تتمتع الكاتبة الكندية مارغريت آتودد بمكانة كبيرة في عالم الإبداع الأدبي، ولها رصيد كبير من الكتب، منها 19 رواية أقدمها "المرأة الصالحة للأكل"، و20 مجموعة شعرية صدر أولها العام 1961 وأحدثها 2020، إضافة إلى 10 مجموعات قصصية، و11 كتاباً تنتمي إلى عالم الأدب غير الخيالي، وروايتين مصورتين، وسيناريوهات عدة لمسلسلات تلفزيونية، وسبعة كتب للأطفال، إضافة إلى كونها ناقدة أكاديمية وناشطة في المجال النسوي، حصدت أكثر من 26 جائزة وعشرات الشهادات الفخرية والأوسمة، ومرشحة دائمة للحصول على جائزة نوبل للآداب.
وعرف عدد من أعمالها الروائية الترجمة إلى العربية، بينها ثلاث روايات من ترجمة المصرية سحر توفيق "المذنبة"، و"العشب يغني"، "كريك أوريكوس"، والمصري مصطفى عز "العرّافة"، والمصرية عزة مازن "القاتل الأعمى" و"مفاوضات مع الموتى"، وعمرو خيري "البينلوبية" وعبدالحميد فهمي "عين القطة"، وترجمت إيمان أسعد في العام 2019 رواية "السفاح الأعمى"، الحائزة على المان بوكر لعام 2000، وهي الترجمة العربية الثانية لها بعد ترجمة عزة مازن.
ترجمتان لعمل واحد
ومن روايات آتودد التي حظيت بترجمتين للعربية والتي كتبتها العام 1985، وحملت عنوانين شبه مختلفين، الأولى للمترجم عبدالحميد فهمي الجمال عن المركز القومي للترجمة عام 2006، وعنوانها "قصة الخادمة"، والثانية بتوقيع المترجم السعودي أحمد العلي عام 2019 "روايات- الشارقة" تحت عنوان "حكاية الجارية". نالت هذه الرواية اهتماماً كبيراً في الغرب، وتم إعداد فيلم عنها العام 1990 من بطولة البريطانية ناتاشا ريتشاردسون، والأميركية فاي دوناوي والأميركي أيدان كوين، وعاودت الظهور بشكل لافت مع صعود اليمين المتطرف في عدد من البلدان الغربية، بخاصة مع تولي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني عُرض الموسم الأول منه في العام 2017، والموسم الثاني في 2018، من بطولة إليزابيث موس، وجوزيف فاينس، وإيفون ستراهوفسكي. وهو الأمر الذي دفع آتودد إلى كتابة جزء ثان من هذه الرواية بعنوان، "الوصايا" لتحصل عن هذا العمل على جائزة المان بوكر 2019.
الدوستوبيا الراهنة
وتنتمي "حكاية خادمة" إلى روايات "الدوستوبيا"، مثل "1984" لجورج أورويل، وتتطرق إلى الأنظمة الشمولية القمعية، وعنها حصلت آتودد على جائزة "آرثر سي كلارك" عام 1987، ولم تقبل وقتها تصنيف صحيفة "الغارديان" عملها بأنه خيال علمي، مشيرة إلى أن الخيال العلمي يتناول مواضيع يصعب على الإنسان أن يقوم بها أو يصعب حدوثها في الزمن الذي يعيشه، أما روايتها فهي من الأدب التأملي الذي يرصد أحداثاً من الممكن حدوثها بما يمتلكه الإنسان الحالي من وسائل.
تدور أحداث الرواية في أميركا بعد أن سيطر عليها نظام يميني متطرف عقب حرب أهلية ثانية، وفي هذه الدولة الجديدة الكل يخضع لمراقبة شديدة تلغى فيها الديمقراطية، وتتحول النسوة القادرات على الإنجاب إلى جواري مهمتهن الوحيدة هي الإنجاب، يخرجن من البيوت مرة يومياً لجلب الطلبات، لهن زي محدد، ممنوعات من تكوين أية صداقات، ولا يحق لهن القراءة أو الكتابة أو تملك أي مال، أما النسوة العجائز فيتم إرسالهن إلى معسكرات جمع النفايات المشعة.
وهذا المجتمع له نظام هرمي على قمته عسكريون، ولكل طبقة زي محدد، فاللون الأحمر للجواري، والأزرق لزوجات الرؤساء، والخادمات في المنزل يرتدين الأخضر، والنساء اللاتي يدربن البنات على تقاليد الدولة الجديدة يرتدين زياً بنياً.
دولة جلعاد
تبدأ الأحداث بهجوم إرهابي تشنه مجموعة متطرفة تطلق على نفسها "أبناء يعقوب"، وتنجح في قتل رئيس الولايات المتحدة، وبعدها تتوالى الهجمات الإرهابية بقتل كل الفاعلين في النظام القديم، والاستيلاء على الحكم وتعطيل العمل بالدستور لحين إجراء انتخابات جديدة.
ومن خلال هذا المخطط تقوم جماعة "أبناء يعقوب" بترسيخ دعائم حكمها القائم على عقيدة شبه مسيحية، تأخذ بعض تعاليمها من العهد القديم، ويتغير اسم البلاد من الولايات المتحدة الأميركية إلى "جمهورية جلعاد"، ويتم اعتقال كل المعارضين، وتغلق الصحف والقنوات التلفزيونية، وتعاد هيكلة طبقات المجتمع ليكون العسكريون على قمته، ويُهمل فيه التعليم وتمنع النساء من التعلم والتملك، والقادرات على الإنجاب منهن يمنحن لكبار الدولة الناشئة بعد إعادة تأهيلهن في دور أشبه بالسجون. وما إن تنجب الواحدة منهن تترك مع رضيعها فترة، ثم يتم إرسالها إلى مسؤول آخر ولا يسمح لها برؤية أبنائها.
تقدم الرواية صورة لـ "أبناء يعقوب" كجماعة دينية غبر مهتمة سوى بالإمساك بزمام السلطة، ومن ثم فإن الرواية لا تنتقد الدين وإنما تنتقد الاستخدام الخاطئ له، وهي هنا تشبه رواية "جرائم براغ" للتشيكي ميلوش أوربان عن مجموعة دينية متطرفة تنجح في السيطرة على عاصمة التشيك وتحولها إلى صورة للعصر المسيحي القديم، رافضة كل أشكال الحداثة، باعتبار أنه لا خلاص للبشرية إلا بالعودة إلى الماضي بكل عاداته وقيمه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في رواية آتودد، لا يعرف نظام "دولة جلعاد" الرحمة، إذ يقيم محاكم التفتيش لمراقبة إيمان الناس. في البدء يُسمح لليهود بالذهاب إلى إسرائيل، إلا أنه في الطريق يتم إغرق السفن التي تقلهم عمداً، ومن بقي من اليهود يتم قتله. أما النساء اللاتي رفضن تطبيق قواعد "جلعاد" فيتم إرسالهن لجمع النفايات الإشعاعية من دون أقنعة واقية، فيما تقام محارق ضخمة للكتب والصحف وملابس النساء، إضافة إلى تلفيق التهم لمن يُشك في ولائه، حتى ممن أسهموا في قيام هذه الدولة. أما السود فيتم نفيهم.
تأتي حبكة الرواية في صورة مذكرات مسجلة على شرائط كاسيت جرى تفريغها بواسطة أكاديميين، تم العثور عليها العام 2195 عن "دولة جلعاد" التي أقيمت في أميركا أواخر القرن الـ 20 وبداية القرن الـ 21. المذكرات تعود إلى خادمة تدعى "أوفرد"، والسرد يأتي بضمير المتكلم لتلك المرأة كسجينة تحكي قصة حياتها في زمنين، الحاضر وهي موجودة في بيت "الرئيس" الذي يعاشرها بحضور زوجته العاقر كي تنجب له، والزمن الثاني حول ماضي قيام دولة جلعاد وإدخالها إلى المعسكر كي يعاد تأهيلها لوظيفتها الجديدة رفقة أخريات كجاريات مهمتهن الإنجاب، إضافة إلى تذكرها لحياتها القديمة والحرية التي كانت تتمتع بها كامرأة قبل سقوط أميركا في يد المتطرفين، صانعة مقارنة دائمة بين ما كان عليه الوضع وما آل إليه.
رسالة تحذيرية
تحمل الرواية في طياتها رسالة تحذيرية مما يمكن حدوثه إذا تمكنت الجماعات اليمينية المتطرفة من الوصول إلى السلطة، إذ يرى كثير من الغربيين صعوبة حدوث ذلك في دولهم، مما دفع آتودد إلى تقديم صورة توضح كيف يمكن وقوع الدول المتقدمة في قبضة الأنظمة الشمولية القمعية. فالأمر ليس بعيداً منهم كما يتصورون، وقد حدث في ألمانيا التي كانت تملك نظاماً ديمقراطياً قوياً، إلا أن هتلر نجح في إسقاطه وأدخل العالم كله في حرب راح ضحيتها الملايين. ومع صعود الجمهوري ترمب إلى الحكم، وتعيين مايك بنس نائباً له، تصدرت رواية آتودد الواجهة وجرى تحويلها إلى مسلسل للتحذير من حدوث ما توقعته لأميركا، ومع هجوم أنصار ترمب على مبنى الكابيتول ازداد القلق حول قدرة الجماعات اليمينية على وأد الديمقراطية.
ولا تختلف رواية "حكاية جارية" عن بقية أعمال آتودد، بوصفها رواية نسوية تدين الأنظمة الذكورية الأبوية باعتبارها السبب في الحروب والدمار، إضافة إلى إعطاء مسحة مثالية للنساء.
أما عن سماتها السردية المشتركة مع أعمالها الأخرى، فتتجلى في اهتمامها بالطبيعة وتقديمها أوصافاً دقيقة للزهور والنباتات نظراً لنشأتها الأولى، حيث كان والدها متخصصاً في علم النباتات، وقضت شطراً من حياتها معه في الغابات.