تواصل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتخاذ القرارات حتى اللحظة الأخيرة من وجودها في السلطة عند ظهر الأربعاء 20 يناير (كانون الثاني)، وفي أحدث قراراتها أبلغت الخارجية الأميركية وزارة الاقتصاد الألمانية، "أنه تم فرض عقوبات على سفينة روسية تشارك في بناء خط أنابيب الغاز الممتد من روسيا إلى ألمانيا تحت مياه بحر البلطيق، "نورد ستريم 2".
وتعمل السفينة "فورتونا" على تركيب أنابيب في مسافة 75 كيلومتراً هي ما تبقى من الخط البالغ طوله 1200 كيلومتر بعدما حصلت شركة "غازبروم" الروسية على الموافقات المطلوبة من ألمانيا والدنمارك.
ونقلت وكالة "رويترز" قول متحدث باسم الكرملين، إن مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، الذي تقوده روسيا لا يزال يخضع لضغوط "غير قانونية" من الولايات المتحدة. وقال ديمتري بيسكوف في إفادة يومية عبر الهاتف للصحافيين، إن الكرملين يراقب عن كثب التطورات بشأن "نورد ستريم 2" لضمان اكتماله.
وكان العمل في خط "نورد ستريم 2" استؤنف في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد توقف لمدة عام نتيجة العقوبات الأميركية أيضاً، وتم إنجاز أكثر من 90 في المئة من المشروع الآن. وسبق أن اعترضت الحكومة الألمانية على العقوبات الأميركية باعتبار أن الخط مشروع تجاري تماماً وليس حكومياً.
وعلى رغم قلق بعض دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من زيادة نفوذ شركات الطاقة الروسية في أوروبا، إلا أن الاتحاد الأوروبي طالما أعرب عن معارضته العقوبات الأميركية التي تطاول الشركات والأعمال الأوروبية، معتبراً أنها غير قانونية.
كما أن الحكومة الألمانية أعلنت أكثر من مرة أن مشروع خط الغاز الطبيعي الروسي أمر حيوي لألمانيا التي تريد استخدام الغاز في محطات توليد الكهرباء، التي تعمل بالفحم أو بالطاقة النووية، لاعتبارات بيئية ولأغراض السلامة مع قدم محطات الطاقة النووية.
أمن الطاقة
وكان خط الأنابيب، الذي تبلغ استثماراته الإجمالية نحو 11 مليار دولار، ويعد من أهم مشروعات روسيا في أوروبا، قد أثار توتراً بين واشنطن وموسكو، حيث عارضت إدارة ترمب مشروع "نورد ستريم 2" لأنه سيحرم أوكرانيا من رسوم المرور السخية التي تحصل عليها، وسيزيد نفوذ روسيا الاقتصادي والسياسي بأوروبا. وفرضت واشنطن عقوبات على شركات تعمل بالمشروع في ديسمبر 2019، ما أدى إلى توقف العمل في خط الأنابيب قبل أن تعاود شركة "غازبروم" محاولة إنهائه الشهر الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتبر ألمانيا أن التدخل في سياسات أمن الطاقة الخاصة بها أمر مرفوض، وكان سبباً في برود العلاقة بين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب. وعلى رغم موقف المفوضية الأوروبية المعارض لأي نفوذ روسي في أوروبا، فإنها أيضاً لطالما عبرت عن القلق من سياسات العقوبات الأميركية في عهد ترمب، التي أدت إلى خسائر كبيرة للشركات الأوروبية.
ولم يتغير موقف الحكومة الألمانية من المشروع الذي تعتبره حيوياً لأمن الطاقة. وتوقع البعض أن يلين موقف الحكومة الألمانية بسبب اعتقال المدون الروسي أليكسي نافالني لدى عودته لموسكو، حيث كان يعالج في ألمانيا والحكم عليه بالسجن الاثنين. إلا أن ستيفن زيبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية قال للصحافيين، "لقد عرضنا هنا أكثر من مرة موقف الحكومة الفيدرالية من مشروع (نورد ستريم 2)، وهو مشروع تجاري بحت، وهذا الموقف لم يتغير".
موقف بايدن
وعلى رغم أن إدارة ترمب تسارع في الأيام الأخيرة إلى اتخاذ قرارات تعرقل عمل إدارة جو بايدن، فإن الأخير نفسه عارض مشروع "نورد ستريم"، عندما كان نائباً للرئيس في إدارة باراك أوباما. كما أن السياسة الخارجية لإدارة بايدن ستركز أكثر على الصين وروسيا، وربما لا يريد بايدن أن يبدو متساهلاً مع النفوذ الروسي في أوروبا. لكنه أيضاً تعهد بإصلاح العلاقات الأميركية مع الحلفاء، وفي مقدمتها أوروبا بخاصة ألمانيا، بالتالي سيكون عليه الموازنة بين موقف متشدد من روسيا وموقف مهادن مع أوروبا.
وهناك ترسانة هائلة من القرارات التي اتخذتها إدارة ترمب سيكون التعامل معها شائكاً، منها ما يتعلق بالعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرض الرسوم الجمركية على صادرات أوروبية لأميركا ومشكلة الدعم الحكومي لشركات كبرى مثل شركتي صناعة الطائرات "بوينغ" الأميركية و"إيرباص" الأوروبية.
لكن هناك أيضاً العقوبات التي فرضتها واشنطن على دول كثيرة مثل الصين وروسيا، التي تضر بمصالح الشركات الأوروبية التي تتعامل مع تلك البلدان الخاضعة لطبقات متعددة من العقوبات.
وأعدت المفوضية الأوروبية "خطة سياسية" حول سبل حماية الشركات والأعمال الأوروبية من العقوبات المتجاوزة للحدود (وهو مصطلح ينطبق على العقوبات الأميركية على دول وكيانات خارج أراضيها). وتقترح الخطة "احتمال الدخول في إجراءات في الخارج لدعم الشركات والأفراد الساعين لمواجهة تلك العقوبات".
وسيزيد ذلك من تعقيد موقف إدارة بايدن من موضوع العقوبات والعلاقات مع روسيا والصين وغيرها، وأيضاً من الموقف الخاص بمشروع "نورد ستريم 2" الذي كاد ينتهي.