عاد الحديث في شأن إصلاح جامعة الدول العربية إلى الواجهة، إثر التجديد لوزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط، لولاية ثانية من خمس سنوات على رأس الأمانة العامة للجامعة، وهو المنصب الذي تطالب الجزائر بتدويره إلى جانب نقاط أخرى عدة ترى أنه من الضروري مراجعتها.
اجتماع عربي بالقاهرة يثير تساؤلات
وعلى الرغم من أن أبو الغيط أعلن عقب اختتام الدورة الـ 155 العادية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري التي عُقدت في القاهرة، أن وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم أبلغه استعداد الجزائر ورغبتها في تحمل مسؤوليتها باستضافة القمة العربية المقبلة، وأن التجهيزات الخاصة بالموعد قد تم الانتهاء منها، الا أن غياب بوقادوم طرح تساؤلات عدة، بخاصة في ظل تجديد الثقة بالأمين العام لولاية ثانية تبدأ من 1 يوليو (تموز) المقبل، ومطالبة الجزائر بعدم احتكار بلد المقر، أي مصر، لهذا المنصب.
وقال أبو الغيط في مؤتمر صحافي، إن الوزير الجزائري تحدث عن توقيت ليس بعيداً لعقد القمة، مشيراً إلى أنه "كان مقرراً أن يحضر بوقادوم الاجتماع الوزاري، لكن الإغلاق في بلاده منع حضوره".
وأبرز الأمين العام أن "الجائحة تعقّد الموقف في ما يتعلق بعقد القمة العربية، وننتظر الموعد الذي يطرحه الجانب الجزائري على الأمانة العامة التي ستنقله إلى الدول العربية الأعضاء"، معرباً عن أمله بأن يكون خلال أشهر قليلة.
جامعة تحكمها توازنات ومحاور
وبحسب مدير مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف السويسرية، حسني عبيدي، فإن المطالبة بتنفيذ الإصلاحات داخل الجامعة العربية ليست أمراً جديداً، "فقد طالب وزير الخارجية الجزائري الأسبق، عبد العزيز بلخادم، بتدوير منصب أمين عام الجامعة من دون أن يجد نداؤه استجابة من قبل الهيئة ولا من الأعضاء المؤسسين، بسبب تشبث مصر بأن يكون المنصب لمصلحة دولة المقر، لتكتفي الجزائر بمنصب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية".
وأضاف عبيدي أن "كلمة بوقادوم أمام الاجتماع السابق للمجلس الوزاري للجامعة العربية تعكس بأن الجزائر ستبقى متشبثة بالمطالبة بإدخال إصلاحات على هيكلية وطريقة تسيير الجامعة العربية، وهو مدخل لتجنب إقصاء دولة عضو أو تجميد عضويتها".
ورأى عبيدي أن "قدرة الجزائر محدودة في تمرير مشروعها نظراً إلى أن الجامعة تحكمها توازنات داخلية ومحاور متقلبة لا ترغب في دخولها، مما يبقيها خارج التأثير، ناهيك عن أن الدول الأعضاء لا ترغب في إعطاء الجامعة دوراً جديداً، ولا تفعيل أدائها على حساب مصالحها الوطنية، كما أن تنشيط الجامعة على المستويين الإقليمي والدولي لا يخدم أجندتها".
انتقادات ومطالب
وكان بوقدوم شدد في كلمته أمام الدورة 154 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، التي انطلقت افتراضياً "عن بُعد" برئاسة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، على أهمية إصلاح العمل العربي المشترك للاستجابة للتحديات الإقليمية والدولية"، مبدياً أمله بأن تكون قمة الجزائر المقبلة "محطة فارقة في مسار هذا الإصلاح كما كانت عليه قمة الجزائر 2005". وأبرز بوقادوم أن "ملف إصلاح العمل العربي المشترك يبقى من أهم النقاط التي نتفق جميعاً على ضرورتها وأولويتها"، مضيفاً أن ملف إصلاح الجامعة "يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى العلاقة العضوية بين دور الجامعة العربية وإصلاح هياكلها وأساليب تسييرها بما يمكنها من الاستجابة للتحديات الإقليمية والدولية".
وقال، "نريد جامعة تجمع وجامعة تُحترم من الجميع وجامعة نتكئ عليها عند الحاجة".
كما انتقد بوقادوم دور الجامعة حالياً، موضحاً أنه لا توجد نية سياسية لإصلاحها، مما يكشف عن حجم امتعاض الجزائر من تراجع المجموعة العربية عن المشاركة في صناعة المشهد العالمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موازين القوى
من جهة أخرى، شكك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، في انعقاد القمة بسبب فيروس كورونا، وفق ما صرح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في لقاء مع الإعلام عُقد أخيراً.
وقال لونيسي إنه "في ظل فشل دول الجامعة في تحديد موعد لعقد اللقاء، كيف سيكون الحال مع التناقضات والصراعات التي خلفتها أحداث الربيع العربي؟"، مضيفاً "لا أعتقد بحدوث تقدم في المسائل الخلافية التي عادة ما تتحكم فيها التحالفات والمصالح والعلاقات الإنسانية المباشرة".
تفاهمات
من جهة أخرى، فإن قول وزير خارجية مصر، سامح شكري، خلال اجتماع القاهرة الوزاري، إن "عودة سوريا إلى الحاضنة العربية كدولة فاعلة ومستقرة أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي، إلا أن ذلك يفترض أن تظهر سوريا بشكل عملي إرادة للتوجه نحو الحل السياسي المؤسس على قرارات مجلس الأمن"، في مقابل التصويت على ولاية ثانية من خمس سنوات لمصلحة الأمين العام أحمد أبو الغيط، يفتح الباب أمام حديث مراقبين عن تفاهمات بين أعضاء الجامعة حول بعض النقاط الخلافية من أجل التوصل إلى تسوية هادئة تضع حداً لضعف العمل العربي المشترك.
وفي السياق، قال الأمين العام لتحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة، بكي بن عامر، إنه "لا وجود لنيات حقيقية من أجل تحديد تاريخ انعقاد القمة، على الرغم من تطمينات أبو الغيط، لكن نعتقد أن الموعد سيُحدد في النصف الثاني من العام الحالي"، مضيفاً أن "الجزائر على موعد مع انتخابات برلمانية ومحلية، مما يجعل قرار تنظيم القمة العربية يخضع للتفكير". ولفت بن عامر إلى أن مطلب تدوير منصب الأمين العام لا يصدر عن الجزائر فقط، وإنما أيضاً عن قطر وتونس، إذ أصبح إصلاح الجامعة العربية ضرورياً".