يقول دبلوماسي إيراني على علاقة وثيقة بالملف العراقي إن بلاده لن تتخلى عن تمسكها بمبدأ الانتقام لاغتيال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، مطلع عام 2020 بالقرب من مطار بغداد، والذي حدده المرشد الأعلى علي خامنئي بخروج القوات الأميركية من منطقة غرب آسيا، تحديداً من أفغانستان والعراق وسوريا.
ويضيف أن هذا الموقف لن يتغير مع التغير الحاصل في الإدارة الأميركية وخروج دونالد ترمب من البيت الأبيض، ودخول جو بايدن وكل الإشارات الإيجابية التي تصدر عنه بشأن إمكانية حل الأزمة النووية، وما يلحقها من عقوبات اقتصادية ومالية.
الاستراتيجية الإيرانية
ولا يتردد هذا الدبلوماسي الإيراني في الإعراب عن ارتياح قيادة بلاده للتغيير في واشنطن، وما يمكن أن يرافقه من انعكاسات على التعامل بينها وطهران، مشيراً إلى أن القيادة الإيرانية وعلى الرغم من السقف المرتفع الذي يسيطر على خطابها حول شروط العودة المتزامنة إلى الاتفاق النووي والخطوة الأولى التي يتوجب على إدارة بايدن القيام بها في مقابل تخلي طهران عن خطوات تقليص تعهداتها النووية، إلا أنها تنظر بارتياح إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأميركية الجديدة.
ويقول إن سلسلة من التفاهمات غير المباشرة وقراءة في النوايا بين الطرفين بدأت بالتمظهر في أكثر من ساحة، بدءًا من الجهود التي تبذلها طهران لتسهيل عملية الحوار الداخلي الأفغاني الذي يسهم في تدعيم اتفاق السلام بين واشنطن وحركة "طالبان"، وصولاً إلى اليمن وتأكيد الحكومة الإيرانية على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، استعدادها للمساعدة في عملية السلام وتسهيل آليات الحوار الداخلي بعد وقف إطلاق النار.
وفي العراق، بدأت طهران بإمساك العصا من المنتصف، واعتماد موقف مختلف بين مصطفى الكاظمي وبعض الفصائل المحسوبة عليها والمشاركة في حكومته، مع ميل واضح إلى منح مجلس الوزراء جرعة دعم تسمح له بتمرير المرحلة الانتقالية وتبعد ضغوط الفصائل عليه من دائرة المسؤولية الإيرانية، مع الإبقاء والتمسك بمطلب خروج القوات الأميركية من البلاد وتوظيف كل الطاقات في سبيل ذلك، لكن من دون الاعتماد على الفصائل التاريخية، بل بفتح الباب أمام إمكانية استخدام دماء جديدة من فصائل غب الطلب أو للاستخدام مرة واحدة ("يك بار مصرف" في اللغة الفارسية)، كما حصل مع جماعة "أولياء الدم"، التي أعلنت مسؤوليتها عن استهداف مطار وقاعدة أربيل في 15 فبراير (شباط) الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذه المجموعات ينتهي دورها عند انتهاء المهمة الموكلة إليها، التي ستكون محكومة بفترة زمنية محددة لا تسمح لها بالتحول إلى واقع أمني قد يطمح للانتقال إلى الواقع السياسي، وما يجلبه ذلك من أعباء لطهران، كما حصل مع الفصائل الأخرى القائمة حالياً والمشاركة في الحكومة.
ويشير الدبلوماسي إلى أن الهدف الإيراني بإخراج القوات الأميركية من غرب آسيا لا يزال قائماً، وأن طهران لن تتخلى عنه كهدف استراتيجي، إلا أنها ستلجأ إلى تغيير في التكتيك بغية تحقيقه، من خلال عدم الإقدام على أي عمل عسكري مباشر، مع الاستمرار في توجيه الرسائل العسكرية عبر مجموعات غب الطلب بحيث لا تدفع الأمور إلى مواجهة مباشرة أو واسعة، بل تسهم في تعزيز ودعم الجهود الدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف، أي أن إخراج هذه القوات لن يكون عبر العمل العسكري، بل الجهد الدبلوماسي والسياسي.
ويلفت هذا الدبلوماسي إلى أن إدارة الرئيس بايدن وفي أول تعليق لها على قرار ترمب سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، تحدثت عن ضرورة إعادة النظر فيه، من دون الإشارة إلى الآلية التي ستعتمدها لتحقيق ذلك، فضلاً عن أنها لم تلجأ إلى إلغاء قرار خفض عديد هذه القوات إلى حدود 2500 عنصر على غرار ما فعله بايدن بالنسبة إلى قرارات عدة سبق لسلفه أن اتخذها.
قوات "ناتو"
انطلاقاً من هذه القراءة، تتعامل إيران مع القرار الأخير الذي اتخذته قيادة حلف شمال الأطلسي ("ناتو") في 18 فبراير 2021 بزيادة عديد قواتها في العراق من 500 عنصر إلى ما يتراوح بين 4 إلى 5 آلاف عنصر، مع إدخال تعديل في مهمتها التي كانت محددة في تدريب القوات العسكرية والأمنية، لتضاف إليها مهمة المساعدة في محاربة "داعش"، أي الدخول على مهمة القوات الأميركية التي تعمل في البلاد تحت لواء التحالف الدولي لمحاربة التنظيم. وإن عودة "ناتو" لتفعيل عمل قواته ورفع عديدها، يأتي بعد قرار تخفيضها قبل سنة تقريباً على خلفية تصاعد التهديدات العسكرية الإيرانية الانتقامية، رداً على اغتيال سليماني.
وترى طهران أن تحرك "ناتو" في هذه المرحلة، يعتبر محاولة أميركية للالتفاف على قرار البرلمان العراقي الذي أقرّ في 5 يناير (كانون ثاني) الماضي تكليف الحكومة التوصل إلى آلية مع واشنطن لسحب قواتها من البلاد، وأن توسيع عمل الحلف بحسب القرار الأخير يأتي كمدخل لتأمين غطاء قانوني لواشنطن يسمح لها بالإبقاء على قواتها في إطار "ناتو"، خصوصاً أن القيادة العسكرية في هذه الحالة ستكون لواشنطن التي لا يسمح دستورها لأي جندي أميركي بتلقّي الأوامر من قائد من جنسية أخرى. وهو ما حدث عملياً بعد الدخول الأميركي إلى العراق عام 2003، الذي تحول بعد قرار مجلس الأمن إلى احتلال وفتح الطريق أمام قوات "ناتو" للدخول بمهمة التدريب بطلب من الحكومة العراقية الانتقالية حينها.
أمام هذا الواقع، يبدو أن طهران لن تتعامل مع خطوة "ناتو" بكثير من الإيجابية، وهي تعتبرها خطوة لتأمين غطاء تحت عنوان الأطلسي لبقاء القوات الأميركية في العراق، رافضة الاتهام الذي وُجّه إليها بالوقوف وراء استهداف القواعد الأميركية في أربيل وبلد وقوافل الدعم اللوجستي.
وترى أن هذه العمليات مشكوك في أهدافها والجهات التي تقف وراءها، إذ تبدو كمحاولة لإلصاق التهمة بها بهدف عرقلة المساعي التي تبذلها للوصول إلى إخراج هذه القوات من العراق ومنطقة غرب آسيا بالطرق الدبلوماسية والسياسية، بعيداً من التوتر والتصعيد العسكري، الذي لا ترغب فيه حالياً، إذ تراهن على تفعيل الاستثمار في العمل السياسي والحوار والتفاوض للوصول إلى أهدافها في مختلف الملفات.