ملخص
كيف تنظر هذه الأحزاب إلى تطورات الأحداث الأخيرة التي أفضت إلى سيطرة الجيش واستعادته كثيراً من المناطق التي فقدها خلال الحرب كالعاصمة الخرطوم، بخاصة من ناحية تأثيرها في الواقع السياسي المقبل، ومستقبلها كأحزاب داعمة للحكم المدني؟
ظلت مواقف الأحزاب السودانية متباينة حول الحرب الدائرة منذ قرابة عامين بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، وهو ما تسبب في زيادة حدة تمزقها وتوسيع مداه، بخاصة بعد إعلان تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يقودها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
لكن كيف تنظر هذه الأحزاب إلى تطورات الأحداث الأخيرة التي أفضت إلى سيطرة الجيش واستعادته كثيراً من المناطق التي فقدها خلال الحرب كالعاصمة الخرطوم، بخاصة من ناحية تأثيرها في الواقع السياسي المقبل ومستقبلها كأحزاب داعمة للحكم المدني؟
غياب الإرادة
يوضح عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة القومي عوض جبر الدار، أنه "على رغم الضعف الذي يعتري الأحزاب السودانية خلال هذه الحرب فإنها قدمت كثيراً من المبادرات من أجل وقف الحرب وتحقيق السلام، فضلاً عن المساعدات الإنسانية لمستحقيها من النازحين واللاجئين، وذلك عبر مناشدات عدة أطلقتها بصورة مجتمعة أو منفردة، لكنها لم تحقق نجاحاً يذكر لغياب الإرادة السياسية وضعف العمل الشعبي المدني، على رغم ذلك تعد الخطوة مهمة لتشكيل جدار وطني للحد من الأخطار الأمنية والسياسية عبر تبني مقاربات تعيد إنعاش المشهد السياسي، وتؤكد الإحساس بعمق الأزمة وطريقة إنتاج الحلول وفق رؤية كلية للأحداث".
ويواصل "آخر تلك المبادرات الوطنية هي تلك المبادرة التي أطلقها حزب الأمة القومي عبر ما يعرف بمشروع الخلاص الوطني الذي تمت إجازته من أجهزة الحزب في يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو عبارة عن مبادئ وأسس الدولة الجديدة والنظام السياسي، وهندسة جديدة لبناء المستقبل الوطني انطلاقاً من الدروس المستفادة، ومعالجة تداعيات الحرب، والتوافق حول القضايا المصيرية ومنها وحدة السودان شعباً وأرضاً، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية قائمة على الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، وأن تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات، وإقرار استراتيجية قومية للسلام العادل والشامل".
وأضاف جبر الدار "في ما يتعلق بسيطرة الجيش على الخرطوم أخيراً، فكل الدلائل تشير إلى أن ما حدث هو تنفيذ لـ(اتفاق جدة) الذي نص في بعض بنوده على خروج (الدعم السريع) من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، وعلى رغم نفي طرفي الحرب هذا الاتفاق، فإنه إذا نظرنا لما تم في مجريات الحرب والخروج الآمن لقوات (الدعم) من دون أن تتعرض لهجوم أو ضرب بالطيران أثناء انسحابها من الخرطوم يؤكد أن هناك اتفاقاً ما تم".
ونوه بأن "الأحزاب السياسية الآن بعيدة من المسرح العسكري، فليس لها بندقية تقاتل بها، لأن بندقيتها هي التعبئة الشعبية مع الضغط السياسي وتعرية داعمي الحرب والدعوة إلى وقف القتال عبر التفاوض ما أمكن، وهو الأفضل والأسلم والأصلح للحفاظ على ما تبقى من اللحمة الوطنية ووحدة البلاد وتماسكها الاجتماعي".
وأردف "الشعب السوداني وقواه السياسية الآن يتطلعان إلى وقف الحرب وتحقيق السلام، الذي تتوقف استدامته على شكل الاتفاق الذي تم، والجدية في تنفيذه من جانب طرفي الحرب، والضمانات الداعمة له من المجتمع الدولي والإقليمي وما يمارسه من ضغوط على القوتين المتحاربتين، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة إشراك القوى السياسية والمجتمعية عبر الجبهة المدنية لإنهاء الحرب وتحقيق السلام، حتى تتكامل الجهود السياسية والعسكرية والداعمين الدوليين لوقف المعاناة".
ثلاثة سيناريوهات
يعتقد عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة القومي أن الحسم العسكري غير ممكن لإنهاء هذه الحرب، قائلاً "من الصعب لأي طرف من طرفي الحرب أن يحقق نصراً عسكرياً حاسماً على الآخر ويفرض أجندته، فإذا كان ذلك ممكناً ما دامت الحرب قرابة العامين، لذلك نجد في تصورنا أن الحرب مهما طال أمدها لا بد من أن تنتهي عبر ثلاثة سيناريوهات، هي أولاً الانتصار الكامل لأحد طرفي الحرب وفرض شروطه، والثاني تدخل قوى ثالثة أكبر توقف الحرب وتفرض أجندتها، والثالث وقف الحرب عبر التفاوض المباشر".
وزاد "هناك عوامل عديدة تجعل احتمالات انتهاء الحرب عبر السيناريو الأول أو الثاني ضعيفة، ويبقى الخيار الثالث الأكثر احتمالاً والأفضل لإنهاء الحرب، وهو ممكن بمزيد من الضغط السياسي الذي تقوده قوة زخم التعبئة الشعبية الرافضة للحرب، إلى جانب استخدام الأسرة الدولية الإقليمية أدواتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بالضغط على طرفي النزاع وكسر النظام اللوجيستي لهما لإنهاك قدراتهما القتالية، ومن ثم الإدراك من قبل طرفي القتال بأن كلفة الاستمرار في الحرب أعلى من عوائدها".
وأكد جبر الدار أن عملية استعادة الحكم المدني هدف من أهداف كل القوى السياسية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي عبر حكومة مدنية ديمقراطية منتخبة قائمة على الفصل بين السلطات وسيادة القانون والمحافظة على حقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية، لكن هذا الهدف بعد قيام الحرب أصبح بعيد المنال في ظل السيولة الأمنية التي صاحبت الحرب والانفلات الأمني ونذر الحرب الأهلية التي باتت تلوح في الأفق، لذلك لا بد من وجود قوة عسكرية وأمنية وطنية تفرض هيبة الدولة وتعيد الأمن والاستقرار في البلاد، وهذه القوة العسكرية والأمنية لم تتوفر لدى القوى المدنية التي أصبح الآن عامل الثقة بينها والقوى العسكرية والأمنية مفقوداً، على رغم المجهودات التي يقوم بها المجتمع الدولي والإقليمي بخاصة الولايات المتحدة التي تدعو إلى وقف القتال وتكوين حكومة.
واستطرد "لكن المؤكد أن وقف الحرب وحده لن يحقق السلام، فمن دون سلام مستدام لا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي مدني وبناء مستقبل وطني يجمع أهل السودان في دولة حديثة وموحدة مبنية على اتفاق يحقق العدالة والمساواة والهوية الجامعة بمعايير متفق عليها بين السودانيين".
وأشار إلى أن "الأحزاب السياسية بعدما تضع الحرب أوزارها ستدخل مرحلة اختبار صعب يتمثل في التحديات التي تواجهها، بخاصة من الشعب وكيفية إعادة ثقتها فيه، فضلاً عن التحديات الكبيرة التي أفرزتها الحرب والمتمثلة في خطاب الكراهية، وللخروج من هذه التحديات لا بد من أن تؤدي هذه الأحزاب دوراً أساساً في التعبئة السياسية من خلال رفع الصوت الشعبي الواسع الرافض للحرب وتبعاتها، ورتق النسيج الاجتماعي والانصهار القومي، وهو ما يشكل عنصراً أساساً في نزع مشروعية الحرب وإنهائها ودرء آثارها المدمرة، لما للسمات السودانية الأصيلة من وقع مؤثر في وجدان ضباط وضباط صف وجنود طرفي الحرب".
وشدد عضو لجنة السياسات على أن "إجماع القوى الوطنية المحبة للسلام والساعية إلى تحقيق تحول ديمقراطي مدني مستدام هو الطريق الأكثر أمناً للخروج من معضلة دائرة الحرب وإفرازاتها، فعلى الأحزاب أن تنزل إلى قواعدها وتبني هياكلها التنظيمية وبرامجها السياسية وتعتمد مسألة الشفافية المالية وتمارس دورها الشعبي والوطني والسياسي في رتق النسيج الاجتماعي والاندماج والانصهار القومي لاستدامة السلام وإزالة رواسب الحرب المدمرة".
تباين مواقف
من جهتها أفادت عضو الهيئة القيادية في الحزب الاتحادي الديمقراطي شذى عثمان الشريف بأن "مواقف الأحزاب السياسية السودانية ليست واحدة خلال الحرب الجارية، فهناك أحزاب توالي ميليشيات (الدعم السريع)، وأخرى تقف إلى جانب الجيش في هذه المعركة، وهي أحزاب داعمة لموقف الأخير وقدمت كل ما في وسعها من أجل انتصاره عسكرياً، وثالثة اختارت الحياد، لذا فإن كل مجموعة تعبر عن شكل من أشكال التطورات الميدانية بما يتوافق مع رؤيتها وموقفها".
وتابعت "كما لكل من هذه الأحزاب رؤيته الخاصة حيال ما يجري في المشهد السوداني، هناك من يرى أن الحل في التفاوض، وآخر يؤكد أن السلام والاستقرار في الحسم العسكري، وهذه هي رؤية الأحزاب التي دعمت الجيش منذ بداية الحرب ووجهت قواعدها بالانتظام في معسكرات الاستنفار، فالرؤية كما أشرت مختلفة حول تحقيق السلام والاستقرار بحسب موقف أي حزب أو مجموعة من الأحزاب، لكن في النهاية يبقى رأي معظم الأحزاب الوطنية بضرورة هزيمة هذه الميليشيات عسكرياً والقضاء عليها إلى الأبد".
واستطردت "بالنسبة إلينا كأحزاب تؤيد معركة الكرامة التي يقودها الجيش للخلاص من هذه القوات المتمردة، ما زلنا نثق في حسم الأخير هذه الحرب، وهو ما يتحقق عملياً اليوم من خلال انتصاراته المتلاحقة، التي كان آخرها تحرير الخرطوم من هذه الميليشيات، ونحن الآن في نهاية المعركة وتحقيق الانتصار الكامل واستعادة كل المدن السودانية".
ولفتت إلى أن "العملية السياسية بالنسبة إلينا قائمة اليوم من خلال تأييد الجيش، وهذا موقف وطني وسياسي، وستكون هذه العملية من خلال مشروع الحوار السوداني - السوداني"، مؤكدة أن استعادة الحكم المدني ممكنة من خلال التوافق على تشكيل الحكومة القادمة، وعلى موعد الانتخابات.
ومضت عضو الهيئة القيادية في الحزب الاتحادي الديمقراطي في القول "تحتاج الأحزاب إلى عمل كبير في تنظيماتها، والرجوع إلى قواعدها، وترتيب صفوفها حتى تواكب المرحلة الراهنة والقادمة، وعليها أن تعمل لمواجهة التحديات التي تعترضها من طريق البناء التنظيمي، وذلك باحترام اللوائح الحزبية والعمل المؤسسي والبرامج الواضحة والهادفة التي تهم المواطن وتلامس همومه، فضلاً عن ضرورة العمل على إعادة ثقة المواطنين فيها، وهذا لا يأتي إلا بالعمل والعزيمة والعودة إلى قواعدها وسماع رأيها في الفترة المقبلة".