من غير المتوقع أن يقرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) أي تغيير في السياسة النقدية للولايات المتحدة خلال اجتماعه الشهري الأول هذا العام يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، وهو أول اجتماع في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن.
ويُجمع الاقتصاديون والمحللون في البنوك الاستثمارية والمؤسسات المالية في مذكراتهم على أن قرار الاحتياطي سيكون في الأغلب الإبقاء على سعر الفائدة كما هو عند الصفر تقريباً، واستمرار برامج التيسير الكمي (شراء سندات الدين) عند القدر نفسه.
لكن الأسواق تنتظر المؤتمر الصحافي للاحتياطي الأربعاء، والذي سيوضح فيه تصوره لأداء الاقتصاد الأميركي خلال الفترة المقبلة، وتوقعاته لمعدلات التضخم، وهناك سيتضح ما إذا كانت أسعار الفائدة يمكن أن تتغير بعد الربيع، أم ستظل سياسة الاحتياطي من دون تغيير كبير حتى تعافي الاقتصاد المتوقع في 2023.
وفي توقعات لقرار الاحتياطي الفيدرالي المقبل، كتب الاقتصاديون في مجموعة "آي إن جي" المصرفية، "نعتقد أن الاحتياطي سيترك السياسة النقدية كما هي من دون تغيير، ليظل سعر الفائدة بين صفر و0.25 في المئة، واستمرار برنامج التيسير الكمي عند 80 مليار دولار لسندات الخزانة، و40 مليار دولار لسندات الضمان العقاري".
استمرار في عهد بايدن
للمرة الأولى منذ سنوات، يعقد الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه من دون أن تسبقه التغريدات الهجومية على "تويتر" من حساب الرئيس السابق دونالد ترمب، التي طالما هاجم فيها "الأغبياء" في الاحتياطي الفيدرالي، "الذين يفتقرون إلى الكفاءة والمثيرين للشفقة"، كما كتب ترمب أكثر من مرة. ومراراً اتهم ترمب رئيس الاحتياطي جيروم بأول، بأنه السبب في تباطؤ النمو الاقتصادي.
ويتوقع أن تعود علاقة الاحتياطي الفيدرالي إلى سابق عهدها مع الإدارة الأميركية الجديدة، ولن يضطر بعد اليوم إلى اتخاذ مواقف عدائية لحماية استقلاليته، فقد أعلنت المتحدثة الجديدة باسم البيت الأبيض جين بساكي أن "جو بايدن يكنّ الكثير من الاحترام للاحتياطي الفيدرالي والدور الذي يضطلع به".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أن جو بايدن اختار رئيسة البنك المركزي الأميركي السابقة (2014 إلى 2018) جانيت يلين وزيرة للخزانة، وسيسهل ذلك التعامل بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي. ونقلت وكالة فرانس برس عن غريغوري داكو المحلل لدى "أكسفورد إيكونوميكس" قوله إن "هذا يسهم ضمناً في إيجاد تحالف متين بين الاحتياطي الفيدرالي والخزانة"، مضيفاً أن من شأن ذلك "أن تكون هناك مجموعتان من الأشخاص برؤية واحدة لمستقبل الولايات المتحدة الاقتصادي، مما يساعد في تنسيق أكثر إيجابية وعمقاً".
وكان الاجتماع الأخير للجنة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) 2020 جاء بعد يومين من بدء توزيع لقاح فيروس "كوفيد-19" في الولايات المتحدة، وزيادة التفاؤل بإمكان عودة النشاط الاقتصادي بقوة مع السيطرة على وباء كورونا، إلا أن الاحتياطي في قراره بعد الاجتماعات ظل حذراً في عرضه لتصوره حول أداء الاقتصاد في المستقبل.
وأكد بيان اللجنة أن الوباء ما زال "يمثل أخطاراً كبيرة على النظرة المستقبلية للاقتصاد في المدى المتوسط"، وبدا من تحديث تقديرات الاحتياطي أن أسعار الفائدة قد تظل في مستوياتها المتدنية حتى العام 2024.
ومما يعزز استمرار سياسة الاحتياطي الفيدرالي أن الأسابيع الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في أعداد الاصابات والوفيات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، كما أن إدارة بايدن تعهدت بإجراءات صارمة للحد من انتشار الوباء، مما يعني استمرار وتشديد القيود التي تُبقي قطاعات اقتصادية عدة معطلة.
أرقام النمو والتضخم
يتوقع أن تظهر أرقام نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الرابع من 2020، والتي تصدر في اليوم التالي لنهاية اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي، تباطؤ الاقتصاد المرشح للاستمرار أيضاً خلال الربع الأول من هذا العام. كما أن معدلات البطالة ما زالت تواصل الارتفاع، وهناك الآن أكثر من 16 مليون أميركي يعيشون على مخصصات البطالة، فيما الرقم يرتفع أسبوعياً.
وهناك حزمة الدعم الحكومي للاقتصاد التي تسعى الإدارة الجديدة لموافقة الكونغرس عليها، وقيمتها 1.9 تريليون دولار، إضافة إلى خطط المشاريع الكبرى التي أعلن عنها جو بايدن خلال حملته الانتخابية، ومنها مشاريع الاستثمار الأخضر والمسؤولية الاجتماعية التي قد تصل إلى 3 تريليونات دولار.
ويتوقع أن يؤدي كل ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى من المستهدف التقليدي للاحتياطي الفيدرالي، لكن جيروم باول سبق وأعلن العام الماضي أن البنك المركزي لن يتصرف رداً على ارتفاع معدلات التضخم، وأن بالإمكان التعامل مع معدلات عالية من دون الحاجة لتشديد السياسة النقدية ورفع سعر الفائدة.
وبدأ مؤشر التضخم في الارتفاع بالفعل منذ شهر نوفمبر من العام الماضي 2020، ويتوقع أن يواصل الارتفاع بخاصة في النصف الثاني من هذا العام، حين تتم السيطرة على وباء كورونا كما يتوقع كثيرون، كما يتضح أن العائد على سندات الخزانة المرتبط بمؤشر التضخم ارتفع من 1.2 في المئة منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 2.5 في المئة الآن على السندات لمدة عامين.
أما السندات لمدة عشر سنوات، وهي المعيار الأدق، فقد ارتفع العائد المرتبط بمؤشر التضخم عليها من 1.65 في المئة في نوفمبر إلى 2.1 في المئة حالياً.
وتتوقع أغلب المؤسسات الدولية الاقتصادية مثل البنوك الاستثمارية الكبرى أن ينمو الاقتصاد الأميركي هذا العام بمتوسط 4.2 في المئة، وهذا مأخوذ بالفعل من الأسواق، وأيضاً من الاحتياطي الفيدرالي، لذا لن يكون هناك تغيير إلا في حال سرعة وقوة الانتعاش عن المعدلات المتوقعة، وقبل النصف الثاني من هذا العام.