كشف مؤتمر الحزب الحاكم في كوريا الشمالية، والذي عقد مرتين خلال عقد من الزمن، عن حجم الضغوط التي يتعرّض لها اقتصاد البلاد المنهك في مواجهة تداعيات فيروس كورونا والعقوبات ومحادثات الملف النووي المتوقّفة مع الولايات المتحدة، وفق محللين.
وأقرّ الزعيم كيم جونغ أون، مراراً بارتكاب أخطاء في إدارة الاقتصاد، ووعد بازدهار أكبر في المستقبل، وفي خطوة اعتُبرت ترسيخا لسطوته الشخصية، عُيّن أميناً عاماً للحزب، وهو منصب كان مخصصاً لوالده وسلفه.
لكن الفرص تضاءلت لحصول إصلاحات في السوق، من شأنها تحسين الوضع على الأرض أو لأي تغيير في الأزمة مع واشنطن، مع توجيه كيم رسالة إلى الإدارة الأميركية المقبلة للرئيس جو بايدن، بأن بيونغ يانغ ستواصل تعزيز ترسانتها ما لم تقدّم الولايات المتحدة تنازلات.
"العدو الأكبر"
عقد مؤتمر الحزب الذي استمرّ ثمانية أيام في عزّ شتاء كوري قارس، وانتهى الثلاثاء، أي قبل أسبوع ونيف من تنصيب بايدن المرتقب في 20 يناير (كانون الثاني).
وتدرك بيونغ يانغ ضرورة تخفيف العقوبات في حال أرادت تنمية اقتصادها، بحسب محللين، لكنها لم تبدِ حتى الآن أي رغبة في الحدّ من برامجها النووية والصاروخية المستهدفة بالعقوبات.
بل إن كيم، الذي ارتبط بعلاقة مضطربة مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، اعتبر أن الولايات المتحدة هي "العدو الأكبر" لكوريا الشمالية، وتعهّد بتعزيز ترسانة بلاده النووية. كما أعلن عن استكمال خطط بناء غواصة تعمل بالطاقة النووية، وأكّد أن بلاده تضع نصب أعينها تطوير قائمة طويلة من الأسلحة.
وتمثّل رئاسة بايدن تحدياً لبيونغ يانغ. فهو مرتبط بنهج باراك أوباما الداعي إلى "صبر استراتيجي"، ويسود الاعتقاد على نطاق واسع بأنه سيعود إلى سياسة أكثر تشدّداً تدعو إلى إحراز تقدّم ملحوظ على مستوى محادثات فرق العمل، قبل أي قمة بين الزعيمين.
"اختلاق أزمة ومفاقمة التوتّر"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال مدير مجموعة المخاطر الكورية، أندري لانكوف، "من الواضح أن الكوريين الشمالين يفعلون ما دأبوا على القيام به، أي اختلاق أزمة ومفاقمة التوتّر وتذكير جو بايدن بأنهم موجودون".
لكن المجال محدود أمام كوريا الشمالية، للقيام باستفزازات كبيرة كتجارب نووية أو إطلاق صواريخ بالستية عابرة للقارات، لأسباب ليس أقلها المجازفة بإغضاب الحليف الأكبر، الصين، التي يتزايد اعتماد بيونغ يانغ عليها.
وفي رسالة تهنئة نقلتها وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية (شينخوا)، قال الرئيس الصيني، شي جينبي، إن على البلدين أن "يحافظا بشكل مشترك على السلم الإقليمي والاستقرار والتنمية والازدهار".
الإقرار بالفشل
في خطابه أمام آلاف المندوبين الذين اكتظّت بهم قاعة مهيبة، أقرّ كيم بأخطاء في تنفيذ خطط للتنمية الاقتصادية "في كل المجالات تقريباً"، واصفاً السنوات الخمس الأخيرة بأنها "الأسوأ" للبلاد.
وترى سو كيم من مؤسسة "راند"، أن "أحد الأسباب المحتملة لإقراره، هو أن البلاد تواجه ضائقة شديدة وليس في الإمكان فعلاً إخفاء، ما هو واضح للجميع أو إنكاره".
وجاء المؤتمر في وقت فرضت البلاد تدابير إغلاق على نفسها لمنع وصول فيروس كورونا إلى أراضيها، في إجراءات جعلتها في عزلة أكثر فاعلية من أي عقوبات، فيما حجم التجارة مع الشريك الصيني تراجع إلى معدلات منخفضة جداً مقارنة بالمستويات المعتادة.
وأضافت سو كيم، "بدلاً من تلميع صورة هذه الحقيقة القاتمة، اختار النظام الإقرار بأن الأمور سيئة للغاية".
المزيد من التخطيط الاقتصادي
لكن الحزب قرّر أن الحل الأفضل لإخفاقات التخطيط الاقتصادي هو المزيد من التخطيط.
ومنذ توليه السلطة في أعقاب وفاة والده عام 2011، خفّفت السلطات قبضتها على الاقتصاد، ما أتاح لصغار التجار بالاستمرار، وبروز ما يُشبه طبقة متوسطة في بيونغ يانغ، وأن تصبح مجموعة صغيرة من النخبة، في مصاف الأغنياء.
لكن في ختام خطابه، قال كيم، إن على الحزب والحكومة أن يعيدا ترسيخ دورهما في الخطة الخماسية "وإعادة بسط النظام والقانون وتقويتهما واللذين يعمل بموجبهما الاقتصاد تحت الإدارة والتوجيه الموحدين للدولة".
ويرى المدير في مركز المصالح الوطنية، هاري كازيانيس، إن إصلاحات السوق غير مطروحة للنقاش "في المستقبل المنظور". ويضيف أن كيم "يخشى من أي شكل من أشكال المعارضة"، ويوضح "أنه يعلم أن طبقة التجار في كوريا الشمالية أصبحت قوية، وهو لا يريد التنافس على القوة مع أحد".
تعزيز وراثة كيم
جاءت تسمية المؤتمر، كيم، أميناً عاماً للحزب في خروج عن القواعد في كوريا الشمالية، والمتمثلة باحتفاظ الزعماء برتبهم بعد الوفاة. فالمؤسس كيم إيل سونغ، جدّ الزعيم الحالي، يبقى رسمياً "الرئيس الأبدي"، فيما والده كيم جونغ إيل، هو "الأمين العام الأبدي".
يقول الخبراء، إن الهدف من الخطوة تعزيز إعلان كيم أنه وريث سلالة بايكتو، كما تعرف العائلة الحاكمة.
وإقرار الحزب علناً بالأخطاء، قد يكون رُتّب له بعناية لتعزيز سلطة كيم وتحفيز الناس على"الالتفاف حول القيادة"، وفق ما قالت سو كيم لوكالة الصحافة الفرنسية. وأضافت، "حرمة الزعيم الكوري الشمالي، لا تزال تبعد عنه اللوم إزاء إخفاقات السياسات، ولا يزال باستطاعته صبّ استياءه على مستشاريه والعالم الخارجي".