بالكاد تستطيع الطفلة راما (ثلاث سنوات) تحريك أطرافها، فوزنها سبعة كيلو غرامات، بينما تحدد مخططات النمو لمنظمة الصحة العالمية الوزن الطبيعي للطفل بالعمر نفسه من 11 إلى 18 كيلو غراماً، وهي مصابة بمرض فقر الدم نتيجة سوء التغذية، وعائلتها مصنفة ضمن الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع في قطاع غزّة.
النحافة والشحوب ليسا فقط ما تعانيه راما، بل أيضاً مصابة بنقصان الفيتامينات والهزال وقصر القامة، وكلها عوارض سوء التغذية التي تعانيها برفقة عائلتها، تقول والدتها إن معاناتها أخّرت النطق لديها، وظهرت عليها مشاكل في حاسة السمع، وليست لديهم القدرة المالية لتوفير أيّ مكملات غذائية لازمة لحالتها.
سوء تغذية
المشاكل الصحية التي تعانيها راما، بدأت وهي في رحم والدتها، فبسبب ضعف الحالة الاقتصادية لأسرتها، لم تستطع الأم توفير الأصناف الغذائية المهمة، ولم تتمكن من شراء أيّ فيتامينات أو مكملات غذائية.
وفي الواقع، يعاني 73 في المئة من سكان قطاع غزّة من انعدام الأمن الغذائي، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وأكثر من 56 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر (التحصيل اليومي أقل من خمسة دولارات) بحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية).
وهذه العوامل رفعت أعداد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في غزّة، تؤكّد ذلك مسؤولة برنامج الصحة والتغذية في منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" كنار القاضي لافتة في الوقت عينه إلى أن نتائج المسح العنقودي حول تأخر الغذاء عند الأطفال في القطاع شهد ارتفاعاً واضحاً، وبلغت النسبة 40 في المئة من أطفال غزّة المعرضين لخطر عدم تحقيق إمكاناتهم التنموية الكاملة.
المعدلات فاقت مؤشرات الصحة العالمية
ويعاني في غزّة أكثر من 15 ألف طفل من أصل 55 ألفاً سنوياً من سوء تغذية، معظمهم مصابون بنقص الفيتامينات بنسبة ثمانية في المئة، أيّ أربعة أضعاف المسموح بها دولياً والتي تحددها منظمة الصحة العالمية بمعدل اثنتين في المئة.
وبحسب مؤشرات منظمة الصحة العالمية، فإن أيّ مشكلة صحية تجاوزت نسبة الإصابة بها اثنتين في المئة، فإن المنطقة التي توجد فيها تلك الحالات تصنف "منكوبة".
وتشير القاضي أيضاً إلى أن فئة الأطفال حتى عمر خمس سنوات هي التي تنطبق عليها آفة سوء التغذية، وينتج من ذلك قصر في القامة ونقصان في الوزن وهزال في الجسد، ما يؤدي إلى الإصابة بإعاقات وتأخر في النمو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مجتمع فقير
وفق بيانات "يونيسف" فإنّ تسعة في المئة من أطفال غزّة حتى سن الخامسة قصار القامة، وأكثر من خمسة في المئة يعانون من نقص شديد في الوزن، وثلاثة في المئة منهم يعانون الهزال، وتطابقت هذه المعلومات مع جهاز الإحصاء الفلسطيني.
وتوضح القاضي أن في غزّة من بين 1000 مولود هناك 24 حالة وفاة، بسبب سوء تغذية الحوامل، وأكثر من 25 في المئة من الأطفال يعانون من فقر الدم، وتعزى الأسباب إلى ارتفاع نسب الفقر وعدم القدرة على توفير نوعية غذاء جيدة للأطفال، إضافة إلى الاعتماد على بدائل حليب الأم (الرضاعة بالزجاجة) عوضاً عن الرضاعة الطبيعية.
ويعتمد أكثر من 80 في المئة من سكان غزّة على المساعدات الغذائية (تقدمها "أونروا") أو الإعانة الاجتماعية (تقدمها الحكومة)، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة البطالة إلى 70 في المئة، وفق إحصاء البنك الدولي، إلى جانب خسارة كلّ فرد عامل في القطاع قرابة تسعة آلاف دولار أميركي سنوياً نتيجة الحصار المتواصل منذ 15 عاماً، بحسب دراسة للمرصد الأورومتوسطي.
السقوط في الهاوية
يقول عدنان الوحيدي المدير التنفيذي لجمعية أرض الإنسان الخيرية (غير حكومية مهتمة بصحة الطفل) إن نسبة إصابة الأطفال بسوء التغذية في غزّة دخلت معدلات فاقت الكثير من العالم، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها أهالي القطاع، إذ لا تتمكن الأسر الفقيرة من تقديم الغذاء النوعي، الذي يحتوي على عناصر محددة، ويؤكد أنّ قطاع غزّة يعيش حالة هشة في ما خصّ الوضع الغذائي، وهو جاهز للسقوط في الهاوية، في ظل الخسائر الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي، وعدم توفر إمكان جلب مكملات غذائية بسرعة.
وما زاد الطينة بلّة، تقليص وكالة الأمم المتحدة لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" منذ بداية العام الجاري مساعداتها الغذائية التي تقدمها للاجئين، نتيجة الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها بعد وقف عدد من الدول المانحة التمويل عنها.
الاقتصاد تدعم الدقيق
ويتهم عدد من أختصاصي التغذية وزارة الاقتصاد بالتقصير في متابعة تأمين الأغذية "المدعّمة" الواردة إلى غزّة، خصوصاً القمح والدقيق، معتبرين أن استمرار تدعيمها يساهم في تقليل نسبة سوء التغذية.
ويردّ على ذلك، الناطق باسم وزارة الاقتصاد عبد الفتاح أبو موسى، مؤكداً الاستمرار بدعم الدقيق بالحد الأدنى من العناصر الغذائية، على أن يحتوي عناصر معتمدة من وزارة الصحة، ويشمل الحديد والزنك ومجموعة فيتامينات ومعادن، وكذلك يشترطون تدوين كلمة "مدعّم" على كل عبوات الدقيق، إلى جانب ذكر المحتويات المضافة إليه.