قبل نهاية عام 2020، أعلنت الشرطة الإيطالية ضبط حوالى 15 طناً من مخدر الأمفيتامين (الكبتاغون). وبحسب وكالة "نوفا" الإيطالية تبيّن بعد البحث أن "حزب الله" اللبناني وراءها، وقد ثمنّت نيابة نابولي قيمتها بنحو مليار دولار.
ومع بداية العام الجديد، أوقفت السلطات المصرية 8 ملايين قرص "كبتاغون" في حاوية شحن بميناء بور سعيد، مهربة من لبنان ومتجهة إلى مرفأ الخُمس الليبي.
وبالطبع، فإن العمليات التي تكتشف قبل أن تصل إلى هدفها هي غيض من فيض عمليات التهريب التي تصل إلى خواتيمها، وهذا يدلّ على أن هذه التجارة تدرّ أموالاً طائلة على أصحابها، وهم في أغلبهم يتوزعون بين لبنان وسوريا، بحسب ما دلت تحقيقات كثيرة تم توقيف أشخاص كثر بعدها.
وهذه الكميات الضخمة المصنعة والمتاجر بها، تدل على وجود مصانع كثيرة تنتج هذه المواد، وأن هناك شبكة كبيرة من المستفيدين من المصنعين والتجار والممولين وحماة هذه التجارة، وكذلك المتعاطين.
ما الذي يجعل من "الكبتاغون" محل تجارة واسعة في الشرق الأوسط وأوروبا وتحديداً في شرقها؟ وما هي هذه المادة المصنّفة كمخدرات، وما هو تأثيرها على متعاطيها، ومن هو المستفيد الأكبر من تجارتها؟
تاريخ مختصر
الكبتاغون هو الاسم التجاري لدواء ذي تأثير نفسي أنتجته الشركة الألمانية Degussa Pharma Gruppe عام 1961، وتمّ بيعه على شكل أقراص بيضاء اللون عليها شعار مميّز يشتمل على نصفي قمر.
لكن مادة الأمفيتامين نفسها، بدأ تصنيعها منذ العام 1887 في ألمانيا، بهدف مكافحة الجوع، لأنها تفقد متعاطيها شهية طعام. ثم استخدمت خلال عشرينيات القرن الماضي في علاج الصرع والانفصام والإدمان على المسكرات والصداع النصفي.
وخلال الحرب العالمية الثانية، استخدم الجنود اليابانيون والألمان مادة الأمفيتامين ليبقوا متيقظين ومن دون طعام لأيام عدة.
انتشر استخدام الكبتاغون خلال ستينيات القرن الماضي إبان حرب فيتنام أو في فترة ما سمي "ثورة الطلاب" و"الهيبيز" و"الفوضويون"، وهي الفترة التي انتشرت فيها أنواع كثيرة من المخدرات المنشطة والمهلوسة.
وبسبب النشاط الفائض الذي تسببه هذه المادة، تم استخدامها في مجال الرياضة باعتبارها مادة تعزز الأداء. وعلى سبيل المثال، تم ربط الكبتاغون في فرنسا بحالة تعاطي منشطات لركوب الدراجات عام 1987، وتم الإبلاغ أيضاً عن استخدامه في الرياضات الأخرى، بما في ذلك كرة القدم الاحترافية خلال التسعينيات، ويقال إنه كان شائع الاستخدام في لعبة كرة الركبي الفرنسية خلال الثمانينيات والتسعينيات.
تأثيرات إدمانية
يوصف هذا الدواء بشكل رئيس علاجاً لاضطراب نقص الانتباه، ومنشطاً للجهاز العصبي المركزي. وتحوي أقراص الكبتاغون مادتي الفينيتيلين والأمفيتامين المنشطة، التي ترفع اليقظة وتزيد التركيز والأداء البدني، وتوفر الشعور بالراحة.
متعاطو الكبتاغون يتوافقون جميعاً على أنهم "يشعرون بأنهم يملكون العالم"، وبقوة لا أحد يملكها، وبعدم الخوف وبالتالي الإقدام والجرأة على فعل أمور لا يفعلها المتعاطي في العادة. ويبقيهم مستيقظين فترات طويلة من الزمن مع انعدام الرغبة في الأكل.
ويجعل الكبتاغون متعاطيه يشعر بالحيوية والسعادة، ولهذا السبب يطلق عليه اسم "الشجاعة الكيميائية".
إذاً لماذا يعتبر مخدراً ممنوعاً من التداول؟ لأنه في المقابل يجعل متعاطيه مدمناً للغاية، وفي حال توقف عن تعاطيه يدخل في دورة عميقة من الحرمان من النوم والاكتئاب والحزن والشعور بالرغبة في الانتحار، عدا عن اضطرابات جسدية كتسمم القلب والأوعية الدموية، وسوء التغذية وترقق العظام وخسارة الأسنان، وأوجاع الشقيقة الدائمة.
ولهذا فإن المتعاطي لا يكتفي بكمية معينة من الحبوب يومياً، بل مع زيادة مدة التعاطي يطلب كمية أكبر كي توصله إلى الشعور السابق بالنشوة، وفي نهاية الأمر يسقط في فخ الإدمان الذي لا خروج منه إلا بعلاج متخصص داخل مستشفى، ولهذا أدرجته الولايات المتحدة الأميركية عام 1981 ومنظمة الصحة العالمية عام 1986 كمادة خاضعة للرقابة، مما يجعلها غير قانونية للشراء أو البيع في معظم البلدان.
الشرق الأوسط
كان الكبتاغون من المواد المخدرة لطلاب الستينيات ولرياضيي أوروبا في ما بعد، ولكن في منطقة الشرق الأوسط الأمر يختلف قليلاً، إذ تقول الدراسات إن تعاطيه منتشر بشكل واسع جداً بين الشباب، من جهة، وبين حاملي السلاح من التنظيمات الأصولية مثل "داعش" و"حزب الله"، وكل المقاتلين على جميع الجبهات في البلاد التي تدور فيها الحروب. وهو وصل حتى إلى البلاد التي لا تدور فيها المعارك المسلحة، حيث تعمل الحكومات بكل جهد على ضبط عمليات التهريب إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب إحصاءات شعبة مكافحة المخدرات اللبنانية، فقد تم ضبط نحو 12 مليون حبة كبتاغون عام 2013. وفي السنة التالية، صودرت 5 ملايين حبة معدة للتصدير عبر مرفأ بيروت، في حين جرى ضبط نحو 6 ملايين حبة في منطقة البقاع كانت متوجهة كلها إلى منطقة الخليج.
من هو المصنّع والمتاجر؟ مسؤول الخزانة الأميركي السابق ماثيو ليفيت، قال إن "لحزب الله تاريخاً طويلاً من الخبرة في تجارة المخدرات للمساعدة في التمويل، وحبوب كبتاغون تتيح هوامش أرباح عالية، وهي فرصة تجارية أخرى بالنسبة لهم".
رد "حزب الله"
ولطالما التزم "حزب الله" الصمت حيال الاتهامات التي توجّه إليه في ما يخص عمليات ضبط مخدرات حول العالم أو في الداخل اللبناني. ففي كل هذه الحالات، لم يصدر أي تعليق أو رفض لمثل هذه الاتهامات حتى نهار الجمعة في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2021، عندما جاء الرد من أعلى مرتبة في هرم الحزب، أي من أمينه العام حسن نصر الله، ربما لأن الاتهام هذه المرة، يتناول كمية هائلة من حبوب الكبتاغون، أي 15 طناً قُدر ثمنها بمليار دولار، والشكوى صادرة عن الشرطة الإيطالية وبمعنى آخر الاتحاد الأوروبي، لذا اقتضى الرد من الأمين العام، الذي جاء فيه أن "مسألة المخدرات في حزب الله هي مسألة شرعية، ويحرم شرعاً بشكل قاطع التعاطي والإتجار بها أو صناعتها أو المساعدة في ذلك". ولفت إلى أن "المكتب التنظيمي في الحزب يفصل أي شاب إذا تبين أنه يتعاطى المخدرات أو يروج لها بأي شكل من الأشكال"، مشدداً على أن "حزب الله لا يستخدم المخدرات حتى في ساحات العدو وذلك انطلاقاً من خلفية شرعية". وتابع "يجب أن نجد حلاً لوسائل الإعلام التي تتناول هذا الموضوع، خصوصاً تلك اللبنانية"، وأضاف "هذه المساهمة اللبنانية بهذه القضية الكاذبة والملفقة ضد الحزب أمر لا يحسن السكوت عنه بأي شكل من الأشكال، لأنها تظهرنا على أننا مجرمون وقاتلون ونحن لا نقبل بأن يتهمنا أحد بهذه الطريقة".
"حزب الله" وتجارة المخدرات
ولكن لا يمكن نفي الأمر بشكل قاطع، إذ إن عمليات توقيف كثير تمت في لبنان طالت أشخاصاً من عناصر الحزب وأقرباء أو مقربين من قياديين فيه، كما حصل مع شقيق نائب عن "حزب الله" في البقاع، الذي أنشأ مصنعين لإنتاج هذه الحبوب، واحد في منطقة بعلبك داخل حوزة دينية، وآخر في منطقة "التيرو" في الشويفات جنوب العاصمة بيروت، وصلت قدرته الإنتاجية إلى 100 ألف حبة يومياً.
وكانت وسائل الإعلام ضجت بهذا الخبر خلال العام 2012، بعد توقيف عدد من المتعاملين معه، فيما بقي هو متوارياً عن الأنظار، قبل أن تتلاشى هذه القضية من دون أن تصل إلى نتيجة واضحة قضائياً.
ولطالما أصدر مكتب مكافحة المخدرات اللبناني بلاغات خلال سنوات تفيد بتوقيف مهربين في مناطق بجنوب لبنان والبقاع، حيث سيطرة "حزب الله".
وعلى سبيل المثال، في 12 يوليو (تموز) 2015، أوقفت شاحنة في مدينة النبطية الجنوبية كانت متجهة إلى البقاع، وبداخلها شخصان، وضبط على متنها كمية كبيرة من المواد الأولية التي تدخل في باب تصنيع مواد مخدرة بينها حبوب كبتاغون، وبلغت 325 برميلاً زنتها حوالى 17 طناً، تصنع منها ملايين الحبوب المخدرة.
وفي العام 2014 تمت مصادرة قرابة 5.5 ملايين حبة كانت مخبأة داخل سخانات مياه في طريقها إلى دبي. وهذه السخانات صنعت في سوريا. وفي 21 أغسطس (آب) من العام نفسه، تم إيقاف ست شاحنات سورية في طريقها إلى السعودية من لبنان، قبل عبور الحدود، وقد زودت حاوياتها بدرج مصمم بذكاء، خبئت فيها 6 ملايين حبة.
ووفق مكتب مكافحة المخدرات اللبناني، فإن تهريب أكثر من 5 ملايين حبة، بين مرة وثلاث مرات، تساعد المهربين في الحصول على حوالى 300 مليون دولار. وهذا يعني أن هذه العمليات هي مصدر مالي كبير للمهربين والمصنعين، وفي الحال اللبنانية غالباً ما تقع التهمة على "حزب الله"، وذلك بحسب تقارير كثيرة باتت منشورة في كل مكان على شبكة الإنترنت، وصادرة عن جهات مختصة ومتابعة، تؤكد أن الحزب يؤمن جزءاً كبيراً من ماليته من عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.
حرب من نوع جديد
ولا ينفي مسؤولو "حزب الله" تعاونهم مع شبكات تهريب المخدرات، لكنهم يحاولون حرف الهدف من وراء هذا التعاون، فيؤكدون أنه من باب الإضرار بالعدو وإفقاد شبابه قدراتهم. وهناك فتاوى شرعية عدة في هذا الشأن.
وليس أدلّ على ذلك سوى القصة التي يروج لها إعلام الحزب ومناصروه، بأن مسؤولاً فيه بنى علاقات مع جنود إسرائيليين من باب تجارة المخدرات، فكان يرمي لهم من خلف السياج الشائك على الحدود بين الدولتين المواد المخدرة، ويرمون له في المقابل رزم المال. وأنه كان يقوم بواجبه وفق فتوى شرعية.
وقد استطاع الحزب الحصول على معلومات أمنية ورصد وتحديد الثغرات الأمنية التي كانت تبرز مع تعطيل الاتصالات والأنوار خلال دقائق فترة "التهريبة".
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية ومنذ العام 2008، عجّت بالأخبار التي تفيد بأن الحزب أنشأ شبكات لتهريب المخدرات بين لبنان وإسرائيل، متعاوناً مع تجار إسرائيليين عرب، وبعض الضباط في الجيش الإسرائيلي.
لكن هذه الحرب سيف ذو حدين، إذ يقول مقاتلون عائدون من سوريا إن عناصر الحزب هناك يتعاطون هذا النوع من المخدرات المنشطة خلال الأعمال الحربية. ولم يعد خافياً على أحد مدى انتشارها بين الشباب في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي بعض مناطق جنوب لبنان والبقاع، بسبب سهولة الحصول عليها وثمنها الزهيد جداً، مقارنة بغيرها من أنواع المخدرات. وتحول تناول هذه المنشطات إلى آفة اجتماعية تنبّه إليها الحزب مؤخراً، فأنشأ مؤسسة خاصة لعلاج المدمنين.