علينا الكفّ عن الحديث عن أجور الممرضات والممرضين. وقبل أن يبدأ الناس في التفكير في أنني قد ذهبت إلى المقر الرئيس لحزب المحافظين الحاكم كي استهلك قسراً برميلاً من شراب الحكومة السحري الذي يجعلك تصدق مزاعمها المحكومة بالفشل، ينبغي بي أن أشرح في ما يلي ما أريده من ذلك.
ليست هذه دعوة لوضع حد للجدال في رواتب الممرضين. بل إن عبارة "رواتب الممرضين"، التي تجدها أينما نظرت إلى وسائل الإعلام، كما أن السياسيين يستخدمونها بانتظام، فهي تخلق مشكلة لأن أعضاء الفريق التمريضي ليسوا الوحيدين الذين وجهت إليهم الحكومة إهانة من خلال اقتراحها السخيف برفع الأجور بنسبة 1 في المئة (وفق ميزانيتها الأخيرة).
نحن نعرف أن الممرضين والممرضات قاموا بتضحيات استثنائية، وجازفوا بحياتهم، وشاهدوا الناس يموتون، وقد يحتاجون إلى المساعدة في مواجهة الصدمة الناجمة عن تعاملهم مع هذه الحالات (أنا أعرف بحكم تجربتي الشخصية، أن اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يكون جحيماً) خلال الجائحة. وهذا الأمر هو الذي تسبب في الجدال الدائر حالياً.
غير أن حصر النقاش بالممرضات ينطوي على تجاهل حقيقة أن "خدمات الصحة الوطنية" NHS تضم فريقاً هائلاً مؤلفاً من عدد كبير من المهنيين وأن رعاية المرضى داخله تتطلب عمل فرق كبيرة تضم بين أعضائها أصحاب الاختصاصات المتعددة، والتي يمثل الممرضون (والأطباء) فئة منها.
مساعدو الرعاية الصحية، المتخصّصون بالعلاج الطبيعي، والمهني، وسائقو سيارات الإسعاف، والمسعفون، وعمال التنظيف (لا تقلل من أهمية دورهم) والحمّالون (كذلك لا تقلل من شأن عملهم) ومقدمو الطعام والمستشارون النفسيون للمنكوبين، جميعهم لعبوا أدواراً مهمة في المعركة ضد فيروس كوفيد-19.
إنها مجرد مجموعة منتقاة من المهن التي تذكرتها في عجالة لأنها مؤلفة من مهنيين مألوفين بالنسبة لي، بناءً على تجربتي المديدة في المستشفى، التي اشتملت على فترة طويلة في قسم العناية المركزة، قبل نحو عشر سنوات.
دعوني أتذكر آخرين بينهم، أولئك المسؤولون عن حجز الأسرة، وموظفو الاستقبال وحراس الأمن. أعتذر إذا لم تكن مهنتك مذكورة بين هؤلاء، ولكنني أستطيع بسهولة أن أضع قائمة أطول وأكثر دقة تحتاج إلى عمود كامل لاستيعابها.
وحتى أولئك الذين لم يتعاملوا بشكل مباشر مع المصابين بفيروس كوفيد-19، ولم يواجهوا بالتالي خطراً مباشراً يهدد حياتهم، فهم كانوا يعملون تحت ضغط شديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما تهدأ الجلبة وتستقر الأوضاع، يثبت أن بعض الأشخاص الذين يقومون بأدوار داعمة (في القطاع الصحي) يتمتعون بتأثير كبير، كما هو الحال مع موظفي الاستقبال في عيادات الأطباء العامين ممن يقضون ساعات بلانهاية وهم يحاولون إقناع الناس بقبول عروض التطعيم.
ومع ذلك، فإن الحديث يبقى كله عن الممرضين وحدهم.
ويعود سبب هذا، ولو جزئياً، إلى أن الممرضين هم القطاع الأبرز من غيره بين كوادر "خدمات الصحة الوطنية". ومن الممكن تعليل هذا في أن كلمة ممرضين تلقى صدى بين الجمهور عموماً. إنها أقدر على إثارة مشاعرنا من العبارة البديلة "كوادر خدمات الصحة الوطنية" التي تعتبر ملاءمة أكثر لجذب اهتمام الناخبين.
لكن إذا حصرنا المناقشة بالممرضين، سنجازف بتجاهل مساهمات الآخرين ممن ذهبوا أيضاً إلى أبعد مما يستدعيه نداء الواجب. ولعل الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، فهو ينطوي على مشكلة سياسية محتملة.
وعندما يتصل الأمر بأجور موظفي "خدمات الصحة الوطنية"، من الواضح أن الحكومة خرجت عن رغبة الرأي العام ولم تعد منسجمة معه. ويدرك ذلك عدد من ممثلي حزب المحافظين في مجلس العموم من غير المكلفين بأي مهمة حكومية. ولن تذهب القضية بعيداً الآن، بل ستبقى حاضرة بعدما تم تحويل المسؤولية إلى هيئة مراجعة الأجور. كما أنه لن تكون هناك فضيحة ملَكية كل أسبوع كي تحوّل الأنظار عنها.
تكمن قضية التركيز على الممرضين في أنها توفر فرصة للحكومة لاستمالة الجمهور من خلال إعطاء الممرضين شيئاً يكفي لإسكاتهم، وتتجاهل بقية قطاعات "خدمات الصحة الوطنية".
هذا لن يكون سهلاً كما يبدو، لأن "خدمات الصحة الوطنية" تعتمد نظام أجور كبيراً ومعقداً يستند إلى تقييم المهن المختلفة ثم يصنّفها في مجموعات عدة. وهكذا يمكن أن يكون الممرض أو الممرضة في المجموعة نفسها مع متخصّص بالعلاج الطبيعي أو مع فني أشعة.
لكن هناك درجة من المرونة في هذا النظام تؤدي على سبيل المثال إلى تقديم رواتب أساسية إضافية لأصحاب بعض المهن التي تعاني الخدمة من نقص فيها. وهناك حالياً الآلاف من المناصب الشاغرة في القطاع التمريضي. لهذا ثمة حل محتمل بالنسبة للحكومة.
هناك احتمال آخر هو دفع "مكافأة كوفيد". وهو ما فعلته كل من أسكتلندا وإيرلندا الشمالية، لجميع كوادر "خدمات الصحة الوطنية" لديها.
من شأن الاقتصار على دفع مبلغ كهذا للمرضين، إثارة انقسامات واسعة، ليس فحسب عند حرمان المتخصصين بالعلاج الطبيعي منه، على سبيل المثال، ممن يعملون مع الممرضين في فريق واحد، ويقضون أوقاتهم في نقل مرضى كوفيد- 19 المتواجدين في حالة غيبوبة. كما أنه يزعج الكثير من الممرضين، الذين يميلون عموماً للتعاطف مع الآخرين، حيث يجدون أنفسهم ملتزمين بأداء مهمتهم.
لكن منذ متى تراجعت هذه الحكومة بالذات عن اتخاذ إجراءات تسبب الانقسام؟
تجدر الإشارة إلى أن المكافآت أيضاً أدنى بكثير من الزيادة في الراتب الأساسي. وفي حين أن الحصول عليها أمر حسن، فهي تعتبر عديمة الفائدة تماماً عند تقديم طلب لنيل قرض عقاري، على سبيل المثال، لأنها دفعة يحصل عليها المرء مرة واحدة فقط. غير أن هذا الجانب لايهمك إذا كان جل هدفك هو استغلال المكافآت كخدعة صغيرة لكسب ود الجمهور واستمالته لصالحك.
بما أن كل هذا صحيح، ومع أن ما نقوله لن يكون قوياً بالدرجة نفسها، نحن بحاجة للحديث في كثير من الأحيان عن "كوادر خدمات الصحة الوطنية" والإهانة التي لحقت بهم.
وإذا كان عليك حقاً أن تستخدم كلمة "ممرضين"، فلربما استطعت القول، في الأقل، "الممرضين والعاملين الآخرين في خدمات الصحة الوطنية". وهذا شيء فعله ستيف ريد، وزير المجتمعات في حكومة الظل العمالية، لتصحيح نفسه بذكاء أثناء مناقشته هذه القضية في برنامج "Question Time" الذي تبثه "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي).
مجموع الإصابات التي أعاني منها حملتني على أن أكنّ تقديراً خاصاً للمتخصّصين في العلاج الطبيعي، بيد أن الآخرين ستكون لديهم قصصهم الخاصة بهم في إطار الفرق العاملة داخل مؤسسة "خدمات الصحة الوطنية" الواسعة والتي لا تحظى بالتقدير الذي تستحقه، مع أنها تشكل أكثر المؤسسات الوطنية إثارة للإعجاب. لا نستطيع السماح للحكومة بنسيان أن جميع موظفي "خدمات الصحة الوطنية" يشكلون فريقاً واحداً حين يتعلق الأمر بقضية المكافآت.
© The Independent