يقع كثيرون يومياً في فخ "المصادر" التي تضخّ معلومات يتناقلها من يسمعها أو يقرأها في كثير من الأحيان من دون عناء التحقق من صحتها.
ففي بعض وسائل الإعلام، نجد أحياناً الخبر ذاته من دون التأكد من صحته وأحياناً بأخطائه الإملائية والقواعدية ينتقل من وسيلة إلى أخرى، بخاصة إذا كان لخدمة فكرة تتبنّاها الوسيلة، أو لخلق مزيد من التفاعل على وسائل التواصل، الأمر الذي يزيد الإعلانات ونسبة القراءة.
وفي الآونة الأخيرة، أخذت بعض وسائل الإعلام العالمية والمحلية على عاتقها مسؤولية تقصّي المعلومات الحقيقية وتصحيح الكاذبة منها، بعدما أصبح كل مستخدم لوسائل التواصل ناقلاً للمعلومة.
معلومات درجة أولى وثانية
أكاديمياً، يختلف الوضع تماماً، فالمصادر ركيزة أساسية في العمل البحثي. ومع هذا تبقى في دائرة التحقق الدائم من صحتها.
يوضح مدير كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية والمتخصص في دراسات المعلومات والمكتبات وتكنولوجيا الإعلام الدكتور عماد بشير، اللغط الحاصل بين مصطلحي مصادر ومراجع اللذين يستخدمان عادة بشكل متداخل للتعبير عن أمر واحد، ولكن لكل منهما معناه ودوره.
من وجهة النظر البحثية الأكاديمية، فإن مصطلح مصدر يعني وعاء معلومات من الدرجة الأولى، أي منتجة مباشرة من المؤلف أو الكاتب. وهذه المعلومات تتجه مباشرة إلى المستخدم أو المستفيد من دون أي معالجة أو تفسير. أما معلومات الدرجة الثانية، فهي معالجة مثل تلك الموجودة في الكتب الموسوعية والإرشادية والحقائق والوقائع الكرونولوجية أو وقائع ويوميات الأحداث، لأنها تؤخذ من مصادر الدرجة الأولى، ويُعاد ترتيبها وصياغتها وتُقدّم على أنها معلومات جديدة، مثل كتب التراجم والبيوغرافيا. ويمكن العودة إليها عند كتابة بحث علمي أو أي إنتاج فكري.
ويصبح المصدر مرجعاً عندما يُعتمد عليه في البحث العلمي. لذلك، وفق بشير، تنتهي البحوث العلمية والجامعية بلائحة مراجع، وهي كل ما استخدم من مصادر ومراجع وأوعية معلومات في متن البحث.
ويلفت إلى مصطلح البيبليوغرافيا، الذي يعدّ أوسع من لائحة المراجع، وهي معلومات تجمع حين يبدأ الباحث بتحضير الكتب والمصادر وأوعية المعلومات التي قد تتناسب مع بحثه.
السرقة العلمية
المشكلات الأساسية التي يقع فيها الطلاب والباحثون في ما يتعلق بالمصادر هي، بحسب بشير، الاستلال أولاً، بمعنى أن يستخدم مرجعاً ما من دون الإشارة إليه، أو أن يعيد الباحث ما كُتب في المصدر من دون التعريف به. وتسمّى الاستلال أو السرقة العلمية أو الانتحال العلمي.
أما المشكلة الثانية، فتكمن في أن يعتمد الباحث على مراجع لا تندرج في إطار ما يعرف بالـ"Authorities" أو الكتّاب المعروفين، إذ يجب أن يكون صاحب المرجع ذائع الصيت في مجاله ومتخصصاً. والباحث الأكاديمي يجب أن يدرك من هم الأساتذة المعروفون والجادون الذين يُعتبرون مراجع عليا وسلطات في اختصاصهم.
ويقول "ألاحظ أحياناً أن بعض الطلاب يستخدمون أي مرجع يقدّم لهم أي تعريف مباشر من دون الالتفات إلى اسم الشخص الذي ساقه، وهذه من الأخطاء التي يقع فيها الطالب أو الباحث".
الالتباس الثالث برأي بشير هو عندما تنقل معلومة عن مصدر، من دون العودة إلى المرجع الأساس. وقد تكون الورقة العلمية قد أشارت إلى هذا المصدر من دون دقة كاملة، لذلك قد نقع في الخطأ.
النقطة الرابعة التأكد من سلامة الترجمة ودقة استخدام المصطلحات التي تمثّل المعنى الصحيح من المصادر الأجنبية.
المصدر الإلكتروني
يشير بشير إلى أنه حتى سنوات قريبة، كان الاعتماد الأكبر على أوعية المعلومات الورقية التي يعتدّ بها أكثر من الرقمية أو الإلكترونية. واليوم أصبحت المراجع الورقية متوفرة على شبكة الإنترنت على شكل "PDF" أو صورة أو صيغ أخرى، إذ بعد أن تُنشر ورقياً، تنتج من جديد بشكل إلكتروني. يضيف "وأكثر من ذلك، لدينا دوريات أكاديمية مرموقة صادرة عن ناشرين معروفين تُطرح فقط إلكترونياً من دون رديف مطبوع. لذلك كل ما هو متوفر على الإنترنت من خلال مواقع معروفة وذات مصداقية يمكن الاعتماد عليه إذا كان لكتّاب معروفين، أو صادراً عن دور نشر معروفة مع تحري الدقة كي لا يحدث اختلال، بخاصة مع انتقال البحث من صفحة إلى صفحة ومن موقع إلى آخر".
ولتقييم الموقع، يقول إنه يمكن النظر أولاً إلى نهاية اسم الموقع (Domain Name) إذا كان ".com" أو ".org" أو ".edu" أو ".ac" أو ".gov"، الذي يوضح مرجع المعلومات المتاحة، أكاديمية كانت أو حكومية أو تثقيفية. ومن المهم، التأكد من ذكر الموقع للأسماء والمراجع وخضوعه لتحديث مستمر، ووجود هوية واضحة للقائمين عليه. كما يمكن التأكد من إدراج الموقع في أدلة مثل دليل "Yahoo" الذي يقوم بتقييم أولي للمراجع التي تدرج فيه.
وينبّه بشير إلى وجود مواقع لا يمكن الاعتماد عليها مثل مواقع التواصل الاجتماعي و"الويكيز" والمدونات إلا إذا كانت عائدة بشكل واضح إلى أصحاب اختصاص.
ويذكر أن أساليب الإسناد العلمي والمرجعي أصبحت تقدّم حلولاً للإشارة إلى كل أنواع المواقع ورقيّة كانت أو إلكترونية.
كتب من دون مصادر
كما ينبّه بشير إلى ضرورة التأكد من موثوقية الكتب، ولمعرفة ذلك يجب التحقق من وجود دار النشر وتاريخ النشر ورقم ISBN للكتاب وهو رقم دولي معياري، ويكون معترفاً به وموجوداً في المكتبات الجامعية. ولا يمكن استخدام كتاب لا يشير إلى هذه التفاصيل ولا يعتمد على مراجع تثبت أن المؤلف قام ببحث علمي.
ويعتبر أن إحدى المشكلات هي تأليف شخص كتاباً لا يشير إلى المصادر، ثم يأتي آخر يعتمد على هذا الكتاب، مستنداً إليه كمصدر.
ويقول إن الأمر ليس خاطئاً، لكن التأكد والبحث مهمان. لذا من الأفضل العودة إلى أكثر من مرجع والتدقيق في المعلومات الواردة.
احتفظوا بالتسجيلات
يرى بشير أن المقابلات التي يجريها الباحث يجب أن تكون مع خبير أو أكاديمي أو متخصص أو صاحب تجربة في موضوعه، ويجب ذكر مكان وزمان المقابلة بالتفصيل، واستخدام المزدوجين للنقل حرفياً عن المتحدث، مشيراً إلى ضرورة احتفاظ الباحث بإثبات عن المقابلة في حال نشأ أي نزاع حول الكلام أو تهرّب منه صاحبه.
الإسناد المرجعي
يقول بشير إن هناك أكثر من أسلوب في الإسناد المرجعي (طريقة ذكر المصدر) يستخدم في البحوث العلمية، بعضها متوافق عليها عالمياً، ومتاحة في تطبيقات إدارة الإسناد المرجعي (Citation Management Software) مثل "End Note" و"Ref Works" و"Mendeley" وسواها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويذكر على سبيل المثال "APA" أو "MLA" أو "IEEE" كأساليب معروفة ومتفق عليها عالمياً.
أما في العالم العربي، فيقول مدير كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية إنه لا يوجد توافق عام، إنما هناك ترجمات لبعض الأساليب المستخدمة في الغرب، لكن بعض الدوريات الأكاديمية تعتمد أسلوباً خاصاً بها.
ويضيف أن كثيراً من الجامعات العربية تلزم الباحثين فيها بنظام معين للإشارة إلى المراجع، وتضعه في دليل خاص يذكر تفاصيل تنظيم البحث كاملاً سواء لمجلة الجامعة أو رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه.
قواعد البيانات
"ما زال عدد قواعد البيانات التي تساعد في ضبط البيبليوغرافيا قليلاً جداً ولا يتجاوز أصابع اليد الواحدة"، يقول بشير، مشيراً إلى أن جزءًا كبيراً من المراجع باللغة العربية يتعدّى الـ50 في المئة غير مرقمن، بالتالي غير متاح على الإنترنت. ويواجه الباحثون صعوبات بسبب قلة أدوات الضبط البيبليوغرافي، إذ لا توجد أدوات تساعد على التعرف إلى ما نشر من قبل حول الموضوع، فلا يدرك الباحث كيف كانت المقاربات وماذا سيضيف.
ويشير إلى وجود بعض قواعد البيانات التجارية التي أصبحت متداولة في العالم العربي، وغالبية الجامعات تشترك فيها ضمن قدراتها المالية. وهي في الأصل تحتاج إلى تطوير لأن نسبة التكرار فيها كبيرة، حتى إن بعضها يقدّم المعلومات مختصرة من دون النصوص الكاملة للكتب والمقالات المنشورة.
ويوضح أن المحتوى الرقمي العربي الأكاديمي بدأ يزيد بسبب وعي الجامعات التي تنشر دوريات أكاديمية والناشرين التجاريين لأهمية النشر الرقمي، من دون الخوف من الانتحال والاستلال والسرقة العلمية.
ويقول إنه "تلزمنا خطوات أكثر جدية واستثماراً أكبر من قبل الناشرين لإصدار مجلات ودوريات محكّمة وكتب أكاديمية تتوفر من خلال قواعد بيانات على الإنترنت".