تراهن الطبقة السياسية في الجزائر كما المجتمع المدني على انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة إلى حد ما، بعد تصريح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بأنه "تمت إحاطة موعد 12 يونيو (حزيران) 2021 بكافة ضمانات النزاهة، لبناء دولة المؤسسات بإرادة الشعب من خلال الاختيار الديمقراطي الحر وعبر التنافس الشريف".
صدى لتعهدات تبون
وتتسابق تشكيلات سياسية عدة ومواطنين على سحب استمارات الترشح، مقابل توسع دائرة المقاطعين ولو بشكل بطيء، ما يكشف عن وجود صدى للتعهدات التي قدمها تبون بضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، وأيضاً عن "قبول بارتياح" ما جاء في قانون الانتخابات الجديد.
وجاء في رسالة الرئيس الجزائري بمناسبة "عيد النصر"، أنه "على يقين بأن الشعب الجزائري، لا سيما الشباب الذي زرع بوعيه في الحراك المبارك، أمل الجزائر الجديدة، سيتجنّد لبناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات التي تُبنى بإرادة الشعب من خلال الاختيار الديمقراطي الحر وعبر التنافس الشريف في الأفكار في 12 يونيو المقبل، الذي تمت إحاطته بكل ضمانات النزاهة"، مضيفاً "إننا مدعوون اليوم وبمشاركة الطبقة السياسية والمجتمع المدني والتنظيمات والنقابات والنخب لإحداث القطيعة الجذرية مع ممارسات الخزي والوبال".
ومن أجل الالتزام بوعوده، أمر تبون، خلال ترؤسه مجلس الوزراء الأخير، باتخاذ كل الترتيبات المتعلقة بدعم وتشجيع مشاركة الشباب في تشريعيات 12 يونيو المقبل، تجسيداً لانتخابات ديمقراطية تعبر عن التغيير الحقيقي، حيث طالب بمجانية القاعات والملصقات الإشهارية وطبعها لفائدة المرشحين الشباب، مع تكليف الأجهزة التابعة للولاة لاستحداث الآلية المناسبة إدارياً، مع ضرورة وضع كل الوسائل المالية والمادية تحت تصرف السلطة المستقلة للانتخابات، بغية تمكينها من القيام بمسؤولياتها في أحسن الظروف.
نسبة مشاركة قوية
في السياق، أكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب أنه "في ظل التعديلات التي شهدها القانون العضوي للانتخابات في نسخته الأخيرة، والتي أعطت الفرصة للشباب لاقتحام النشاط السياسي وافتكاك مقاعد في البرلمان المقبل، وإثبات أحقيتهم في المشاركة السياسية والبناء المؤسساتي الذي سيثمر لا محالة إعادة بناء الجزائر الجديدة. وأمام ضمانات الرئيس تبون، بالنزاهة الانتخابية من خلال مجموعة من الإصلاحات والآليات التي تضبط العملية، فإن نسبة المشاركة ستكون قوية"، مبرزاً أن "إصرار بعض الأحزاب على الانسحاب من الساحة السياسية لأسباب تبقى مجهولة إلى غاية الآن، يفسح في المجال أمام التشكيلات السياسية الجديدة والقوائم الحرة من أجل ضمان مقعد واحد على الأقل في كل محافظة".
صون أصوات الناخبين
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن ألف قائمة سحبت استمارات الترشح واكتتاب التوقيعات، على مستوى المحافظات الـ58 والمناطق الأربع في الخارج، بعد أسبوع على انطلاق العملية. وقال رئيس الهيئة محمد شرفي في مؤتمر صحافي، إن "حوالى 680 استمارة ترشيح تم سحبها من قبل 49 من الأحزاب السياسية، إضافة إلى 300 استمارة أخرى لمرشحين في القوائم المستقلة". ووصف شرفي الأرقام بأنها "مؤشرات جيدة تؤكد وجود إقبال وتنافس على المقاعد البرلمانية"، مؤكداً أن "الهيئة، وبالنظر إلى الخبرة التي اكتسبها أعضاؤها ومندوبوها خلال الاستحقاقات الماضية، عازمةً على تنظيم انتخابات تشريعية تُصان فيها أصوات الناخبين". وأشار شرفي إلى أنها مصممة على "إنجاح الاستحقاق الانتخابي المقبل مهما كانت الظروف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاطعة محتشمة
وعلى الرغم من هذا التسابق على سحب استمارات الترشح، ترتفع بشكل بطيء قائمة المقاطعين لموعد 12 يونيو المقبل، حيث أنه وبعد أسبوع من إعلان "حزب العمال" عدم المشاركة في الانتخابات، قرر "حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، السير على خط المقاطعين، بسبب ما اعتبره "عدم توافر الظروف السياسية والمناخ الصحي الذي يمكن أن يضمن نزاهة الانتخابات المقبلة".
وأشار رئيس الحزب، محسن بلعباس، إلى أن السلطة "تتأهب لمهزلة انتخابية جديدة في 12 يونيو المقبل، وسط أجواء يطبعها القمع واحتجاز سجناء الرأي، وتقييد الحريات الفردية والجماعية، والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من أنه سبق لها أن تلقت صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة والتاريخية لصناديق الاقتراع، في الرئاسية نهاية 2019 والاستفتاء على الدستور في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي"، مضيفاً أن "السلطة تسعى من خلال تنظيم الانتخابات المقبلة، إلى التهرب من أزمة الشرعية وشلل المؤسسات، وهي أمور يُفترض أن تجعل من الحوار السياسي الشامل ضرورياً لبناء توافق ديمقراطي يتم تنظيمه وتأطيره بطريقة تسمح لكل المشاركين بالمساهمة في صياغة خريطة طريق للخروج من الأزمة، يوافق الجميع عليها ويحترمها، وبشكل يُبقي المؤسسة العسكرية في منأى عن أي تأثير أو تفاوض سياسي".
وكانت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، أكدت عدم مشاركة حزبها في هذا الموعد، وقالت إن "الانتخابات هي محاولة بائسة لإنقاذ النظام المتعفن غير القابل للإصلاح، وتتنافى مع تطلعات الغالبية التي طالبت برحيله، كما أنها لن تعزز الديمقراطية وفقاً للقانون الانتخابي الخطير، بل تسمح، وعبر جهاز سياسي، بتأسيس نظام شمولي وشرعنة الفساد السياسي وتعميمه، وهي موعد للقضاء على التعددية الحزبية وتدمير التعددية السياسية، ونتائجها محسومة سلفاً".
نهاية الريع السياسي
ورأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إدريس عطية أن "سباق البرلمان انطلق فعلياً، ومعركة إعداد القوائم بدأت، وما على الشباب إلا التجند بقوة للاستحقاقات المقبلة سواء كمرشحين من خلال قوائم حزبية ومستقلة، أو كناخبين، من أجل بناء مرحلة سياسية جديدة في تاريخ الجزائر"، مشيراً الى أن "حزب العمال اتخذ قرار المقاطعة بعد أن تأكد من نهاية زمن الريع السياسي، وأن الانتخابات المقبلة يضبطها الصندوق الانتخابي". وأوضح عطية أن "الجزائر قطعت العهد مع التزوير ولا يمكن للصندوق إلا أن يكون شاهدَ حق يعكس الإرادة الشعبية ويحترم حق الاختيار". وختم قائلاً "نتمنى أن تنسحب الأحزاب المرفوضة شعبياً من ساحة المنافسة السياسية، لإعطاء الفرصة للأحزاب الحيوية التي يختارها الشعب ويزكيها الشباب وتحتضنها الكفاءات".