من بين الامتحانات المتعددة، تدخل جامعة الدول العربية، الموصوف دورها بـ "المتراجع" أمام أزمات واضطرابات المنطقة خلال السنوات الأخيرة وفق مراقبين، في اختبار جديد الشهر المقبل في شأن منصب الأمين العام واحتمالات التجديد لأمينها الحالي أحمد أبو الغيط، بحسب ما قال دبلوماسيون عرب ومصريون لـ "اندبندنت عربية"، وذلك بعد أن شهد تعيينه في ولايته الأولى عام 2016 خلفاً للدبلوماسي المصري نبيل العربي، تحفظاً معلناً للمرة الأولى من إحدى الدول العربية، وهي قطر.
فمنصب الأمين العام للجامعة العربية، والذي "حُكمه عرفاً" بين دول المنظمة الإقليمية، بأن يكون من نصيب دولة المقر (مصر)، لطالما تململت "علناً وضمناً" عدد من الدول العربية منه، مطالبة بتدويره لإفساح المجال لأشخاص أكثر كفاءة وقدرة على مواجهة التحديات، مما طرح أسئلة حول ما إذا كانت التحديات تبقى في جنسية المنصب أم توفر الإرادة السياسية للدول الأعضاء نحو تحقيق ما أنشأت من أجله المنظمة في أربعينيات القرن الماضي.
وقبل أسابيع من إقرار الترشيح الجديد المقرر في مارس (آذار) المقبل، وما إذا كانت الثقة ستجدد في ولاية ثانية لأبو الغيط، بعدما أعلنته القاهرة مرشحها الرسمي للمنصب في إطار اهتمامها الكبير الذي توليه تجاه عمل الجامعة التي يجتمع تحت سقفها العرب، وتجسّد طموحاتهم في عمل جماعي منسق يهدف إلى خدمة شعوب ومصالح دول المنطقة"، تحاول "اندبندنت عربية" تقصي ما وراء الكواليس في "بيت العرب"، واحتمالات حدوث "مفاجآت" في اللحظات الأخيرة حال فشل توافقات الدبلوماسية العربية، فضلاً عن التحري عن مدى الانقسامات والمساومات التي تحكم الدبلوماسية العربية في ذلك المبنى الأبيض ذي النوافذ الخضراء الواقع في قلب القاهرة.
التجديد لأبو الغيط بين التململ والالتزام بالعرف
وفق مصادر دبلوماسية عربية ومصرية تحدثت إلينا، مشترطة عدم ذكر اسمها، لا يخفى على أحد أن تململاً عربياً اتسعت هوته خلال السنوات الأخيرة من قدرة وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبو الغيط على مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه المنطقة العربية، موضحة أن " بعض الدول تعزو تراجع دور الجامعة إلى شخصية أمينها العام، والبعض الآخر يرجعه إلى مدى الانقسام في الأولويات التي ضربت الدبلوماسية العربية خلال السنوات الماضية".
وبحسب دبلوماسي مصري رفيع المستوى، فإن "نظام ميثاق الجامعة العربية لا يمنح للأمين العام صلاحيات كبيرة، وهو ما انعكس بشكل واضح في إخفاق أبو الغيط في عدد من الملفات"، موضحاً أن "هناك توقعات حالية باحتمال فشله للمرة الثانية هذا العام في عقد القمة في دورتها الـ 31 خلال مارس (آذار) المقبل، على الرغم من إعلان وزير الخارجية الجزائري أخيراً أن الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي ستؤول إليه رئاسة القمة سيحدد تاريخ انعقادها بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية".
وأواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت القاهرة عزمها إعادة ترشيح أبو الغيط لفترة جديدة لمدة خمس سنوات. وبحسب بيان لرئاسة الجمهورية المصرية، وجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رسائل إلى القادة العرب أعرب فيها عن عزم مصر إعادة ترشيح أبو الغيط، والتطلع إلى دعم القادة لهذا الترشيح، وفقاً لما تقضي به أحكام ميثاق الجامعة، موضحاً أن دور أبو الغيط خلال فترة ولايته الأولى المقرر انتهاؤها في يونيو (حزيران) المقبل، اتسم بـ "إدارة واعية وحكيمة لدفة منظومة العمل المشترك خلال مرحلة مليئة بالتحديات شهدتها المنطقة العربية".
لكن في السياق ذاته، وقبل أسابيع من الإعلان المصري، يبدو أن بعض الأطراف العربية كانت ترى شيئاً مغايراً، لا سيما مع احتمال دفع إحدى الدول لمرشحين منافسين لأبو الغيط، أو المساومة بورقة تدوير المناصب بهدف تعظيم أدوارها داخل المنظمة العربية.
وبحسب إحدى المصادر الدبلوماسية (عربي الجنسية) العاملة في مكتب الأمين العام للجامعة، "كانت هناك تحركات عربية قبل الإعلان المصري الرسمي للدفع بأحد المرشحين الخليجيين المشهود له بالكفاءة والقدرة والخبرة لقيادة العمل العربي خلال الفترة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح المصدر الدبلوماسي أن "مندوب إحدى الدول الخليجية الكبرى في الجامعة العربية (لم يسمّها) سعى إلى بناء توافقات حول احتمال ترشيح بلاده لأحد وزرائها المعنيين بالسياسية الخارجية إلى منصب الأمين العام للجامعة، لكن الأمر تلاشى بعد إعلان القاهرة تجديد الثقة بأبو الغيط". وتابع، "يبدو أن تفاهمات الدبلوماسية المصرية عربياً قادت إلى تثبيت تجديد الثقة به لولاية ثانية".
ووفق المصدر ذاته، "فبعد أيام من إعلان القاهرة بدأت برقيات التأييد والدعم لتجديد الثقة بأبو الغيط تتوالى على مكتب الأمين العام"، وقد تجاوزت تأييد 10 دول من أصل 22 حتى الآن، وفي انتظار المزيد. لكن في الوقت ذاته، يوحي عدم "إجماع الدول الأعضاء على إرسال برقيات التأييد حتى اللحظة، بوجود شيء ما خلف الكواليس، مما يعزز احتمالات المفاجأة في الأيام الأخيرة قبل انعقاد القمة المقبلة في الجزائر.
هل من مفاجآت "متوقعة"؟
على الرغم من استقرار العرف بين الدول الأعضاء لجامعة الدول العربية على مسألة تولي المرشح المصري منصب الأمين العام، إلا أن السنوات الماضية شهدت مفاجآت خلال الاجتماعات التي كانت مخصصة لتزكية هذا الترشيح.
ففي العام 2011 ظهر منافس جديد للمرشح المصري حينما تقدمت دولة قطر بمذكرة إلى الأمانة العامة للجامعة لترشيح مواطنها والأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن بن حمد العطية لتولى المنصب خلفاً لعمرو موسى، كما أعلنت السودان دعمها هذا الترشيح قبل أن يتم التوافق على دعم وزير الخارجية المصري حينذاك نبيل العربي كمرشح مصري بديل للمفكر والدبلوماسي المصري مصطفى الفقي، الذي لم يحظ بالدعم العربي اللازم.
وفي العام 2016، تم إرجاء التصويت على المرشح المصري بعد أن تحفظت قطر والسودان على ترشيح أبو الغيط الذي عمل وزيراً لخارجية مصر سبع سنوات إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، من دون أن تتقدم أية دولة بمرشح بديل، ثم جاءت الموافقة على تعيين المرشح المصري، مع تسجيل تحفظ قطر، ومطالبتها الأمين العام الجديد بإزالة أسباب تحفظها على تعيينه. وفي نص التحفظ ذُكر أن الدوحة وافقت على التعيين "حفاظاً على التوافق العربي".
وفيما استبعد دبلوماسي مصري أن تنتهج قطر دوراً مماثلاً لما حدث عامي 2011 و2016، بخاصة بعدما سرت بعض الأقاويل عن أن الدوحة تعمل على الدفع بمرشح جزائري أو مغربي إلى منصب الأمين العام، لكن حتى اللحظة لم يحدث هذا، وربما تتمهل في هذا الطرح لا سيما أن العلاقات المصرية - القطرية تحت الاختبار، على حد وصفه، في أعقاب مصالحة قمة "العلا" بين الدوحة ودول الرباعي العربي (السعودية والبحرين والإمارات ومصر) أوائل العام الحالي.
وقال مصدر دبلوماسي عربي شارك في اجتماعات اختيار الأمين العام الحالي، لـ "اندبندنت عربية"، إن التحفظ القطري كان يتعلق بشخصية المرشح ومواقفه السابقة من الدوحة وليس حول جنسيته، مشيراً إلى أن "المفاجآت غير واردة في ما يتعلق باختيار الأمين العام، فقد جرت العادة أن يكون من دولة المقر، وأن يتم التجديد له فترة واحدة مدتها خمس سنوات، ولذلك فمنذ تأسيس الجامعة عام 1945 نجد أن جميع الأمناء العامين من مصر، وعندما نقل المقر إلى تونس عام 1979 أصبح الأمين العام تونسياً أيضاً، لكنه استقال بعد عودة الأمانة العامة إلى القاهرة عام 1990"، مشيراً إلى أن "ما حدث عام 2011 كان نتيجة ظروف ذلك العام التي أدت إلى تأخر القاهرة في الدفع بمرشحها ووجود مرشح قطري منافس".
ويرى المصدر أن ظروف تجديد ولاية أبو الغيط تختلف عن ظروف ترشحه، مستبعداً إمكان حدوث مفاجآت خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية برئاسة قطر الشهر المقبل، والذي سيتضمن في جدول أعماله بحث هذه المسألة وحسمها، معتبراً أن "القاهرة سارعت إلى إعلان عزمها إعادة ترشيح أبو الغيط، ووجّه الرئيس السيسي رسائل إلى القادة العرب بهذا الخصوص، مما يعني أن القاهرة فضلت التحرك على مستوى القادة لدعم ترشيحها في إطار توافقي وفقاً لأحكام ميثاق الجامعة، ومن ثم سيحمل الوزراء العرب تفويضاً من القادة لحسم هذا الملف واتخاذ القرار".
لكن مصدراً دبلوماسياً آخر قال إن "من السيناريوهات الحرجة التي قد تواجهها الجامعة العربية قريباً مسألة عدم التوافق على التجديد لأبو الغيط، مما قد يضطر مصر إلى ترشيح بديل عنه"، موضحاً أن "أسماء عدة في بورصة الأسماء المرشحة للمنصب من مصر، من بينها رئيس جمهورية مصري سابق وسفير مصري بارز في إحدى دول الشرق الأوسط، لكن تم إعلان أبو الغيط في نهاية المطاف كمرشح لمصر، ونتوقع أن تقوم القاهرة بالترتيب لكل الخيارات المتوقعة وغير المتوقعة، وستكون هناك جلسات جس نبض، كما سيشهد الأسبوعان المقبلان تحركات نشطة من القاهرة، واتصالات دبلوماسية مع الدول العربية في هذا السياق".
وذكر المصدر ذاته أن من بين السيناريوهات المتوقعة والتي يجري الحديث عنها في الكواليس، أنه في حال وجود تحفظ عربي على اسم أبو الغيط، فإن المرشح الأبرز الذي قد تدفع به القاهرة كبديل هو وزير الخارجية المصري الحالي سامح شكري، معتبراً في الوقت ذاته أن "إخفاقات أبو الغيط في فترة رئاسته للجامعة ارتبطت بشكل وثيق برغبات لدى بعض الدول العربية في عدم إنجاح مهمات الأمين العام، ومنها على سبيل المثال فشل مشاريع تطويرها خلال ولايات مختلفة، فضلاً عن أزمة التمويل وموازنة المنظمة".
تدوير "المناصب" أم تقاسمها؟
مع كل فترة تجديد أو ترشيح أمين عام جديد للجامعة العربية، تزداد الأصوات العربية في شأن "تدوير" المنصب.
ويقول دبلوماسي مصري، "هناك بعض الدول العربية لديها عزم حقيقي على تدوير المنصب وألا يكون الأمين العام مصرياً، وفي حال فشل ذلك فسيكون المقابل زيادة حصتها في المناصب الرسمية المهمة في الجامعة".
ويشير إلى أن "منصب الأمين العام الجديد لن يتم حسمه قبل أن تتضح مواقف الدول العربية الموقعة على معاهدات السلام مع إسرائيل، بخاصة أن فكرة جامعة الشرق الأوسط في مقابل الجامعة العربية مطروحة بقوة، فهناك أفكار خاصة بنظام الأمن الشرق أوسطي، وهذا قد يعرقل عمل الجامعة وجهود أي أمين عام جديد سواء كان مصرياً أم غيره".
ووفق مراقبين، فمما يعزز فكرة تدوير المنصب تولي الجزائر رئاسة القمة العربية المقبلة، وسعيها إلى تنشيط دبلوماسيتها لضمان عودة دورها الإقليمي والعربي بعد عقود من الغياب الطوعي إبان حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وأوضح مراقبون جزائريون أن بلادهم لها موقف ثابت يدعو إلى تدوير منصب الأمين العام بين الدول الأعضاء، فضلاً عن ترشيحها سابقاً لوزير خارجيتها المخضرم الأخضر الإبراهيمي، الذي تولى أيضاً رئاسة لجنة خبراء تعديل ميثاق الجامعة العربية خلال فترة الأمين العام السابق نبيل العربي، إذ أقرت اللجنة مقترح "التدوير" في مقابل العرف السائد بأن يكون الأمين العام مصرياً.
وعلى الرغم من استبعاد طرح الجزائر مرشحاً منافساً لأبو الغيط، يرى المراقبون أن منصب نائب الأمين العام الذي ظل شاغراً منذ وفاة الدبلوماسي الجزائري أحمد بن حلي عام 2017، من الممكن أن يكون من نصيب جزائري آخر، بعد أن شغله بن حلي منذ 2009 وحتى وفاته، حيث كان النائب الوحيد الذي تم التجديد له في عهد ثلاثة أمناء بعد أن كان مستشاراً للأمين العام (الخامس) أحمد عصمت عبدالمجيد منذ العام 1994.
وقال الباحث السياسي الجزائري أحمد بوداود إن الجزائر "متمسكة بمنصب نائب الأمين العام وتطمح إلى استعادته خلال الفترة الراهنة"، مضيفاً، "منذ ما يزيد على ستة أشهر هناك تحركات دبلوماسية جزائرية مباشرة وغير مباشرة في هذا الصدد، وربما لن يكون الطرح الجزائري مباشراً خلال القمة المقبلة التي ستشهد إعادة ترشيح الأمين العام، لكن نتصور أن الجزائر ستتمسك بهذا المنصب العربي المهم لدعم مساعي دبلوماسيتها في استعادة مكانتها التي تأثرت نوعاً ما بالتحولات السياسية الداخلية خلال السنوات الأخيرة، والآن هناك اتجاه قوي للحضور في القضايا العربية والإقليمية، مثل الأزمة الليبية أو حتى في ملف الصحراء الغربية الذي يؤثر بطبيعة الحال في العلاقات العربية - العربية، بخاصة بين الجزائر والمغرب".
وأدت جائحة كورونا إلى تأجيل القمة العربية الماضية التي كان مقرراً استضافتها في الجزائر العاصمة. ويرى الكاتب الجزائري مصطفى بونيف أن بلاده التي أعلنت تمسكها باستضافة القمة خلال العام الحالي، لديها "مواقف مبدئية وقضايا تريد طرحها خلال القمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومسألة عودة سوريا إلى الجامعة باعتباره مطلباً جزائرياً، وغيرها من الملفات الشائكة في المنطقة، وعلى رأسها ليبيا والصحراء الغربية".
ويرى بونيف أن وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة يحظى بدعم جزائري وعربي لتولي منصب نائب الأمين العام للجامعة العربية خلال الفترة المقبلة.
هل انحصرت الأولويات في المناصب؟
على الرغم من تباين الآراء في شأن المناصب الرئيسة بالجامعة، يرجع مراقبون تراجع دورها في مواجهة تحديات وأزمات المنطقة إلى عوامل تتعلق بـ "إرادة الدول الأعضاء ومدى توافقها على تحديد التحديات، فضلاً عن اتساع الهوة في العلاقات العربية وأزمة تمويل المنظمة".
وبحسب وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، فإن "الأمانة العامة للجامعة تضع مقترحات تبقى غير قابلة للتنفيذ من دون موافقة الدول الأعضاء"، معتبراً أن أبرز التحديات أمام العمل العربي المشترك تكمن في "توفير الإرادة السياسية للوفاء بالمتطلبات، والتزام الدول الأعضاء بدفع اشتراكاتها، فضلاً عن العمل الجاد والصادق لتنقية الأجواء العربية التي تؤثر في كفاءة عمل الجامعة، واعتماد خطط ورؤى واضحة لمواجهة تدخلات الدول الإقليمية المثيرة للانقسامات وعدم الاستقرار".
ووفق العرابي، "تثار دوماً مسألة تدوير المناصب وكأنها الحل، لكن في نهاية المطاف ليست كذلك، فمنصب الأمين العام هو كبير الموظفين الذي يخطط وينفذ السياسات بعد إقرارها، والمهم يكمن في إرادة سياسية من الدول الأعضاء"، مشيراً في الوقت ذاته إلى ضرورة "التفرقة بين ما إذا كانت فكرة التدوير شخصية أم انعكاساً لسياسات دول أعضاء في الجامعة"، معرباً عن توقعه "حدوث مفاجآت في اللحظات الأخيرة في ما يتعلق بمنصب الأمين العام للجامعة العربية".
بدوره، يرجع المندوب المصري الأسبق في الجامعة العربية، السفير سيد قاسم المصري، "تراجع دورها إلى محدودية اختصاصات أمينها العام بغض النظر عن جنسيته وقدراته"، موضحاً أنه "في المنظمات الدولية تبقى سلطة الأمين العام غير تنفيذية ومقيدة بإرادة الأعضاء".
في الاتجاه ذاته، يقول مدير المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في القاهرة، محمد مجاهد الزيات، إنه "على الرغم من أن فكرة تدوير المناصب مطروحة منذ فترة وباتت أكثر إلحاحاً من جانب بعض الدول الأعضاء خلال السنوات الأخيرة، إلا أن السؤال الأهم هو أين هي الجامعة من قضايا ومشكلات المنطقة؟".
وبحسب الزيات، "فكثير من المنظمات التي جاء إنشاؤها بعد تاريخ الجامعة العربية أكثر قدرة وكفاءة على تحريك الأوضاع في الدول الخاضعة لولايتها، وهذا نابع من جدية هذه الدول الأعضاء في حل مشكلاتها في سياق المنظمة الإقليمية".
وتابع، "المواقف المتناقضة تجعل المنظمة غير قادرة على الحركة، ولا يمكن للأمين العام تحريك الجامعة ما لم يكن الأعضاء راغبين في ذلك، فكثير من القرارات اتخذت ولم تُنفذ".
8 أمناء في عمر الجامعة
منذ تأسيسها في مارس 1945، أي قبل نحو 76 عاماً، مرّت على منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ثمان شخصيات، سبع منها مصرية، فيما كان الأمين الرابع في عمرها تونسي وهو الشاذلي القليبي، وذلك في وقت بقي ميثاق الجامعة المؤلف من 20 مادة حددت أهداف ومقاصد الجامعة والأطر الأساسية لنظام عملها، من دون تغيير أو تطوير، مما مثل إشكالاً متجدداً في شأن فاعلية المظلة العربية الأبرز في المنطقة.
وكان أول أمين عام للجامعة هو عبدالرحمن عزام، الذي تم اختياره عند توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945، وظل في منصبه حتى العام 1952. وكان عزام أول الداعين لفكرة إنشاء اتحاد عربي يضم جميع الشعوب العربية، والذي تمخض عنه إنشاء الجامعة.
وفي العام 1952، اُنتخب المصري عبدالخالق حسونة أميناً عاماً واستمر في منصبه حتى العام 1972، وعقدت أثناء فترة توليه أمانة الجامعة قمة بيروت عام 1956، ومؤتمرات القمة العربية الخمسة الأولى، وكلها مؤتمرات عادية، لكن آخر المؤتمرات وأبرزها مؤتمر القمة غير العادية في القاهرة العام 1970.
وفي العام 1972، تولى المنصب محمود رياض (عسكري مصري) والذي عمل سابقاً سفيراً لبلاده في دمشق عام 1955، واشترك مع الوفد المصري في توقيع الوحدة مع سوريا عام 1958، وشغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1964 و1972، ولكن بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وإعلان الرئيس المصري الراحل أنور السادات عزمه إقامة اتفاق سلام مع إسرائيل، حشدت الدول العربية جبهة رفض لمصر، انتهت بالاتفاق على تجميد عضويتها في الجامعة ونقل مقرها الدائم من القاهرة إلى تونس العاصمة، ولذلك تقدم رياض باستقالته من منصبه في مارس 1979.
ومع انتقال مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، شغل التونسي الشاذلي القليبي منصب الأمين العام بين عامي 1979 و1990، ومن أبرز الأحداث في عهده تكوين لجان لتنقية الأجواء العربية، وبحث الوضع في القرن الأفريقي، ودعم التعاون العربي - الأفريقي، وإدانة الإرهاب الدولي. وفي 2 أغسطس (آب) 1990 قدم القليبي استقالته من جامعة الدول العربية قبيل حرب الخليج الثانية احتجاجاً على التدخل الأجنبي في شؤون العراق.
وبعد عودة مصر إلى الجامعة، انتخب مجلسها بالإجماع أحمد عصمت عبدالمجيد في 15 مايو (أيار) 1991، وبقي في المنصب 10 سنوات حتى جاء ترشيح عمرو موسى الذي كان وقتها وزيراً لخارجية مصر، في مايو 2001.
وقاد موسى عدداً من المبادرات، مثل إنشاء البرلمان العربي وصندوق دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وخلال فترة ولايته شهدت المنطقة الغزو الأميركي للعراق والحصار الإسرائيلي على غزة.
وفي أعقاب أحداث الربيع العربي عام 2011، قررت مصر الدفع بالسفير نبيل العربي لتولي الأمانة العامة للجامعة العربية بعد سحبها ترشيح مصطفى الفقي.
وفي العام 2016 تولى أبو الغيط المنصب، وهو آخر وزير خارجية في عهد الرئيس الراحل مبارك.