Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محور شي جينبينغ الخاسر

السبيل الأمثل لإحباط التحالف الاستبدادي الجديد

الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس شي جينبينغ في قمة مجموعة بريكس في قازان، روسيا، أكتوبر 2024 (مكسيم شيميتوف، رويترز)

ملخص

تواجه الولايات المتحدة اليوم تحديات دولية معقدة نتيجة التعاون المتزايد بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، وقد تكون النتيجة المحتملة حدوث صراعات أو حتى حروب. والمطلوب هو الاستجابة الفعالة لهذه الديناميكيات بهدف مواجهة التهديدات الأساس، مع الحفاظ على استقرار الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط وكوريا الشمالية.

تواجه الولايات المتحدة اليوم البيئة الدولية الأكثر صعوبة وتعقيداً منذ الحرب الباردة، لا بل ربما منذ الحرب العالمية الثانية. ومن السمات الأكثر إثارة للقلق في هذه البيئة التعاون المتزايد بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا. فبعض صناع السياسات والمعلقين يرون في هذا التعاون بداية لمحور جديد خلال القرن الـ21، محور قد يغرق العالم في حرب عالمية مثلما فعل المحور الألماني الإيطالي الياباني خلال القرن الـ20، في حين يتوقع آخرون سلسلة من الصراعات المنفصلة المنتشرة في أنحاء العالم عوضاً عن حرب عالمية ثالثة. وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة هي عالم في حال حرب (فالوضع خطر إلى هذا الحد).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن ما يجب فعله حيال هذا التعاون هو مسألة أخرى. بعض الاستراتيجيين يطالبون بترتيب الأولويات بصرامة والتركيز على أعضاء المحور الذين يمثلون أعظم التهديدات، بينما يعتقد آخرون أن الجهود الشاملة هي التي ستحقق النجاح. لكن أفضل استراتيجية ستكون تلك التي تتبنى عناصر من كلا النهجين مع الاعتراف بأن الصين التهديد الأساس لاستراتيجية الأمن القومي الأميركية في الأمد البعيد، "التهديد المتسارع" وفقاً لوصف وزارة الدفاع الأميركية وبأنها خلال الوقت نفسه جهة فاعلة عالمية لا تشبه شركاءها من الدول المارقة. وبناء على ذلك يجب أن يكون هدف واشنطن التوضيح للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى أي مدى قد تكون هذه العلاقات الجديدة مكلفة وغير مجدية لمصالح بكين. ويعني ذلك مواجهة إيران وكوريا الشمالية وروسيا بفاعلية في مناطقها مما يظهر للصين أن ربط نفسها بمجموعة من "الخاسرين" لن يكون طريقاً إلى النفوذ العالمي.

رفاق السلاح

ركز التعاون بين أعضاء هذا المحور في القرن الـ21 بصورة كبيرة على الدعم العسكري والصناعي والاقتصادي لروسيا في حربها على أوكرانيا التي لا يمكن أن تستمر من دون هذه المساعدة، ومن المتوقع أن التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والتكامل الناشئ الناجمين عن ذلك سيبلغان مستوى يفوق ما كان موجوداً بين شركاء المحور في القرن الـ20. في الواقع تقدم كوريا الشمالية قذائف المدفعية والذخائر الأخرى والأفراد العسكريين والعمال الصناعيين إلى روسيا وتحصل في المقابل على النفط وتكنولوجيا الصواريخ والفضاء. وبطريقة موازية تقدم إيران الصواريخ والمسيرات المنتجة في مصانعها الدفاعية وتساعد في بناء مثل هذه المصانع في روسيا نفسها، وتحصل على المساعدة في برامجها الخاصة بالصواريخ والمسيرات والفضاء وربما الطاقة النووية المدنية أيضاً. أما الصين فتوفر حتى الآن كل شيء باستثناء الأسلحة الفعلية: زيادة كبيرة في التجارة وشراء النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى، والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج التي تدمج في أنظمة الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية والمسيرات وغيرها من الأسلحة وأنظمة الاتصالات، وبدأت أخيراً في تقديم مكونات فعلية للأسلحة الروسية. حتى إن هناك حديثاً عن إنتاج أنظمة طائرات من دون طيار وأسلحة لروسيا في المصانع الصينية. ولكن ما زال من غير الواضح تماماً في هذه المرحلة ما الذي تحصل عليه الصين في المقابل، باستثناء أسعار مخفضة للطاقة وربما نفوذ لا نظير له على روسيا. فبعيداً من الحرب في أوكرانيا زادت الصين وروسيا وشركاؤهما في المحور من التدريبات والعمليات المشتركة، وشمل ذلك استخدام القاذفات والسفن، وحتى القوات البرية.

وعلاوة على ذلك عمل الشركاء في المحور أيضاً على تسريع التنسيق الدبلوماسي في ما بينهم، فاستخدمت بكين وموسكو حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية بعضهما بعضاً وحماية طهران وبيونغ يانغ من القرارات المعاكسة. وأسفرت الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى بين الزعماء وكبار المسؤولين عن سلسلة من الاتفاقيات للتعاون في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها.

 قد لا يكون هذا المحور في القرن الـ21 تحالفاً رسمياً لكنه مع ذلك يمثل تقارباً وثيقاً ومتنامياً في المصالح، يتميز بالمرونة والفعالية بحيث لا يحتاج إلى أن يصبح تحالفاً رسمياً لتحقيق أهداف أعضائه أو تقويض مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا. وحتى في غياب الارتباط الأيديولوجي الحقيقي هناك معاداة مشتركة للغرب ومعارضة للديمقراطية، وتأييد للبدائل السلطوية. إن ما يوحد المحور حقاً ليس الأيديولوجيا بل معارضة مشتركة للقوة الأميركية والنظام الدولي الذي تدعمه، مدفوعة بفكرة أن هذه القوة تمثل تهديداً وجودياً لمصالح أنظمة هذا المحور وتطلعاتها وحتى بقائها.

ويعد الرابط بين الصين وروسيا هو الأهم إذ إنه مبني على العلاقة الشخصية القوية بين شي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي توطدت في أكثر من 60 اجتماعاً خلال فترة وجودهما في السلطة. وهناك بطبيعة الحال مصادر توتر ماضية ومعاصرة بين الصين وروسيا: حدود مشتركة طويلة مع كثير من المساحات الفارغة على الجانب الروسي وعدد كبير من السكان على الجانب الصيني، وشكوك بكين حول علاقة موسكو المتجددة مع كوريا الشمالية، وشكوك موسكو حول النفوذ الاقتصادي المتنامي لبكين في آسيا الوسطى، وكراهية الأجانب الشديدة في كلا البلدين. ولكن من غير المرجح أن يسمح لهذه التوترات على رغم كونها حقيقية بتعطيل العلاقة بين الحكومتين ما دام بوتين وشي على رأس السلطة.

بطاقة الصين

على رغم أن بعض المعلقين نصحوا بمحاولة تفكيك أعضاء المحور، فإن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس تميل نحو الاتجاه المعاكس، وتقترح أن يسعى صانعو السياسات إلى "جمعهم معاً وإجبارهم على التعامل مع العواقب المترتبة على حقيقة أنهم لا يملكون قواسم مشتركة كثيرة". ويمكن تقديم حجج قوية لمصلحة هذا النهج. فمن المؤكد أن أية محاولة لإبعاد بوتين عن المحور ستفشل، فهو يعتمد بصورة مفرطة على هؤلاء الشركاء للحصول على الدعم في أوكرانيا. أما محاولة فصل كوريا الشمالية أو إيران عن المحور تتطلب تنازلات من غير المرجح أن تكون أية إدارة أميركية مستعدة لتقديمها.

ولكن قد تكون الصين مسألة مختلفة. فخلافاً لشركائها في المحور تعد الصين جزءاً من الاقتصاد العالمي. وفي الواقع إن احتمال فرض عقوبات ثانوية واسعة النطاق (وهي عقوبات محدودة ومحددة الأهداف حتى الآن) في حال تجاوزت الصين الخطوط الحمراء الغربية من خلال تزويد روسيا بالأسلحة، قد يهدد بفرض كلف اقتصادية حقيقية. وخلال الوقت نفسه، إن الحرب التي تشنها إيران ووكلاؤها على إسرائيل تهدد بعرقلة إمدادات النفط الحيوية للصين وغيرها من عمليات التجارة مع الشرق الأوسط. أما الموقف العدائي المتزايد لكوريا الشمالية تجاه جيرانها، فقد أضر بالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الصينية مع كل من كوريا الجنوبية واليابان.

وعلى نحو أعمق جعلت الصين من سمعتها رهينة لإنجازات شركائها في المحور. فإذا تبين أنهم يفشلون في جهودهم الرامية إلى فرض إرادتهم على جيرانهم بالقوة سيتضح للعالم أن بكين راهنت على الخاسرين، ولن يؤدي ذلك إلى تقويض مساعي الصين لتقديم نفسها كالقائد العالمي لنظام دولي جديد فحسب، بل سيلحق الضرر أيضاً بمكانة شي جينبينغ الشخصية، سواء في الداخل أو على الساحة الدولية.

يتعين على واشنطن أن تثبت للصين أن ربط نفسها بمجموعة من الخاسرين لن يكون طريقاً إلى النفوذ العالمي.

ولكن كيف يمكن إنجاز هذا الهدف؟ في ما يتعلق بروسيا، يعني ذلك منع بوتين من تحقيق أهدافه الاستراتيجية في أوكرانيا. وسيتطلب الأمر دعماً دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً مستداماً من الغرب بدرجة كافية لتمكين القوات الأوكرانية من إيقاف التقدم الروسي الحالي، وإذا لم تتمكن من استعادة الأراضي المحتلة فعليها في الأقل إقامة خط تماس ثابت بين القوات الأوكرانية والروسية. سيسمح هذا الوضع لكييف بالمضي قدماً في بناء دولة ذات سيادة ومزدهرة وديمقراطية وغير فاسدة، تتكامل بصورة متزايدة مع المؤسسات الاقتصادية والأمنية الأوروبية.

وفي ما يتصل بإيران، فإن هذا يعني إحباط طموحات طهران في الهيمنة على الشرق الأوسط. ومن الممكن تحقيق ذلك جزئياً من خلال دعم إسرائيل في توجيه ضربات قوية ضد إيران ووكلائها، "حماس" و"حزب الله" والحوثيين وغيرهم، من أجل إعادة إرساء الردع وفتح الطريق أمام شرق أوسط أكثر استقراراً. وسوف يتيح هذا الاستقرار مواصلة عملية المصالحة بين إسرائيل وجيرانها العرب، وبداية مستقبل أكثر إشراقاً للفلسطينيين، وفرصة للشعب اللبناني لتحرير بلاده من هيمنة "حزب الله".

وبالنسبة إلى كوريا الشمالية فهذا يعني إثبات أن هوس بيونغ يانغ بالأسلحة النووية والوسائل اللازمة لإطلاقها لن يمنحها الأمن أو النفوذ على جيرانها. وسوف يتطلب ذلك تعزيز القدرات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وحلفاء وشركاء إقليميين آخرين للعمل مع الولايات المتحدة في سبيل ردع كوريا الشمالية والدفاع ضد أي عمل عسكري قد تقوم به، وكل هذا بهدف تحقيق تقدم مستمر نحو منطقة حرة ومفتوحة وسلمية في المحيطين الهندي والهادئ.

إعادة تقييم وجودية

كل خطوة من هذه الخطوات من شأنها أن تخدم مصالح الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها، بغض النظر عن الرسالة التي ستوجهها إلى الصين. ولكن إذا نفذت بنجاح فقد تدفع بكين إلى الحد من التزامها تجاه مغامرات شركائها المارقين الفاشلة، بل وحتى التراجع عن هذا الالتزام في نهاية المطاف.

هناك أسباب وجيهة للاعتقاد أن إعادة التقييم هذه ممكنة لأن شي عدل مساره تحت الضغط من قبل. فقد تخلى بصورة مفاجئة عن سياسة "صفر كوفيد" عندما واجه احتجاجات في الشوارع وغيرها من مظاهر الاستياء الشعبي الواضحة. واستجابة للاستراتيجية الأميركية تجاه الصين التي صيغت خلال إدارتي ترمب وبايدن غير نهجه تجاه الولايات المتحدة. وفي بداية فترة ولايته بدا أن شي خلص إلى أن الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة كانا في حال انحدار حتمي مما يمثل فرصة للصين لتعزيز مكانتها على الساحة العالمية، لكن رد الفعل الأميركي القوي المدعوم بإجماع واضح من الحزبين والاستثمار الاستراتيجي الحقيقي والجبهة الموحدة مع الأصدقاء والحلفاء، دفع شي إلى إعادة النظر في الوضع. وكانت النتيجة قراراً بإعادة التواصل مع الولايات المتحدة بما في ذلك الاجتماع مع الرئيس جو بايدن في سان فرانسيسكو خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في محاولة لوقف التدهور في العلاقات الأميركية الصينية.

ومن خلال كبح جماح مغامرات شركاء شي في المحور بصورة حاسمة يمكن لواشنطن أن تدفعه لتغيير مساره مرة أخرى، ومن المؤكد أن القيام بذلك سيكون من مصلحته. فإذا أدى تهور شركائه إلى حال مستمرة من عدم الاستقرار والصراعات المتزايدة عالمياً، فسيتحمل شي نفسه جزءاً كبيراً من اللوم لمنع الحزب الشيوعي من الوفاء بوعوده بجعل الصين "اقتصاداً متقدماً من المستوى المتوسط" بحلول عام 2035 و"دولة اشتراكية قوية وديمقراطية ومتحضرة ومتجانسة وحديثة" بحلول عام 2049. إن النهج الأميركي المناسب قد يجعل شي يدرك أن التخلي عن محور الخاسرين يصب في مصلحته.

     ستيفن هادلي مدير في شركة الاستشارات الدولية "رايس، هادلي، غايتس، ومانويل" وقد شغل منصب مستشار الأمن القومي الأميركي من عام 2005 إلى عام 2009.

مترجم من "فورين أفيرز"، 1 نوفمبر 2024

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل