فتح تهافت المجتمع المدني في الجزائر على سحب استمارات الترشح للانتخابات البرلمانية المقررة في 12 يونيو (حزيران) المقبل، أبواب التشكيك في نوايا السلطة التي وعدت باستحقاق نزيه، إذ أثار العدد الكبير لقوائم المستقلين انتقادات واسعة ومخاوف.
انتقادات وتخوف سياسي
ووصفت الطبقة السياسية عملية الترشيح بـ "التعويم المقصود" الذي يستهدف المنافسة على السلطة، بعد أن قدمت أكثر من 1000 قائمة مستقلة ترشيحها، وأكدت "حركة مجتمع السلم"، أنها لا تريد المجتمع المدني بديلاً ينافس الأحزاب السياسية على الحكم، لأن مهامه المتعارف عليها هي في مجالات علمية وثقافية وخدماتية، وشددت على أن الأحزاب الحقيقية التي لها قدرة على ضمان استقرار الوطن هي الأحزاب التي تمتلك منظومة سياسية ثابتة ومستقرة ونافعة للجزائر.
كما دانت "جبهة القوى الاشتراكية" سعي السلطة لإعادة إنتاج المجتمع المدني ليحل محل الأحزاب السياسية، بينما انتقد "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، عودة السلطة إلى ممارساتها السابقة باستغلال المجتمع المدني وتوظيفه في خدمة أجنداتها، في وقت عبّرت "جبهة المستقبل" عن استيائها لإعادة إنتاج جديد لمنظمات كانت في خدمة نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومشروع العهدة الخامسة.
تعويم محصول
ويرفض أستاذ علم الاجتماع السياسي، مصطفى راجعي، وصف ما يحدث بـ "بالتعويم المقصود"، وقال إنه تعويم محصول لأنه وقع نتيجة تراكمات، إذ إننا "في مرحلة انتقال من نظام قديم كان قائماً على دعم أحزاب السلطة"، مضيفاً أنه من المنطقي أن يجد النظام الجديد صعوبة في الاعتماد على الأحزاب القديمة، لأن سمعتها سيئة وقادتها موجودون في السجن بسبب الفساد، وعليه يبحث عن قوى سياسية جديدة نظيفة ونزيهة تشارك في الانتخابات المقبلة، وتقوم بشغل الفراغ السياسي وإعطاء النظام شرعية هو في حاجة إليها من أجل تمرير القوانين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح راجعي، أنه بسبب استعجال النظام السياسي الجديد استكمال البناء المؤسساتي من خلال تنظيم الانتخابات في شهر يونيو المقبل، ولأن هذه الأجندة لا تسمح ببروز أحزاب سياسية جديدة، ظهر المجتمع المدني مستغلاً التسهيلات التي قدمها قانون الانتخابات الجديد، ومحذراً من أن قوائم المستقلين ربما تكون غطاء للأحزاب السياسية المنبوذة للظهور وإعادة التموقع، ما قد يضع النظام السياسي الجديد في ورطة، إذ إنه بطريقة غير مقصودة يكون قد فتح مجال العودة للقوى التقليدية الانتهازية والفاسدة التي دعمت النظام القديم، من أجل الاستفادة من النظام الجديد والفرص والمكاسب والمناصب الفارغة التي تنتظر من يشغلها، ولهذا هناك تعويم محصول وليس مقصود.
تشجيع رسمي
وتعهد الرئيس عبد المجيد تبون بتوفير كل الدعم المادي لتمويل حملات الشباب المرشحين في القوائم المستقلة، وأمر بتوفير القاعات التي تنظّم فيها التجمعات الانتخابية لصالح القوائم المستقلة للشباب مجاناً، وكذلك التكفل بطبع الملصقات والإعلانات الدعائية والإشهارية مجاناً لصالحهم، بخلاف القوائم التي ستترشح باسم الأحزاب السياسية، في تحول لافت أعطى دفعاً قوياً للشباب، وعزز رغبتهم للترشح ومنافسة قوائم الأحزاب، ما يسمح بترقب تغيير في المشهد السياسي العام بعد 12 يونيو المقبل.
من جانبه، أكد رئيس السلطة المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، في تصريحات إعلامية، أن المجتمع المدني هو شريك أساسي لضمان استقلالية السلطة وضمان نزاهة الانتخابات، وقال، "المجتمع المدني هو أساس المرجعية الوطنية وقد أثبت وجوده في مقاومته السياسية، وأصبح مهماً في مرحلة تقييم السياسات العامة وشريكاً في إعدادها ومراقبتها للوصول بالجزائر إلى برّ الأمان تنموياً وفي مجال الحوكمة"، مشدداً على أن "النخبة اليوم هي حصن للدولة الجزائرية".
القوة الضاربة
على خلاف ما سبق، يرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، جمال الدين ساسي، أن النظام يتجه لتكرار تجربة "حزب التجمع الوطني الديمقراطي"، الشريك السابق في الحكم إلى جانب "جبهة التحرير الوطني"، إذ تأسس الحزب على أنقاض تكتل جمعيات من المجتمع المدني من أجل مرافقة الرئيس الأسبق اليمين زروال، مضيفاً أن الرئيس تبون، وعلى الرغم من أنه يرفض التحزب غير أن المؤشرات توحي إلى تفضيله الثوب السياسي الجديد، وقد وجده في المجتمع المدني الذي يتهيأ لأن يأخذ مكانه في المشهد السياسي.
ويتابع ساسي أن النظام الجديد القديم يراهن على المجتمع المدني لإحداث التغيير على الأقل صورياً، بشكل يعيد الحيوية للنشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه يمكن القول إن المجتمع المدني بات القوة الضاربة للنظام.