رغم تذبذب سعر الذهب في الأسواق العالمية، إلا أنه يبقى ملاذا آمنا للدول والمستثمرين، لذلك تتجه البنوك المركزية إلى تعزيز حيازاتها من المعدن الثمين في الاحتياطيات الدولية لديها، في إطار التحوط من التقلبات التجارية والمخاطر الجيوسياسية، فيما يؤكد خبراء ومحللون اقتصاديون أن تصاعد حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي تحفز على تعزيز احتياطيات الدول، ويشير مختصون إلى أن البنوك المركزية الخليجية عززت من توجهها نحو زيادة الرصيد الذهبي، حيث أن اقتصادات الخليج القوية تحتاج إلى الحفاظ على استقرار العملات المحلية المربوطة بالدولار الأميركي. وأظهر رصد أعدته "اندبندنت عربية"، استناداً إلى أحدث البيانات والأرقام الصادرة عن مجلس الذهب العالمي وصندوق النقد الدولي، أن "السعودية والإمارات زادتا من احتياطاتها السيادية من المعدن الثمين على مدى الفترة الماضية".
وفي أسواق اليوم الخميس تراجعت أسعار الذهب إلى أدنى مستوى لها منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) وسط مؤشرات على المسار السلبي للاقتصاد العالمي بمستويات قد تكون عاصفة مما دفع المستثمرين إلى الإقبال على المخاطرة قبل نشر مجموعة من البيانات الاقتصادية. وانخفض الذهب في المعاملات الفورية 0.1% إلى 1272.16 دولار للأونصة، بعد أن نزل إلى 1270.99 دولار للأونصة في وقت سابق من الجلسة، وهو أقل مستوى منذ 27 ديسمبر (كانون الأول). وفقد المعدن الأصفر ومنذ بداية الأسبوع ما يقارب 1.4% من قيمته، بل إنه يتجه نحو رابع انخفاض على التوالي. يشار إلى أنه من المقرر أن تغلق أغلب الأسواق غدا 19 أبريل (نيسان) بمناسبة الجمعة العظيمة، وحسب ما ورد في "رويترز" فقد انخفض الذهب في التعاملات الآجلة بالولايات المتحدة 0.2% إلي 1274.50 دولار للأونصة. ومن بين سلسلة المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، صدرت بيانات في الولايات المتحدة والصين هدّأت من المخاوف بشأن نمو الاقتصاد العالمي وقوضت جاذبية الذهب باعتباره ملاذا آمنا.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" فان اضطراب الأسواق العالمية والتوجه نحو تعزيز الاحتياطي الذهب لدول الخليج وتنمية الأصول الخارجية يعتبر استراتيجية ناجحة للتحوط من التغييرات السلبية المقبلة، كما أظهرت البيانات أن السعودية (أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم) جاءت في المرتبة الأولى خليجياً وعربياً من حيث حجم احتياطي الذهب، بنحو 323 طناً تعادل 2.7% من إجمالي احتياطاتها الدولية المكونة من الودائع في الخارج، وأموال بالنقد الأجنبي، وحقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، مما أهّلها لتكون في المرتبة الـ17 عالمياً، طبقاً لأحدث تقرير حول حيازات البنوك المركزية للذهب.
وبحسب الخبراء يمكن تفسير النسبة الضئيلة من المعدن الأصفر باحتياطيات السعودية إلى تفضيلها الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية، حيث بلغت استثماراتها 162.6 مليار دولار في يناير (كانون الأول) 2019. وجاءت الكويت في المرتبة الثانية خليجياً بنحو 79 طن تشكل 8.2% من إجمالي احتياطاتها الدولية، وفي الترتيب 39 عالمياً، ثم قطر بنحو 40.6 طن تعادل 5.6% من إجمالي الاحتياطيات وفي الترتيب 51 عالمياً. وزادت قطر من حيازتها للذهب على مدار العامين الماضيين بنسبة 39.5% بما يعادل أكثر من 11 طنا، وكان احتياطي الذهب 29.1 طن في 2017.
وتبوأت الإمارات المرتبة الرابعة ضمن بيانات مجلس الذهب العالمي التي رصدت الاحتياطيات لأكبر 99 دولة حول العالم من حيث الاحتياطي، بنحو 7.5 طن بنسبة 0.3% من إجمالي الاحتياطيات، وفي المرتبة 76 عالمياً، فيما كانت قائمة مجلس الذهب العالمي خالية من الإمارات حتى عام 2015.
وقدر حجم المعدن الثمين لدى مملكة البحرين بنحو 4.7 أطنان تعادل 8.7% من الاحتياطي العام لها، وجاءت في المرتبة 85 عالمياً، فيما خلت قائمة مجلس الذهب من سلطنة عمان.
يشار إلى أن تقرير مجلس الذهب العالمي يرصد حيازات البنوك المركزية العالمية، ولكنه لا يتضمن المستثمرين وطلب الصناعة في أي من الأقطار.
وصلت مشتريات البنوك المركزية حول العالم لنحو 651.5 طن خلال 2018، بزيادة سنوية 74%، وهو ثاني أعلى مستوى سنوي على الإطلاق، وأعلى مستوى منذ 1971، وتمتلك تلك البنوك ما يقرب من 34 ألف طن من الذهب.
دول الخليج تواكب توجها عالميا لشراء الذهب
في هذا الصدد توقع علي الحمودي، الخبير الاقتصادي "أن تتجه البنوك المركزية في الخليج إلى تعزيز حيازتها من الذهب خلال العام الحالي وسط توجه مشابه للاقتصادات الكبرى حول العالم، وقد يثير شهية البنوك انخفاض أسعار المعدن الأصفر أدنى مستوى 1300-1250 دولار للأوقية". وقال "إن الذهب يشكل جزءاً من الاحتياطيات العالمية، ويساعد البنوك المركزية بالخليج على رفع الثقة بالاقتصادات المحلية والحفاظ على قوة سعر العملة واستمرار تدفق السيولة". وتابع "نمو الأصول الأجنبية بشكل عام تتضمن الذهب- تدعم التصنيف الائتماني الجيد للبلدان الخليجية، ويجعلها قادرة على مواجهة الصدمات والمخاطر المتوقعة، سواء كانت حروبا أو هزات اقتصادية، فضلا عن كون الذهب سهل التسييل لأي عملة مقابلة بشكل سريع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول السياسات الأميركية بشان أسعار الفائدة واضطرابات الأسواق، شرح بالقول " إنها تشكل عوامل محفزة لزيادة حيازة الذهب في ظل حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، بخاصة أن ذلك يتسبب في تقلب سعر الدولار والذي تعتمد عليه الدول الخليجية في ربط عملتها به"، مشيرا إلى أن البنوك تشتري الذهب في سرية حتى لا تتسبب برفع الأسعار في الأسواق، وعادة ما تقوم بالشراء على فترات طويلة حتى لا يتسببوا بتقلبات سعرية بالأسواق".
سياسة استثمارية نحو ملاذ آمن
في الشأن ذاته، قال خالد الغندور، خبير المعادن الثمينة " إن اتجاه دول الخليج لزيادة احتياطاتها من الذهب، إلى جانب الأدوات الاستثمارية الأخرى، يعد سياسة تحوط جيدة، لا سيما وأن المعدن الأصفر من أهم الملاذات الآمنة وسيظل كذلك على مر العصور"، لافتاً إلى "أن معظم البنوك المركزية بالمنطقة زادت رصيدها لدعم العملات المحلية والتحوط من آثار التضخم، وتقلب أسعار العملات العالمية في العامين الماضيين، ومن المرجح أن يكون هذا الاتجاه قابلا للاستمرار في السنوات المقبلة".
وأرجع الغندور تلك الخطوة إلى التقلبات الناتجة عن السياسة الأميركية والقرارات التي صدرت من قبل إدارة الرئيس ترمب، والتي كانت من توجهاتها خفض قيمة الدولار الأميركي، وتوقعات بنشوب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة مع الصين والاتحاد الأوروبي وتأثيرها المباشر على زيادة الطلب على الذهب. وأفاد بأن "السعودية تأتي على رأس أكثر الدول الخليجية التي زادت من حيازتها من الذهب خلال العام الماضي بزيادة تخطت11%، حيث وصل رصيدها إلى 323 طنا من الذهب علاوة على وجود تحركات ملحوظة لكل من الإمارات وقطر في هذا الاتجاه. وتوقع خبير المعادن الثمينة قيام بعض البنوك المركزية في الخليج برفع حيازات الذهب لديها خلال العام الحالي في إطار التحوط ضد التوترات الجيوسياسية والأحداث المؤثرة على قيمة الدولار علاوة على الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
توجه عالمي لا يقتصر على دول الخليج
وحول التوجه العالمي حول زيادة الرصيد الأصفر، قال أحمد الإمام، الخبير الاقتصادي إن "زيادة حجم احتياطيات الذهب يعتبر توجها عالميا في الوقت الراهن ولا يقتصر على الدول الخليجية فقط، في ظل وجود شهية قوية لدى البنوك المركزية الكبرى لا سيما في الصين وروسيا"، لافتاً إلى أن "مجمل احتياطيات الدول الخليجية يعتبر ضئيلا يصل إلى نحو 1.34% من الاحتياطي العالمي، وبالتالي هناك فرصة جيدة لزيادة احتياطها من المعدن النفيس". وأضاف "إنه في السابق كانت الدول الخليجية لا تعوّل على الذهب في سلة الاحتياطي الخاص بها، ولكن تغيرت نظرتها على مدار الأعوام الخمسة الماضية إلى حيازة المزيد من الذهب ورفع وزنه النسبي من إجمالي الاحتياطيات الدولية"، موضحاً أن "الذهب أقدم أنواع الاحتياطي الذي استخدمته الدول وما زالت تستخدمه حتى الآن، ويمثل الاحتياطي الرئيسي لأكبر البنوك المركزية في العالم".
وذكر "أن مهام ووظائف البنوك المركزية حول العالم من الإصدار النقدي للعملة الوطنية والمحافظة على الاستقرار النقدي، والرقابة على البنوك والمؤسسات المالية في الدولة، وهو يمثل بنك الحكومة الأول وكذلك المسؤول عن إدارة احتياطات الدولة من الذهب والعملات الحرة للحفاظ على قيمة العملة والاستقرار النقدي واحتياجات الدولة من النقد الأجنبي اللازم للاحتياجات والسلع الاستراتيجية"، مؤكدا "أن حجم الاحتياطي ومكوناته يتوقف على طبيعة احتياجات الدولة ومعاملاتها مع العالم، ولكن في المعتاد تسعى جميع الدول إلى توازن الاحتياطي النقدي من ذهب وعملات العالم الرئيسية، فيما يعرف بسلة العملات، ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة اتجاه دول العالم إلى تعزيز الوزن النسبي للذهب داخل السلة باعتباره الملاذ الآمن وقت تقلبات أسعار العملات الرئيسية".
الاستثمار في الأصول الآمنة
وقال مجلس الذهب العالمي، وهو منظمة عالمية، إن حالة عدم اليقين وتزايد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية تلقي بظلالها على مستقبل الاقتصاد العالمي مما أدى إلى دفع البنوك المركزية بشكل متزايد إلى تنويع احتياطاتها وإعادة تركيز اهتمامها على الهدف الرئيسي المتمثل في الاستثمار في الأصول الآمنة والسائلة. وكشف في تقرير حديث اطلعت عليه "اندبندنت عربية" أن البنوك المركزية حول العالم زادت حيازتها من الذهب بنحو 91 طناً خلال أول شهرين من 2019، مقارنة بنحو 56 طنا بالفترة المماثلة من العام الماضي. وتضمنت المشتريات نحو 51 طنا تمت خلال فبراير( شباط) وهي أعلى زيادة منذ أكتوبر( تشرين الأول) 2018.
وذكر أن البنوك المركزية (معظمها من الأسواق الناشئة) تواصل زيادة حيازتها من الذهب بوتيرة صحية، مضيفا أن التنويع بين الأصول الاحتياطية لا زال الدافع الرئيس نحو توجه البنوك المركزية لشراء الذهب.
وتابع المجلس "على الرغم من مرور عقد من الزمان منذ الأزمة المالية العالمية، يرى مجلس الذهب أن رد فعل البنوك المركزية في ظل ارتفاع الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية كانت في تعزيز احتياطاتها من الذهب".
وحسب دراسة استقصائية حديثة نفذها مجلس الذهب، فإن 76% من البنوك المركزية ينظرون إلى دور الذهب كأصل وملاذ آمن للغاية، بينما أشار 59٪ إلى فعاليته كمنوع لتنويع المحافظ.
أميركا أكثر الدول امتلاكا للذهب
وتحتفظ الولايات المتحدة الأميركية بصدارة قائمة أعلى الدول امتلاكاً لاحتياطات من الذهب بحيازة 8133 طنا، وهو ما يمثل 74.9% من إجمالي احتياطاتها الدولية، تلتها ألمانيا في المرتبة الثانية بحيازة 3369 طنا من الذهب يشكل نحو 70.6% من إجمالي ما تمتلكه من الاحتياطات. وجاء صندوق النقد الدولي في المرتبة الثالثة رغم أنه المؤسسة المالية الوحيدة الموجودة داخل ترتيب الدول الأكثر حيازة بـ 2814 طناً.
وجاءت إيطاليا في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث حجم احتياطي الذهب بـ 2451.8 طن تعادل 66.9% من إجمالي احتياطاتها الدولية، ثم فرنسا خامسة بحيازة متقاربة بلغت 2436 طنا أو ما يوازي 61.1% من إجمالي الاحتياطات. وجاءت روسيا في المرتبة السادسة عالميا بنحو 2150.5 طن ثم الصين 1874.3 طن وسويسرا 1040 طنا واليابان 765.2 طن وهولندا 612.5 طن.