يجري الحديث في الجزائر عن نجاح "تجارة المقايضة" التي باشرتها الحكومة مع دول الجوار، خصوصاً الجنوبيين، بشكل جعل الاقتصاديين يفضلونها على التعامل المباشر مع الدول الأوروبية والعربية، الأمر الذي دفع السلطات إلى توسيع دائرة المنتوجات المعنية بالعملية في محاولة للعودة إلى أحضان أفريقيا.
نتائج جيدة وتشجيعات
وكشفت مديرية التجارة عن تصدير بضائع محلية نحو السوق الأفريقية بقيمة تفوق 170 مليون دينار جزائري، أي أكثر من مليون و270 ألف دولار، في إطار تجارة المقايضة الحدودية، مقابل ما قيمته 100 مليون دينار جزائري، نحو 750 ألف دولار من الواردات، خلال السنة الماضية، مشيرة إلى أن الصادرات شملت بنسبة كبيرة مالي والنيجر، بالإضافة إلى بلدان أفريقية أخرى.
وشملت تلك الصادرات التمور والملح المنزلي، ومنتجات بلاستيكية والألمنيوم والحديد والفولاذ، ومنتجات صناعات تقليدية وبطانيات، مقابل المواشي من إبل وأغنام وأبقار، ومنتجات الحناء والشاي الأخضر والتوابل، واللحوم المجففة، إلى جانب الذرة البيضاء والأرز والبقول الجافة وبعض الأقمشة.
ولتشجيع هذا النشاط، تعمل مديرية التجارة على تعريف المتعاملين التجاريين بالفرص التي أتاحتها السلطات العمومية لترقية تجارة المقايضة وتنويع الصادرات في إطار التجارة الخارجية بعد توسيع القائمة إلى 14 سلعة مرخص بتصديرها في هذا الإطار.
أرضية لولوج الفضاء الأفريقي
وفي السياق ذاته، أكد أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه يمكن اعتبار تجارة المقايضة كأرضية تعتمد عليها الجزائر اليوم لولوج الفضاء الأفريقي، وقال إن الأرقام المسجلة مشجعة لعدة أسباب أولها أن السوق المحلية في جنوب البلاد يتم تمويلها بسلع من دول أجنبية من دون الحاجة إلى عملة صعبة، وهذا أمر مهم، ثانياً أن السلع التي يتم تصديرها في إطار المقايضة هي منتجة محلياً، وهذا مسعى مهم أيضاً، مضيفاً أن أفريقيا اليوم تشهد تطوراً كبيراً متسارعاً بسوق تعد من أكبر الأسواق في العالم بـ1.3مليار نسمة، وبحجم تبادل يصل إلى 300 مليار دولار، يتوقع البنك الدولي أن يصل إلى 1000 مليار دولار في حدود 2030، ويضم العديد من التكتلات، منها 8 اقتصادية، حسب الاتحاد الأفريقي، كما أن أفريقيا دشنت سنة 2021 بدخول اتفاقية منطقة التبادل الحر الأفريقي حيز التنفيذ بـ52 دولة من بين 55 دولة، ما يسمح للمنتجات الجزائرية بالاستفادة من إعفاءات جمركية تصل إلى 90 في المئة، وهي فرصة كبيرة جداً للجزائر إذا تم استغلالها جيداً.
وتابع الحيدوسي أنه لإنجاح العملية لا بد أن تكسب المنتجات الجزائرية ميزة تنافسية، وهذا لا يتم إلا بتوفير مجموعة من العناصر أولها البنية التحتية من طرق وسكك حديدية، بالإضافة إلى إصلاح المنظومة المالية، كما يجب أن ترافق البنوك الجزائرية المصدرين، ويكون لها عدة فروع خاصة في دول الساحل، بالإضافة إلى فتح فروع للمنتجين الجزائريين لتسويق المنتجات في الخارج، كل ذلك يتم عبر مرافقة دبلوماسية وإعلامية بخلفية اقتصادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصدير 14 منتجاً مقابل استيراد 36
وأكد وزير التجارة، كمال رزيق، بخصوص تجارة المقايضة، أن الجزائر ارتأت تنشيط أداء التجارة والمؤسسات بالمناطق الجنوبية المعنية بالعملية، مشدداً أنه يستحيل حل كل العوائق اللوجيستية التي هي وليدة سنوات، خلال سنة أو سنتين، وقال "تمكنا من فتح المعابر الحدودية الجنوبية، واعتبر أن هذا في حد ذاته يعد إنجازاً"، داعياً المتعاملين الاقتصاديين الخواص إلى دخول مجال نقل السلع لتحقيق التكامل.
ومنحت مديرية التجارة تراخيص لممارسة تجارة المقايضة الحدودية مع مالي والنيجر، تسمح بتصدير 14 منتجاً جزائرياً، في حين تشمل قائمة المنتجات المسموح باستيرادها في إطار هذا التبادل التجاري 36 منتجاً، وسخّرت لجنة خاصة للإشراف على معاينة ومراقبة المنتوجات والبضائع موضوع المقايضة من حيث شروط الجودة والسلامة الصحية.
التوجه جاء نتيجة مشاكل الاقتصاد
وتأتي نتائج "تجارة المقايضة" مع دولتي مالي والنيجر، لتؤسس لعودة اقتصادية جزائرية جديدة إلى أفريقيا، قد يتم استغلالها لاختراق دبلوماسي يخدم توجهات ومصالح الجزائر، كما تسعى الحكومة من خلال إعادة بعث هذه التجارة العودة إلى عمقها الأفريقي وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وكذلك لتنويع صادراتها في ظل صعوبة اقتحام القارة الأوروبية بسبب المنافسة القوية.
الإعلامي المهتم بالشأن الاقتصادي، محمد وليد مدكور، أبرز في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه قبل الحديث عن دور تجارة المقايضة في عودة الجزائر لأحضان أفريقيا، يجب الإشارة إلى أن هذا التوجه جاء نتيجة المشاكل التي يعانيها الاقتصاد الجزائري جراء تراجع عائدات تصدير النفط منذ عدة سنوات، وقال إن "المنتجات المحلية يمكن تسويقها في الدول الأفريقية كمرحلة أولى، لأننا لا نستطيع المنافسة في أوروبا"، مضيفاً أن عودة الجزائر إلى عمقها الأفريقي سيسمح لها ببعث حركية اقتصادية بين المحافظات الحدودية ودول الجوار، فهناك سلع جزائرية عليها طلبات كبيرة في مالي النيجر، وتصل إلى وسط وغرب أفريقيا، كالتمور والملح المنزلي ومنتجات بلاستيكية والألمنيوم والحديد والفولاذ ومنتجات صناعات تقليدية وبطانيات، لكن "علينا كذلك التعريف والتسويق للمنتجات الجزائرية وتحيين قائمة المنتجات المدعمة كالعجائن والحبوب".
قرار غير كافٍ
من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي، سليمان ناصر، في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي، أن قرار تنظيم تجارة المقايضة قرار صائب أملته الظروف الاقتصادية والمالية للبلاد، غير أنه يبقى غير كافٍ كونه يقتصر على 4 محافظات جنوبية دون سواها، ويتم مع دولتين مجاورتين فقط، وهما النيجر ومالي، ولا يغوص إلى العمق الأفريقي، مقترحاً توسيع الدائرة بتعديل القرار لتكون تلك المحافظات هي المنفذ والعبور، ولا مانع أن تنتقل السلع إلى باقي أرجاء البلاد، متسائلاً عن المانع في توسيع العملية إلى دول أفريقية أخرى، خصوصاً الحدودية، مثل موريتانيا.