد شمل ذلك رحلات بعيدة المدى وقارية ومحلية.
وبلغ عدد الرحلات الجوية الخاصة بـ"إمبريـال كوليدج لندن" وحدها 38 ألفاً بين عامي 2016 و2020، ما يوازي 26 رحلة جوية يومياً على مدار السنة.
وبصورة عامة، يُعَد الطيران أحد الأسباب الكبرى المفردة المسببة للتلوث العالمي، وعاملاً رئيساً في تغير المناخ. في المقابل، من المدهش أن الأرقام الجديدة لا تبين سوى رأس جبل الجليد.
فمن بين الجامعات الـ24 المنضوية ضمن "مجموعة راسل" التي سألتها "اندبندنت" عن تفاصيل تتعلق بعدد الرحلات الجوية، رفضت 15 جامعة، بما فيها جامعات أوكسفورد ومانشستر وغلاسكو، الإفصاح عن عدد الرحلات الجوية المتعلقة بها، أو أفادت بأنها لا تسجل رحلات كتلك.
والآن، مع تقلص الرحلات الجوية حول العالم في الوقت الحالي بسبب فيروس كورونا، يتولى سياسيون وأكاديميون وطلاب حضّ الجامعات على استغلال الجائحة كفرصة كي تراجع سياسات السفر في المستقبل لخدمة مصلحة الكوكب.
وفي ذلك السياق، ذكرت الزعيمة السابقة لحزب الخضر، البارونة ناتالي بينيت، "نرى بالضبط كيف يمكن فعل كثير من الأمور بطرق لا تتطلب الإكثار من السفر الجوي. وإذا استطعنا الاستفادة من السنة الماضية لغرض ما، فيجب أن يكون هذا الغرض البدء بعصر جديد من الاستخدام الأقل للطيران، ويجب أن تكون الجامعات في مقدمة ذلك الأمر".
وفي ذلك الصدد، برزت كل من جامعة نيوكاسل بوصفها من بين الجامعات الأكثر تلويثاً، إذ سجلت 34 ألفاً و551 رحلة، وجامعة كامبريدج المسؤولة عن 22 ألفاً و277 رحلة. وسجلت جامعة ساوثهامبتون 23 ألفاً و613 رحلة، وكلية لندن الجامعية سجلت نحو 21 ألفاً و138 رحلة، وجامعة بريستول 13 ألفاً و969 رحلة.
وتوجهت آلاف الرحلات إلى نيويورك، في حين شملت الوجهات الغريبة بانكوك ونيروبي وبكين، إضافة إلى كل عاصمة أوروبية تقريباً. وتضم القائمة نفسها أيضاً، رحلات جوية محلية إلى مدن تربطها السكك الحديد، وتشمل رحلات بين لندن وبريستول ومانشستر وإدنبرة.
والمهم أن الأرقام الصادمة المكتشفة من خلال طلب وفق حرية المعلومات، تأتي على الرغم من تعهد "مجموعة راسل" تكراراً بزيادة العمل في مكافحة أزمة المناخ.
ففي بيان مشترك صدر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أفادت المجموعة بأنها تلتزم إيجاد حلول للاحترار العالمي من خلال "البحوث والتعليم وممارسات أكثر استدامة". وأضافت، أن "لا إمكانية لتجنب هذه المشكلة ولا وقت للإضاعة".
ويعني ذلك أن الكشف الجديد يؤدي إلى اتهامات بالرياء.
وتعليقاً على ذلك، أفادت البارونة بينيت، "جميل أننا نرى كثيراً من اللفتات الصغيرة كالتخلي عن القوارير البلاستيكية وقصبات الشرب البلاستيكية، لكن سفرة جوية واحدة تبطل كثيراً جداً من ذلك العمل الحسن".
واستطراداً، حضت البارونة على عقد مزيد من المؤتمرات عبر الإنترنت، واللقاءات الافتراضية، والسفر بالقطارات. وأشارت أيضاً إلى إن الجامعات يجب أن تعطي الموظفين وقتاً أطول للرحلات يسمح لهم بالسفر بواسطة القطارات. في المقابل، رأت البارونة إنه يتوجب على الحكومة الاستثمار أكثر في إنشاء شبكات نقل خضراء تكون سهلة ورخيصة ومناسبة، ومتكاملة مع سائر القارة الأوروبية.
وأضافت بينيت، "يجب أن تكون جامعاتنا في صفوف المؤسسات التي تقود الطريق إلى هذا الهدف، وليس في مجال البحوث والتعليم وحده، بل في أن تكون في الواقع مثالاً يُحتَذى به. لكن، حين تتحدث الحكومة عن إعادة البناء في شكل أفضل بعد فيروس كورونا، يجب أن تسهّل الانتقال إلى سفر جوي أقل، من خلال بناء بنية تحتية للنقل تكون أكثر اخضراراً ونظافة".
وفي تطور متصل، يذكر أن المؤسسات التي لم تكشف الأرقام الكاملة للسفر الجوي، هي جامعات برمنغهام، وكارديف، وإدنبرة، وإكسيتر، وغلاسكو، وكينغز كولدج لندن، وليدز، وليفربول، ومانشستر، ونوتنغهام، وأوكسفورد، وجامعة كوينز في بلفاست.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت ثلاث جامعات هي شيفيلد ودورهام ويورك، بأنها لا تستطيع إعطاء أرقام عن أعداد الرحلات الجوية، لكنها أقرت بإنفاق نحو 12.2 مليون جنيه (16.5 مليون دولار) و6.5 مليون جنيه وأربعة ملايين جنيه على التوالي، على السفر الجوي خلال الفترة المعنية.
وكذلك لاحظت البارونة بينيت أن عدم الاحتفاظ بسجلات كهذه يشكّل سهواً فادحاً. وأضافت، أن"المؤسسة التي لا تحتسب السفر الجوي لا تعرف مدى سوء وضعها. وأعتقد بأن الصحيح هو ألا تحتفظ الجامعات بهذه الأعداد فحسب، بل وأن تنشر هذه الأرقام سنوياً".
وقد كرر طلاب مهتمون في المناخ تلك الدعوة إلى الشفافية.
إذ ذكر توم هازل، وهو طالب فلسفة وسياسة واقتصاد في جامعة أوكسفورد ورئيس مشارك لمنظمة "الشباب الخضر" يبلغ من العمر 19 سنة، أنه "عندما يواجه العالم حالة طوارئ مناخية، من الواضح أن هذا العدد الهائل من الرحلات الجوية لا يخدم تحقيق هدف الاستدامة، ولا يزال هناك كثير مما يتعين فعله في تشجيع استخدام القطارات والتكنولوجيا".
وعلى نحو مماثل، أبرز آخرون ضرورة تغيير الثقافة في ما يتعلق بالطيران في وقت تُعد فيه الجامعات بالضرورة مراكز للتعاون العالمي.
وذكر الدكتور ستيف ميليا، وهو كبير المحاضرين في مركز النقل والمجتمع في جامعة غرب إنجلترا في بريستول وعضو في منظمة "تمرد ضد الانقراض"، "أن الأوساط الأكاديمية ثقافة دولية، وشعر الناس تاريخياً بأنها تفعل الشيء الصحيح في هذا المجال، لأن الناس فيها يتبادلون الأفكار مع أناس من أنحاء العالم كله، ويوسعون نطاق البحوث. لكن إذا أردنا تجنب كارثة المناخ، فنحن بحاجة إلى تغيير ثقافي ينظر في الأثر البيئي عند اتخاذ قرارات في شأن أمور على غرار الرحلات الجوية".
وفي سياق مواز، ذكر ناطق باسم "مجموعة راسل" الجماعية أن السفر عنصر أساس في عملها.
وأضاف، "في حين أن نشاطاتنا البحثية والتعليمية تولّد حتماً تكلفة كربونية، إلا أننا ملتزمون تماماً الحد من الطيران قدر المستطاع، ونتخذ خطوات في خفض الانبعاثات المرتبطة بسفرنا المستمر".
وفي المقابل، لم يعلق الناطق على السبب الذي جعل 14 مؤسسة تبدو كأنها لا تحتفظ بسجلات حول الرحلات الجوية المسؤولة عنها.
وبطريقة مماثلة، ذكر ناطق باسم "إمبريـال كوليدج لندن" المسؤولة عن العدد الأكبر من السفرات الجوية المرتبطة بالجامعات، "تُعد "إمبريـال كوليدج" الجامعة البريطانية ذات الصفة الدولية الأكبر، ويُعَد السفر لأغراض أكاديمية أساسياً لكثير من أوجه التعاون العالمي. ويؤدي جمع الناس من مختلف الثقافات والجنسيات والمجالات إلى تنوع في وجهات النظر وأفكار جديدة ونُهُج جديدة لحل المشاكل المعقدة، التي تمتد من فيروس كورونا إلى تغير المناخ".
© The Independent