الانقسام السياسي الحاد في لبنان واستمرار تعطيل تشكيل حكومة تعيد بعض الثقة في إمكانية معالجة الأزمات المتراكمة، انعكسا تفلتاً في سعر صرف الدولار الذي لامس مستوى 10000 ليرة للدولار الواحد (بعد أن كان يساوي 1500 ليرة لبنانية) في ظل مخاوف من مزيد من التدني في قيمة العملة الوطنية، ما ينعكس على القدرة الشرائية والمعيشية للمواطن اللبناني الذي أصبح دخله الشهري بين الأدنى في العالم.
الحد الأدنى للأجور في لبنان محدد عند 675 ألف ليرة، كانت تساوي قبل الأزمة 450 دولاراً، أما اليوم، ومع تفلت سعر الصرف، أصبح الحد الأدنى للأجور يساوي 70 دولاراً بدخل أقل من الحد الأدنى في إيران المحدد عند 360 دولاراً، وموريتانيا حيث الحد الأدنى 111 دولاراً، وأقل من بنغلادش المحدد عند 95 دولاراً.
والخطر الأكبر يكمن في تدني قيمة رواتب العاملين في القطاع العام من مديرين عامين في إدارات الدولة الرسمية وأمنيين وحتى قضاة.
وبحسب متابعة لـ"الدولية للمعلومات":
-الرواتب الدنيا
بعدما كان الراتب الأدنى في الدولة هو 633 دولاراً أميركياً انخفض إلى مئة ودولار فقط.
-الرواتب العليا
التراجع أصاب أيضاً الرواتب العليا فانخفض راتب المدير العام من 3000 دولار إلى 478 دولاراً.
-رواتب العسكريين
أصاب التراجع أيضاً رواتب وتعويضات العسكريين من مختلف الرتب والدرجات، فأصبح راتب اللواء وتعويضاته في الدرجة السابعة، وهي الأعلى في القوى الأمنية (بعد رتبة العماد في الجيش) يقارب 900 دولار بعدما كان يقارب 5637 دولاراً، أما راتب الجندي في الدرجة الأولى، وهي الأدنى، فقد أصبح 138 دولاراً بعدما كان سابقاً 864 دولاراً.
-رواتب القضاة
تراجعت رواتب القضاة الأعلى من 6233 دولاراً الى 995 دولاراً، ورواتب القضاة الأدنى أصبحت بقيمة 480 دولاراً.
-أساتذة الجامعة اللبنانية
تراجعت رواتب أساتذة الجامعة اللبنانية الأعلى من 5617 دولاراً إلى 896 دولاراً.
-أفراد الهيئة التعليمية
كما تراجعت رواتب أفراد الهيئة التعليمية الأعلى من 3497 دولاراً إلى 558 دولاراً.
فكيف يمكن أن يستمر هؤلاء في خدمة الوطن والمواطن أمنياً وإدارياً وقانونياً إن لم يستطيعوا إطعام أولادهم؟
العاملون في القطاع الخاص
تقدر الدراسة أن نحو خمسة في المئة من المؤسسات الخاصة لا تزال تدفع للعاملين رواتب بالدولار الأميركي، وقسماً آخر وزع الراتب مناصفة بين الدولار والليرة اللبنانية، وهناك قسم ثالث اعتمد سعر 3900 ليرة لدفع الرواتب، وقسم لم يعد يدفع سوى 50 في المئة من الراتب المحدد بالليرة اللبنانية، والقسم الأكبر أبقى الرواتب كما هي بالليرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العاملون في القطاع التجاري والصناعي
تتراوح رواتب أكثرية العاملين في القطاع التجاري والصناعي بين مليون ليرة و2.5 مليون ليرة لبنانية، أي كانت هذه الرواتب تتراوح ما بين 666 دولاراً و1.666 دولاراً، وانخفضت اليوم إلى ما بين 106 دولارات و266 دولاراً.
العاملون في القطاع المصرفي
يعد العاملون في القطاع المصرفي من بين الأفضل من حيث الرواتب التي تدفع على 16 شهراً، وتتراوح ما بين 630 ألفاً و14 مليون ليرة، وكمتوسط 3.4 مليون ليرة، أي ما كان يوازي 2.266 دولاراً وأصبح اليوم 361 دولاراً.
مساعدات اللاجئين تفوق رواتب اللبنانيين
وتخصص الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 27 دولاراً كدخل للاجئين السوريين والعراقيين شهرياً، كما تخصص مبلغاً يتراوح بين 250 دولاراً و350 دولاراً كمساعدات شتوية لزوم التدفئة وشراء المحروقات، ما يعني أن دخل عائلة من أربعة أفراد يصل شهرياً إلى 108 دولارات و158 دولاراً خلال فصل الشتاء بمستويات مضاعفة عن الحد الأدنى لأجر اللبناني، وتضاف إليها المساعدات التربوية والاستشفائية التي تؤمنها المنظمات لللاجئين، التي تشكل عبئاً إضافياً على اللبنانيين، كما يستفيد اللاجئون من مساعدات غير محددة من منظمات أخرى بينها الصليب الأحمر الدولي.
سقوط الإدارة الحكومية وانحدار القطاع الخاص
أدى ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية إزاء الليرة اللبنانية إلى انخفاض في قيمة الرواتب والأجور للعاملين في لبنان، إذ إن أكثر من 95 في المئة من العاملين يتقاضون رواتبهم بالليرة بحسب الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين.
وتفيد الأرقام بأن نسبة التضخم في العام 2020 تتراوح بين 85 في المئة و120 في المئة، وهناك استحالة لتصحيح الأجور بهذه النسبة أو أية نسبة أدنى، فالدولة تدفع شهرياً نحو 1000 مليار ليرة رواتب وأجوراً للعاملين والمتقاعدين وهذا يوازي 90 في المئة من دخل الدولة الذي تراجع كثيراً، كما أن القطاع الخاص في معظمه على شفير الإفلاس وصرف العمال، ما قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة، من هنا تصبح خطورة الأزمة في تراجع القدرة الشرائية وعدم إمكانية زيادة الأجور، وكلما ارتفع سعر الدولار كلما زادت الأزمة، وهذا الواقع، بحسب شمس الدين، سيؤدي إلى سقوط الإدارة الحكومية وانحدار القطاع الخاص.
رشوة أو هجرة
وستشهد الدولة اللبنانية ترهلاً في الإدارة وتفشياً للفساد وهجرة للكفاءات بحثاً عن فرص في الخارج، فالقاضي لن يقبل بدل عمله أقل من 1000 دولار شهرياً، وهو سيكون أمام خيارين، الهجرة أو القبول بالرشوة، والأستاذ لن يقدم على عمل مقابل أقل من أربعة دولارات يومياً أي 100 دولار شهرياً، وكذلك في القطاع الخاص العناصر ذات الكفاءة لن تبقى تعمل بهذه الرواتب، من هنا، يرى شمس الدين، شبح الانهيار المقبل بوتيرة سريعة، فارتفاع الدولار يعجل الانهيار خصوصاً إذا تجاوز عتبة الـ10 آلاف ليرة وهي عتبة نفسية عندها قد يقفز قفزات أعلى.
استحالة استمرار الدعم
تجمع كل الأطراف على صعوبة استمرار دعم السلع لفترة طويلة مقبلة، يتابع الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، ما سيؤدي إلى أزمة كبرى، فمثلاً، لو وصل سعر صفيحة البنزين إلى 100 ألف ليرة في حال رفع الدعم كلياً، واستمرار ارتفاع الأسعار عالمياً، وفي ظل عدم وجود النقل العام، كيف سيأتي الموظف إلى عمله؟
وأيضاً، إذا عمدت مؤسسة كهرباء لبنان إلى زيادة ساعات قطع الكهرباء، بالتالي زاد الاعتماد على المولدات مع ارتفاع سعر المازوت، قد تصل الفاتورة الشهرية إلى 600 ألف أو 800 ألف ليرة، أي تفوق الحد الأدنى للأجور، كما ارتفاع سعر الدواء وغيره من الأساسيات، من هنا، وكي لا نصل إلى الانهيار الشامل في الأشهر المقبلة، يجب وقف دعم السلع والتوجه إلى دعم الليرة للحد من ارتفاع الأسعار وإعادة القدرة والقوة للرواتب بالليرة.
ويطرح شمس الدين مع وقف الدعم، إعادة دفع الودائع للمودعين بالعملات الأجنبية بنسبة، 0.5 في المئة من الوديعة بحد أدنى 500 دولار، وحد أقصى 4000 دولار شهرياً عوضاً عن دفعها بالليرة على سعر 3900 ليرة (سعر المنصة الذي حدده مصرف لبنان).
وهذا الأمر يؤدي إلى حركة سيولة بالدولار ما يدفع اللبنانيين الذين يدخرون دولارات في منازلهم إلى الدفع بالدولار لأن السيولة بالليرة أصبحت قليلة، وهكذا يقدر شمس الدين أنه في غضون ثلاثة أشهر، في موازاة ضخ مليار دولار شهرياً، سينخفض سعر الدولار ويستفيد الجميع.
وتبقى العقبة الأساسية في وجه أي استقرار لسعر الصرف، عدم تشكيل حكومة جديدة تكون موثوقة تعمل لإخراج لبنان من الكارثة والانهيار الكبير.