أثار إعلان الجيش اللبناني عزمه بيع ثماني طائرات عسكرية في مزايدة علنية، سلسلة تساؤلات حول مدى ارتباط هذا الإجراء بالأزمة المالية التي يمر بها لبنان، والتي تمددت إلى مجمل القطاعات، وعصفت بالمؤسسات الرسمية، ومن ضمنها الجيش اللبناني، والذي تآكلت قيمة رواتب عناصره لأدنى المستويات، وبات راتب الجندي في الدرجة الأولى أقل من 140 دولاراً، بعدما كان سابقاً يوازي الـ850 دولاراً، بالتزامن أيضاً مع سلسلة إجراءات تقشفية اتخذتها القيادة العسكرية لضبط نفقاتها، وطالت وجبات العناصر اليومية، والتي أصبحت خالية من اللحوم.
وفي هذا السياق أشار مصدر عسكري إلى أن الجيش يواجه مجموعة من الشائعات غير البريئة والمضللة للرأي العام، وقال "بعض تلك الشائعات يعكس الواقع المرير الذي يمر به الشعب اللبناني، إلا أن البعض يريد عن سوء نية إظهار الجيش ضعيفاً وعاجزاً لضرب هيبته، وترهيب المواطنين من باب الحديث عن الجيش"، موضحاً أن قرار بيع الطائرات لا يتخطى الإجراء الروتيني في إطار تحديث معدات الجيش؛ كونها معطلة وبعض قطاع الغيار غير متوفرة لها، وهي خارجة عن الخدمة منذ سنوات عدة.
وأكد أن قرار بيع المقاتلات والمروحيات لا يتعلق بالوضع الاقتصادي الحالي في لبنان، بل إن الجيش اللبناني يعمل على هذه الخطة منذ 2018، ضمن مشروع متكامل لاستبدال طائرات الـBulldog، المخصصة للتدريب الابتدائي، والتي من المتوقع خروجها من الخدمة في السنوات الخمس المقبلة. ولفت إلى أن الجيش يخطط لشراء طائرة حديثة لإطفاء الحرائق، إضافة إلى طائرات تدريب أولي "سوبر موشاك" من باكستان في حال نجاح المفاوضات، بثمن الطائرات المعروضة للبيع.
ويمتلك لبنان سبع مقاتلات من طراز "هوكر هانتر" كانت تقدمة عسكرية من بريطانيا، وتوقفت خمس منها عن العمل منذ عام 1990، في حين خرجت المقاتلتان المتبقيتان عن الخدمة منذ عام 2011 بسبب فقدان قطع الغيار.
أما فيما يتعلق بطائرات الهليكوبتر "سيكورسكي" المعروضة للبيع، فيوضح المصدر أن الجيش حصل عليها في عام 2009 كهبة من شركات خاصة بهدف القيام بمهام إطفاء الحرائق، وقد تراجعت قدراتها التشغيلية بسبب الافتقار إلى الصيانة وغياب قطع الغيار، في حين أن إعادة ترميمها تكلف أكثر من 70 في المئة من سعرها الأساسي، كما أن تكلفة طيرانها ساعة واحدة تتجاوز خمسة آلاف دولار، وهي تكلفة باهظة مقارنة بالمروحيات التي تقوم بالمهمة نفسها.
الـ"سيكورسكي"
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تسببت طوافات الـ"سيكورسكي" بضجة في الرأي العام، حين شب أكثر من 100 حريق بشكل متزامن في المناطق اللبنانية، لتكشف النيران المشتعلة عن أن تلك الطوافات قد أحيلت إلى التقاعد منذ زمن، وأنها لم تخضع للصيانة بسبب عدم تخصيص الأموال اللازمة لها في ميزانية الجيش، فكانت تلك الضربة الأولى لإبعادها عن المشهد العام.
وكانت وزارة الدفاع الوطني اللبنانية قد دعت إلى مزايدة عامة في الحادي عشر من مايو (أيار) المقبل لبيع خمس طائرات مقاتلة من طراز "هوكر هانتر"، وثلاث طائرات هليكوبتر "سيكورسكي" من طراز S-61، داعية الأطراف المهتمة إلى تقديم عطاءات على هذه الطائرات المستعملة، وفق دفتر الشروط التي أعلنها الجيش اللبناني على موقعه استناداً لمرسوم أقرته الحكومة اللبنانية نهاية يونيو (حزيران) في العام الماضي.
هيكلة الأسطول
بدورها، كشفت مجلة "الدفاع الأميركية" عن أن ثلاث شركات أبدت اهتماماً بطائرات "الهوكر هنتر" على وجه الخصوص، وهي الشركة البريطانية "هوكر هنتر أفييشن"، وكذلك الشركات الأميركية "إيربورن تكتكال" و"لورتي أفييشن"، مشيرة إلى أن تلك الشركات تميل إلى شراء الطائرات القديمة لتجديدها واستخدامها في التدريب.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن قائد القوات الجوية اللواء زياد هيكل، أن البيع جزء من جهود الخدمة لإعادة تخصيص أصولها وإعادة هيكلة أسطولها لتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة. فطائرات "هوكر هنتر" وطائرات هليكوبتر "سيكورسكي" معطلة لسنوات عدة في ظل غياب الموارد المالية لصيانتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت هيكل إلى أن "هذا المزاد العلني سيكون الخطوة الأولى لإعادة هيكلة أسطول التدريب وقدرات مكافحة الحرائق"، مضيفاً أن القوات الجوية وضعت خطة خمسية مستقبلية تهدف إلى ضمان صيانة المعدات والحفاظ على القدرات الحالية وتعزيز مخزونها بشكل تدريجي، كاشفاً عن أن خطة التعزيز تعتمد على مضاعفة عدد الطائرات الهجومية الخفيفة A-29 Super Tucano من ست إلى 12، والحصول على مروحيات MD530F، إذ من المتوقع أن يتم تسلم ست منها بحلول نهاية عام 2021، بالإضافة إلى طائرات Scan Eagle من دون طيار، وأن "هذه الترتيبات تقضي بأن يشمل كل سرب ما لا يقل عن 12 طائرة أو مروحية من النوع ذاته".
حماية الأجواء
ويمتلك لبنان ست طائرات من طراز A-29 Super Tucano تم تسليمها إلى القوات الجوية كجزء من برنامج المساعدات العسكرية الأميركية. ويتلقى سلاح الجو اللبناني نحو 30 إلى 40 في المئة من مساعدات سنوية تبلغ بين 50 و60 مليون دولار.
وبخصوص الخطة الخمسية، قال هيكل إنه يريد "امتلاك القدرات الجوية التي تسمح بحماية الأجواء اللبنانية من أي عدوان أو انتهاك، وهو ما يبقى أحد الأهداف الاستراتيجية للجيش والقوات الجوية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تأمين البنية التحتية للمطارات المتاحة، وتأمين رادار، وشبكة دفاع جوي مناسبة، بالإضافة إلى توفير طائرات اعتراض جوي حديثة".
ويشير تقرير نشرته "ديفنس نيوز" إلى أن لبنان يفتقر إلى الركائز الأساسية الثلاث لتأمين مجاله الجوي بشكل فعال: شبكة رادار، وأنظمة دفاع صاروخي، وطائرات مقاتلة، وهي تطلعات مستقبلية، لكن الأزمة الاقتصادية كانت وما زالت عائقاً للتنفيذ.
من بوش إلى بايدن
ويحتل لبنان المرتبة الخامسة عالمياً بين الدول التي تتلقى أكبر نسبة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة. وقد رفعت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش دعمها السنوي إلى الجيش اللبناني من 1.5 مليون دولار ضمن برنامج "التعليم والتدريب العسكري الدولي" في عام 2005، إلى برنامج مساعدات عسكرية أساسية بقيمة تناهز 85 مليون دولار سنوياً، وقد تجاوزت حتى الآن ملياري دولار. وتشمل المساعدات التدريب والتسليح والمساعدات العينية، لكنها لا تشمل المساعدات المادية، في وقت يمارس فيه الجيش سياسة تقشف، حيث قلص عدد الدورات التدريبية وألغى بعضها، كما ألغى كثيراً من أسفار ضباطه إلى الخارج بغرض عصر النفقات في هذه الظروف.
وعلى الرغم من التغيرات في الإدارة الأميركية، تؤكد مصادر دبلوماسية أميركية عمق العلاقة الاستراتيجية بين الجيشين اللبناني والأميركي، والتزام الإدارة الأميركية الجديدة بدعم الجيش والحرص على وحدته واستقراره في مواجهة الأزمة التي يمر بها لبنان.
بريطانيا وفرنسا أيضاً
وكان الجيش اللبناني قد تسلم منذ بداية السنة مجموعة من المساعدات العسكرية أبرزها ثلاث مروحيات من طراز "هيوي" من الولايات المتحدة الأميركية بقيمة 32 مليون دولار، يتوقع أن تشكل جزءاً حاسماً من عمليات الجيش اللبناني الأمنية الحدودية والبرية. كما تسلم 100 آلية نقل خفيفة مصفحة مقدمة هبة من السلطات البريطانية، تم توزيعها على أفواج الحدود البرية لتنفيذ المهمات الاستطلاعية والأمنية. وفي وقت سابق قدمت بريطانيا نحو 100 مليون دولار للمساعدة في بناء أبراج مراقبة وتدريب أفواج الحدود البرية مع سوريا.
وفي السياق نفسه، أفادت السفارة الفرنسية في بيروت بأنها سلمت الجيش اللبناني في الأيام الماضية هبة عسكرية بلغت قيمتها أكثر من 4.2 مليون يورو، وتضمنت 50 محطة إطلاق نار من طراز "ميلانو" و100 كاميرا مراقبة وإطلاق نار ليلي، بالإضافة إلى المعدات ذات الصلة.
ومنذ عام 2017، قدمت فرنسا للوحدات العسكرية اللبنانية معدات تبلغ قيمتها ما يقارب 60 مليون يورو، كما وفرت التدريب لمئات من الكوادر العسكرية اللبنانية، سواء أكان ذلك في لبنان أو في فرنسا. وعلى مدى العامين الماضيين، طورت فرنسا تعاوناً خاصاً في مجال مكافحة الإرهاب والأمن البحري وتعليم اللغة الفرنسية في المؤسسة العسكرية.