Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة مصيرية في الجزائر ضد الجراد الصحراوي

محاصيل مدمرة ومزارعون في حال من الصدمة واليأس في مناطق تعتمد بشكل رئيس على الزراعة كمصدر للرزق

يعد الجراد الصحراوي من أخطر الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي (مواقع التواصل)

ملخص

 يمكن أن يحوي الكيلومتر المربع الواحد من أسراب الجراد الصحراوي، ما يصل إلى 80 مليوناً من الجراد البالغ، ويستطيع في يوم واحد استهلاك كمية من الطعام تساوي ما يستهلكه 35 ألف شخص.

تتعرض مساحات شاسعة جنوب الجزائر إلى غزو هائل لأسراب الجراد الصحراوي تبتلع كل ما هو أخضر في طريقها، وتركت وراءها محاصيل مدمرة ومزارعين في حال من الصدمة واليأس في مناطق تعتمد بشكل رئيس على الزراعة كمصدر للرزق، مما يثير تساؤلات ملحة حول الأمن الغذائي، ويكشف هشاشة النظم البيئية أمام هذه الكوارث الطبيعية، فما تداعيات هذا الغزو، وكيف يواجه سكان الجنوب هذا التحدي المدمر؟

آفة خطرة

يعد الجراد الصحراوي من أخطر الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في عديد من البلدان، بفضل قدرته الكبيرة على التكاثر بسرعة فائقة وقطع مسافات شاسعة خلال هجرته. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة "فاو" التابعة للأمم المتحدة، فإنه يعد من أخطر الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، وتتمثل خطورته في تكاثره في ظروف بيئية ومناخية مختلفة.

ويمكن أن يحوي الكيلومتر المربع الواحد من أسراب الجراد الصحراوي ما يصل إلى 80 مليوناً من الجراد البالغ، ويستطيع في يوم واحد استهلاك كمية من الطعام تساوي ما يستهلكه 35 ألف شخص، وفق المصدر ذاته.

وتعرضت مناطق الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا وخصوصاً ليبيا، لانتشار كبير لأسراب الجراد الصحراوي، قبل أن يتنقل إلى تونس ثم الجزائر. يشكل هذا الخطر في الجزائر، تحدياً كبيراً للقطاع الزراعي، خصوصاً مع التغيرات المناخية التي ساعدت في تهيئة ظروف مناسبة لانتشاره وتكاثره. 

وظهرت طلائع أسراب الجراد الصحراوي الوافدة إلى الجزائر عبر الحدود الشرقية مع ليبيا وتونس أخيراً، وتكاثرت أعدادها في الأسابيع الموالية، وأصبحت تشكل خطراً محدقاً بالمزارعين المحليين الذين طالبوا السلطات بالتدخل لمواجهة أسراب الجراد وحماية محاصيلهم.

تحذيرات وتدابير

دفع الوضع بالمعهد الوطني لحماية النباتات في الجزائر، إلى إصدار تحذيرات من غزو الجراد الصحراوي لمناطق زراعية في ولايات الجنوب والهضاب، مشيراً إلى احتمال تنقل الجراد الصحراوي من مناطق جنوب الأطلس الصحراوي نحو ولايات الوسط والشرق والجنوب الشرقي بسبب الرياح.

وأشار المعهد إلى أن 14 محافظة مهددة بغزو الجراد الصحراوي وهي: بسكرة ورقلة والوادي وتقرت والمنيعة والمغير والجلفة والأغواط وأولاد جلال وتبسة وخنشلة وباتنة وسوق أهراس والمسيلة.

تبعاً لذلك، قررت وزارة الزراعة اتخاذ إجراءات لمكافحة الجراد خلال الاجتماع الأول للجنة المشتركة متعددة القطاعات لمكافحة الجراد، حيث خصص الاجتماع لدراسة وضع لأسراب الجراد التي ظهرت في بعض المناطق الجنوبية الحدودية للبلاد.

ووقعت الوزارة اتفاقية تعاون بين الوكالة الفضائية الجزائرية وهيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الغربية، تهدف إلى تعزيز قدرات الهيئة في مجال الرصد والاستكشاف، والوقاية ضد آفة الجراد الصحراوي، وتحديث أدوات الرصد والإنذار المبكر للجراد الصحراوي، من خلال دمج صور الأقمار الاصطناعية للوكالة الفضائية الجزائرية والبيانات الأخرى المتوافرة لتمكين الهيئة ودول الأعضاء فيها من الحصول على معلومات دقيقة ومحدثة عن الظروف البيئية التي تساعد على تكاثر مجموعات الجراد، ومن ثم القيام بمراقبة مناطق تكاثر هذه الحشرة العابرة للحدود.

إضافة إلى مرافقة الهيئة في عمليات الرصد والاستكشاف، تقوم الوكالة الفضائية الجزائرية أيضاً بتدريب الخبراء على استخدام المعلومات المتحصل عليها عبر تقنيات الأقمار الاصطناعية.

جهود حثيثة

ورغم الجهود المبذولة، يبقى التحدي قائماً، مما يستدعي الاستمرار في عمليات الرصد والمكافحة بصورة مكثفة لضمان عدم تكرار سيناريو 2004 الكارثي الذي لا يزال عالقاً في الأذهان، بعدما شهدت الجزائر غزواً كبيراً للجراد عام 2004، عندما اجتاحت أسراب ضخمة عديداً من المناطق، وصولاً إلى ولايات الهضاب العليا، مما ألحق أضراراً جسيمة بالقطاع الزراعي.

وتبرز مخاوف كبيرة من انتشار الجراد الصحراوي في المناطق الزراعية في الجنوب المعروفة بالأقطاب الإنتاجية في صحراء الجزائر على غرار محافظات وادي سوف الحدودية مع تونس، وبسكرة وتقرت والمنيعة وغرداية وأدرار.

ووفق بيانات رسمية كشف عنها رئيس البلاد عبدالمجيد تبون، فإن القطاع الزراعي يسهم بنحو 35 مليار دولار في الناتج الداخلي الإجمالي (الخام) للبلاد، ما يمثل 13 في المئة.

اقرأ المزيد

وتنسق جهود مكافحة الجراد الصحراوي في شمال أفريقيا والساحل عبر هيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الغربية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، وهي المكلفة متابعة استراتيجية المكافحة الوقائية التي يجري تطويرها في المنطقة كجزء من برنامج الوقاية المنطقة الغربية (أمبرس-RO).

وتلعب اللجنة دوراً رئيساً في توعية صناع القرار من الدول الـ10 الأعضاء في الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا ومالي وموريتانيا والمغرب والنيجر والسنغال وتشاد وتونس على ضرورة وضع استراتيجية الرقابة الوقائية المستدامة في منطقة عملها وتلغي السكان غير الأصليين من الجراد قد يأتي من مناطق أخرى مثل المنطقة الوسطى من منطقة الموائل الدائمة للجراد الصحراوي، وتفعيل التعاون الإقليمي والإدارة الفعالة المستمرة لمشكلة الجراد الصحراوي.

 

 

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" ليبيا وتونس والجزائر من التكاثر الربيعي لأسراب الجراد الموجود في غرب ليبيا ووسط الجزائر وجنوب تونس.

وقالت "فاو"، إن الأسراب ستلد مجموعات صغيرة من الجراد ابتداء من بداية أبريل (نيسان) المقبل. وقد تؤدي هذه المجموعات إلى انتشار أسراب صغيرة جديدة من مايو (أيار) إلى يونيو (حزيران) المقبل لكن ستهاجر نحو منطقة الساحل.

وبدأ انتشار الجراد الصحراوي في ديسمبر (كانون الأول) 2024 بمنطقة الساحل الأفريقي، وامتد إلى شمال القارة خلال شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) الجاري.

في المقابل، كلف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الحكومة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمكافحته بفعالية، وعقد اجتماع تحضيري في ولاية جنوبية نموذجية لوضع خطة محكمة، مع الاستفادة من خبرات المتخصصين وسكان المناطق الجنوبية، والتنسيق المحكم مع وزارة الدفاع الوطني في جميع مراحل مكافحة الجراد لمنع توغله في المناطق الداخلية.

خطة شاملة

يقول الأمين العام لوزارة الزراعة، حميد بن ساعد، إن الجزائر وضعت خطة شاملة لمكافحة الجراد، تضمنت تفعيل اللجان الوطنية والولائية، والتنسيق مع الدول المجاورة مثل ليبيا والنيجر ومالي لمراقبة تحركات الجراد ومنع تسلله إلى الأراضي الجزائرية.

وأكد بن ساعد في تصريحات للإذاعة الجزائرية الحكومية، أنه سخرت فرق ميدانية مزودة بأحدث المعدات، واعتماد المكافحة الجوية باستخدام الطائرات المروحية، وتعزيز عمليات الاستكشاف والاستجابة السريعة.

ووفقاً للمعطيات التي قدمها بن ساعد، فقد تمكنت فرق المكافحة من معالجة أكثر من 50 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المتضررة من الجراد، كما جهزت ثماني مروحيات بآلات رش متطورة لضمان التدخل السريع والفعال في المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها.

وأشار الأمين العام إلى أن اجتماعاً تنسيقياً سيعقد في ولاية ورقلة، بحضور ممثلين عن 23 ولاية جنوبية معنية بمكافحة الجراد، إضافة إلى قطاعات حكومية رئيسة مثل وزارات الدفاع الوطني والداخلية والطاقة والنقل.

وأوضح حميد بن ساعد أن التغيرات المناخية أسهمت في انتشار الجراد الصحراوي، إذ لعبت الرياح الجنوبية القوية دوراً في نقل بعض الأسراب إلى مناطق أخرى داخل الجزائر، لكنه أكد أن الوضع لا يزال تحت السيطرة بفضل التدخلات السريعة والإجراءات الاحترازية المتخذة.

وأكد أن الجزائر تمتلك خبرة واسعة في مكافحة الجراد، مشيراً إلى أن تجربتها عام 2004 شكلت نموذجاً مرجعياً، لكن الظروف الحالية تختلف نظراً إلى التغيرات البيئية والمناخية، فضلاً عن توسع الرقعة الزراعية في الجنوب الجزائري.

خبرة محلية

يقول المتخصص الزراعي لعلي بوخالفة، إن ظاهرة غزو الجراد للمناطق الجنوبية في الجزائر ليست جديدة، إنما تعود إلى عقود خلت اكتسبت معها الجزائر خبرة في التعامل مع المشكلة.

 

 

ويوضح في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إن الجراد الصحراوي يسبب خسائر كبيرة في المناطق التي يمر بها، خصوصاً المحاصيل الزراعية التي هي في مرحلة النضج حالياً في الجنوب.

ويشير إلى أن الجراد صار تهديداً حقيقياً غير متوقع للاستثمارات الزراعية في الجنوب سواء المحلية أو الاستثمارات في إطار شراكة مع الأجانب، مضيفاً أن الجزائر تملك خطة عمل جاهزة ويبقى عليها تنفيذها ميدانياً فقط.

ويضيف أن الجراد يتكاثر وينتشر بسرعة كبيرة بسبب الرياح التي تنقله إلى مناطق بعيدة في وقت قياسي، متجاوزاً بذلك الحدود بين الدول، إضافة إلى ارتفاع نسبة الرطوبة في المناطق الجنوبية بسبب تساقط الأمطار وهي ظروف مثالية لتكاثر هذه الحشرة، مشيراً إلى أنه قدم إلى الجزائر من المناطق الشرقية على غير العادة أين كان يزحف من المناطق الجنوبية.

ويرى لعلي بوخالفة أن السلطات الجزائرية فعلت جهاز اليقظة في الجنوب لمكافحة الجراد، بالتنسيق مع دول الجوار على غرار النيجر ومالي وليبيا وتونس، وإقحام كل الإمكانات المادية والبشرية، مذكراً بإمكانية الاستعانة بالطائرات التي اقتنتها الجزائر أخيراً المخصصة لإطفاء الحرائق في رش المناطق المتضررة بالمبيدات، وأيضاً استغلال طائرات الدرون ومختلف الوسائل التكنولوجية المتوافرة لرصد تحركات أسراب الجراد والقضاء عليها.

وشرعت السلطات المحلية في المحافظات المحلية بمشاركة المزارعين، في عمليات تحسيسية حول موضوع الجراد الصحراوي، بتقديم شروحات حول كيفية التعامل مع هذه الحشرة الضارة التي تهدد المحاصيل الزراعية، وإعداد خريطة طريق تتضمن معطيات شاملة بهدف ضمان مكافحة فعالة لهذه الحشرة الضارة.

في سياق متصل، بدأت المصالح الزراعية برصد الإمكانات المتاحة للتعامل مع أي طارئ بخصوص مكافحة الجراد الصحراوي على غرار توفير كميات من المبيدات الحشرية، والعتاد والوسائل الخاصة، إضافة إلى طائرة من دون طيار (درون) لاستكشاف انتشار هذه الحشرة، تحسباً لأي طوارئ، ووضع حيز الخدمة فرق متخصصة لاستكشاف بؤر أسراب الجراد الصحراوي عبر البلديات.

المزيد من بيئة