استجابت أسعار النفط لقرارات تحالف "أوبك+" الإيجابية، التي تضمنت خفضاً كبيراً للإنتاج لمواجهة استمرار انخفاض الطلب العالمي، بسبب استمرار تأثيرات وباء كورونا وظهور سلالات جديدة.
ويرى محللون ومتخصصون نفطيون، أن اجتماع "أوبك+" الأخير كان داعماً إيجابياً لتوازن أسواق النفط على المدى القصير، موضحين أنه مع استمرار غياب الطلب ستكون القرارات مؤلمة على المدى المتوسط، وقد يؤدي إلى تذبذب الأسعار، وعدم استقرار السوق النفطية مستقبلاً.
وحذّر المتخصصون من أن ارتفاع الأسعار واستقرارها فوق مستوى 50 دولاراً للبرميل، قد يهدد مستويات المعروض، لأن هذه الأسعار مناسبة ومشجعة لعودة النفط الصخري الأميركي إلى الأسواق.
في الوقت ذاته، استبعد المحللون أن تشهد أسعار النفط مزيداً من التعافي في 2021، مع تهديد السلالات الجديدة لفيروس كورونا، وفرض مزيد من القيود على السفر، مما سيعطل الطلب على الوقود، الذي بات يعاني الأزمات منذ بداية العام الماضي.
يشار إلى أن الفيروس المتحور زاد من المخاطر مع ارتفاع الوفيات إلى مستويات قياسية تدريجياً في أوروبا، في وقت بات على هذه الدول الانتظار طويلاً حتى يجري توزيع مزيد من اللقاحات المضادة للفيروس، مما سينعكس على التعافي الاقتصادي المنتظر، الذي قد يتأخر حتى العامين المقبلين.
خفض الإنتاج عزز الاستقرار
وتكللت نتائج الاجتماع بإعلان السعودية خفضاً طوعياً إضافياً لإنتاج النفط بمليون برميل يومياً خلال الشهرين المقبلين، زيادة على حصتها من خفوض مجموعة "أوبك+". وفي المقابل، وافقت المجموعة على زيادة إنتاج النفط بمقدار 75 ألف برميل يومياً في فبراير (شباط) المقبل، ومثلها في مارس (آذار)، بما يقلص خفوض الإنتاج بهذا المقدار.
وفي هذا الصدد، أشار بنك "غولدمان ساكس" إلى أن قرار السعودية خفض إنتاجها ربما عكس التوقعات حول ضبابية ضعف الطلب في جميع أنحاء العالم.
وسيسمح اتفاق "أوبك+" لروسيا بزيادة إنتاجها 65 ألف برميل يومياً، ولكازاخستان 10 آلاف برميل يومياً في فبراير ومثلها في مارس.
وقررت المجموعة أنها ستعقد الاجتماع المقبل للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لاتفاق إنتاج النفط في الثالث من فبراير، والاجتماع الموسع في الرابع من مارس المقبل.
مفاجأة السعودية
وعلق المتخصص في الشؤون النفطية، محمد الشطي، على القرار السعودي بقوله إن الرياض "فاجأت السوق بمبادرة إيجابية غير مسبوقة بشكل طوعي". موضحاً أنه بالإمكان معها قياس استجابة السوق لهذه المبادرة الطوعية من خلال قفزة أسعار نفط "برنت" إلى مستوى قريب من 54 دولاراً للبرميل.
وأضاف، "هذا يعتبر تطوراً ومستجداً إيجابياً يبعث التفاؤل في أسواق النفط، لأنه يؤكد جانب تقييد المعروض خلال الشهرين المقبلين، ويغطي على زيادة إنتاج ليبيا، خصوصاً أنه يتزامن مع الإعلان عن لقاح كورونا، الذي من المأمول أن يكون له تأثيرات إيجابية في معدل الطلب العالمي للنفط، لا سيما في النصف الثاني من 2020، وبالتالي فالتوقعات على أن يساعد هذا في سحوبات متواصلة في المخزون النفطي، تسهم في توازن السوق وتدعم أسعار النفط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الشطي إلى أن إعلان السعودية الخفض الطوعي الإضافي لإنتاج النفط بمقدار مليون برميل يومياً خلال فبراير ومارس المقبلين، جاء برد فعل إيجابي وسريع على السوق، يعكس أهمية دور السعودية وثقلها في سوق النفط العالمي، وتأثيرها في مسار الأسعار بشكل واضح.
وتابع، "خلال الاجتماع جرى الاتفاق بين الدول المشاركة على زيادة إنتاج النفط بمقدار 75 ألف برميل يومياً في فبراير المقبل، و75 ألف برميل أخرى في مارس فقط لروسيا وكازاخستان، والاتفاق في مجمله يعتبر إيجابياً في ظل ضعف الطلب خلال الأشهر المقبلة مع دخول ما يقرب من ثلاثة ملايين برميل يومياً من طاقة التكرير في برامج الصيانة، وكذلك ضعف هوامش عمليات المصافي في آسيا وأوروبا، ولذلك فإن الخفض الطوعي من السعودية واستمرار تقييد المعروض، يصبان في مصلحة دعم أسواق وأسعار النفط".
خيار عدم التعاون
وأكد الشطي أن خيار عدم التعاون "غير مطروح". قائلاً، "عندما تستذكر ما حدث في اجتماع مارس 2020 وما تابعه من انهيار الأسعار، نجد أن التحالف والتعاون مستمران لضمان توازن الأسواق، مما يصب في مصلحة الجميع، الاقتصاد والسوق والمنتجين والاستثمار والمستهلكين، وفي النهاية يدعم أسعار النفط".
خطوة موفقة ولكن
من جهته، يرى المحلل النفطي، كامل الحرمي، أن قرارات "أوبك+" الأخيرة خطوة موفقة على المدى القصير، لكن تبقى مؤلمة على المدى المتوسط، إذ تؤدي إلى "تذبذب الأسعار وعدم استقرار السوق النفطية مستقبلاً".
وقال الحرمي، "ارتفاع الأسعار إلى 54 دولاراً يعتبر جيداً لبعض المنتجين من داخل التحالف، لكن يعد مستوى مناسباً يعيد مرة أخرى النفط الصخري إلى الواجهة، باعتباره سعراً جيداً ومشجعاً للمنافسين من منتجي النفط الصخري الأميركي".
وأشار إلى أن الاتفاق يبقى مرهوناً بمدى الالتزام الكبير من جميع أعضاء التحالف، إلى جانب استمرار التواصل والتنسيق للتأكد من مدى هذا الالتزام، خصوصاً أن ارتفاع الأسعار قد يغري البعض إلى زيادة الإنتاج، علاوة على التوافق المستمر على آلية التعويض وتفعيلها بشكل متواصل.
ووصف الحرمي الخفوض الطوعية من جانب السعودية بأنها "تحرك جريء ومفاجئ"، لا سيما أنها تتزامن مع تجاوز الطلب العالمي التوقعات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. مؤكداً أن هذا الإجراء يعزز دورها في قيادة صناعة النفط العالمية. لكنه تساءل، "لماذا تضحى الرياض وحدها؟".
تفاعل إيجابي للأسعار
وقادت نتائج اجتماع "أوبك+" إلى ارتفاع الأسعار لأعلى مستوى منذ فبراير 2020، وصعدت عقود خام برنت القياسي العالمي 60 سنتاً، أو 1.12 في المئة، لتصل إلى 54.20 دولاراً للبرميل، بحلول الساعة 17:57 بتوقيت غرينتش، بعد أن سجلت أعلى مستوى لها في إغلاق أمس عند 53.90 دولار.
وارتفعت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط 32 سنتاً أو 0.86 في المئة، لترتفع إلى 50.30 دولار للبرميل.
نتائج موفقة
من جانبه، قال المتخصص في النفط والطاقة، محمد القباني، إن اجتماع "أوبك+" خرج بنتائج موفقة، ويمكن اعتبارها تاريخية، ومن أهمها خفض الإنتاج بما يصل إلى 1.4 مليون برميل يومياً، من ضمنها مليون برميل كخفض طوعي من السعودية في فبراير ومارس المقبلين، الذي سيحول على الأرجح من دون حدوث تخمة في المعروض، بعد أن كان مقرراً رفعه إلى 500 ألف برميل يومياً.
وأضاف أن أهمية هذا القرار تكمن في خفض المخزونات النفطية لدى الدول المستهلكة، ما يُسهم باستقرار الأسعار على المديين القصير والمتوسط الأجل.
وأشار القباني إلى أن السعودية تثبت يوماً بعد يوم دورها القيادي في المنظمة، والأساسي في استقرار أسواق الطاقة في العالم. معرباً عن أمله بأن يكون خفضها الطوعي مشجعاً للدول الأخرى الأعضاء للامتثال بالنسب المحددة، ما سيُسهم في ارتفاع الأسعار ووصولها إلى المستويات العادلة لهذه الصناعة.
زيادة إنتاج "أوبك" للشهر السادس
وأظهر مسح حديث زيادة إنتاج "أوبك" من النفط للشهر السادس على التوالي في ديسمبر، مدعوماً باستمرار تعافي الإنتاج الليبي، وزيادات أقل في دول أخرى بالمنظمة.
وبحسب نتائج المسح الذي أجرته "رويترز"، فإن منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" والمؤلفة من 13 عضواً، ضخت نحو 25.59 مليون برميل يومياً في ديسمبر الماضي، بزيادة 280 ألف برميل يومياً عن نوفمبر (تشرين الثاني)، ليواصل الإنتاج ارتفاعه بعد تسجيل أدنى مستوى خلال ثلاثة عقود في يونيو (حزيران) 2020.
وفي ديسمبر جاءت أكبر زيادة للمعروض من ليبيا، عضو "أوبك" المستثنى من خفوض "أوبك+"، وكان معظم الإنتاج الليبي متوقفاً شهوراً، بسبب عدم الاستقرار هناك، بينما أبقت السعودية المعروض النفطي مستقراً في الشهر الماضي عند أقل من 9 ملايين برميل يومياً.
انخفاض المخزونات
وجاء الانخفاض الكبير في المخزونات الأميركية ليدعم مسار ارتفاع الأسعار وتوازن أسواق النفط.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، الأربعاء، انخفضت مخزونات النفط في الولايات المتحدة نحو 8 ملايين برميل إلى 485.5 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في الأول من يناير (كانون الثاني)، في مقابل توقعات بهبوطها 2.8 مليون برميل فقط.
وتعتبر هذه البيانات أعلى من نظيرتها التي أعلنها معهد البترول الأميركي أمس، والتي أظهرت تراجعاً في مخزونات النفط قدره 1.66 مليون برميل في الأسبوع الماضي.