اشتباك مبكر بين الإدارة الأميركية الجديدة وروسيا شهدته منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" خلال الأيام القليلة الماضية، بعد منشورات لصفحة السفارة الأميركية في موسكو عن الاحتجاجات المطالبة بالإفراج عن المعارض ألكسي نافالني. ما أثار غضب الروس ودفع المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى وصف الموقف الأميركي بـ"النفاق".
ففي 23 يناير (كانون الثاني) الحالي، غردت ريبيكا روس، المتحدثة الإعلامية باسم السفارة الأميركية في موسكو، على حسابها الرسمي، بالآتي "نراقب التقارير الخاصة بالاحتجاجات في 38 مدينة روسية، القبض على أكثر من 350 من المحتجين السلميين والصحافيين. إن الولايات المتحدة تدعم الحق في التظاهر السلمي للجميع وحرية التعبير. بينما الخطوات التي تتخذها السلطات الروسية تقمع هذه الحقوق".
نفاق وتدخل
وسرعان ما ردت الخارجية الروسية على حسابها على "فيسبوك" على تغريدة الدبلوماسية الأميركية، قائلة إنه بالرجوع إلى ما كتبته سفارة الولايات المتحدة في موسكو في 6 يناير أثناء تظاهرات واشنطن واقتحام الكابيتول (مقر الكونغرس)، فإنها لم تشجع مواطنيها على التظاهر السلمي، ولم تدن قتل 5 أشخاص واعتقال أكثر من 100. وأضافت إنه في 8 يناير، وصف جون سوليفان، السفير الأميركي في موسكو، ما حدث في واشنطن بأنه "هجوم إجرامي"، قائلاً "يعد الهجوم الوحشي والإجرامي على مبنى الكابيتول بمثابة تذكير خطير بمدى أهمية تقدير المبادئ الأساسية لهيكل جمهوريتنا المنصوص عليها في الدستور والدفاع عنها، بما في ذلك الحق في التصويت وحرية التعبير والتجمع السلمي. إن قوة الحشد العدواني لم تكن أبداً ولن تكون جزءاً من نظامنا الدستوري".
وتابعت الخارجية الروسية في ردها قائلة إن "الكوكب كله" رأى حكومتكم (موجهة حديثها للسفارة الأميركية) تحول احتجاج سلمي إلى فوضى "عندما بدأت الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين". وأشارت إلى مسؤولية الشرطة الأميركية عن العديد من الاعتداءات على الصحافيين الروس الذين غطوا الاحتجاجات في الولايات المتحدة العام الماضي، مضيفة "ثم وصفت الحكومة الأميركية تحرك محتجين أميركيين سلميين بالهجوم على الديمقراطية". وخلصت قائلة إن "النفاق هو أداة الدبلوماسية الأميركية، التي أصبحت خطيرة بشكل خاص خلال فترة انتشار وباء كوفيد-19... اعتنوا بمشكلاتكم وتوقفوا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البيان الروسي شديد اللهجة، الذي أعادت زاخاروفا نشره على حسابها مصحوباً بكلمة "نفاق" في إشارة إلى الولايات المتحدة، لا يتعلق بتغريدة المسؤولة الأميركية فحسب. فقبيل الاحتجاجات بيوم، نشرت السفارة الأميركية على موقعها الإلكتروني تحذيراً تحث فيه مواطنيها الأميركيين في روسيا على تجنب أماكن التظاهرات المقررة. وقالت إن "مصادر إعلامية تشير إلى أن السبت 23 يناير، هناك خطط لاحتجاجات في أنحاء روسيا لدعم ناشط معارض. هذه الاحتجاجات من المحتمل أن تكون غير مرخصة. بالنظر إلى الوجود الكبير المتوقع للشرطة واحتمال تفريق المتظاهرين إلى مناطق أخرى من المدن، ينبغي على مواطني الولايات المتحدة تجنب هذه التظاهرات وأي أنشطة متعلقة بها".
في المقابل، اعتبرت الخارجية الروسية بيان السفارة الأميركية محاولة من الأميركيين للإبلاغ عن موعد التظاهرات غير المصرح بها وأماكنها. وقالت إن البيانات الشاملة المذكورة تتجاوز مجرد اهتمامها برعاياها في روسيا بل تتزامن مع ما اسمته "عقيدة واشنطن الاستفزازية" في تشجيع الاحتجاجات في البلدان الأخرى. وحذرت من أن تغطية التجمعات غير المصرح بها ستعتبر "تدخلاً فظاً" في الشؤون الداخلية لروسيا وستتسبب في رد فعل مماثل.
وتظاهر عشرات الآلاف، السبت، في روسيا تلبية لدعوة المعارض أليكسي نافالني وللمطالبة بالإفراج عنه، واعتقلت الشرطة أكثر من 2500 شخص خلال التحركات التي تخللتها صدامات في مدن كبرى لا سيما موسكو. وجاء رد الفعل الأول من الولايات المتحدة التي نددت بالـ"أساليب العنيفة" بحق المتظاهرين. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية تيد برايس إن "المحاولات الدائمة لقمع حق الروس في التجمع سلمياً وقمع حرية التعبير واعتقال المعارض نافالني، إضافة إلى قمع التظاهرات التي أعقبت ذلك، هي مؤشرات مقلقة إلى فرض قيود جديدة على المجتمع المدني والحريات الأساسية".
وكان نافالني، البالغ من العمر 44 سنة، أوقف لدى عودته من ألمانيا في 17 يناير، ووضع في الحبس الاحتياطي، بعد خمسة أشهر من نقاهة أمضاها في ألمانيا، إثر تسميمه المفترض، الذي يتهم الكرملين بالوقوف وراءه.
بوتين وبايدن
وفي لقاء عبر الفيديو مع طلاب روس بثته قنوات تلفزيونية، الثلاثاء، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "للمواطنين الروس الحق في التعبير عن آرائهم، لكن يجب أن يقوموا بذلك "ضمن إطار القانون". وأضاف أنه يجب عدم تشجيع القاصرين على المشاركة في تجمعات غير مرخص لها، في إشارة إلى ما تردده السلطات بأن المعارضة شجعت الشباب على التظاهر. وتابع "هذا ما يقوم به الإرهابيون. يضعون النساء والأطفال في الصف الأمامي".
ومنذ إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أشار المراقبون إلى أن العلاقة بين الكرملين وإدارة الرئيس جو بايدن ستكون مختلفة عن تلك التي استمتع بها بوتين مع الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي اتبع نهجاً تصالحياً مع موسكو، على الرغم مما اتخذته إدارته من مواقف متشددة ضد الممارسات الروسية، حيث فرضت عقوبات على البلاد والشركات الروسية وكبار رجال الأعمال بسبب قضايا تراوح ما بين التدخل في أوكرانيا وإمدادات الطاقة والهجمات على المنشقين.
وبحسب وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية، فعلى عكس أسلافه المباشرين، لم يعلق بايدن الأمل على "إعادة ضبط" العلاقات مع روسيا، لكنه أشار بدلاً من ذلك إلى أنه يريد إدارة الخلافات مع العدو السابق في الحرب الباردة من دون حلها بالضرورة أو تحسين العلاقات. ومع وجود أجندة محلية ثقيلة وقرارات وشيكة مطلوبة في شأن إيران والصين، فإن المواجهة المباشرة مع روسيا ليست شيئاً يسعى إليه الرئيس الأميركي.
وتوقعت الوكالة أن يتبني بايدن سياسة حكيمة ومتزنة تجاه روسيا. فتزامناً مع مسعاه تشديد موقف إدارته من بوتين، فإنه سيسعى أيضاً للحفاظ على مساحة للدبلوماسية. وقال بايدن، في خطاب مساء الاثنين، "يمكن العمل مع روسيا من منطلق المصلحة المتبادلة ونوضح لموسكو قلقنا في شأن عدد من القضايا، ونقول إننا قلقون في شأن نافالني والاختراق الإلكتروني والمكافآت الروسية لقتل جنودنا في أفغانستان".