بعد جلسة أداء الحكومة الكويتية لليمين الدستورية في 30 مارس (آذار) الماضي، عبَر رئيسها ووزراؤها فخ مجلس الأمة الكويتي، وما صاحبها من أزمات بين نواب المعارضة والحكومة لعرقلتها وعدم تمكينها من القسم، إلا أن أجواء الاحتدام ستعود في الأيام المقبلة لتشعل أزمة سياسية داخلية من جديد بين الحكومة والبرلمان.
إذ من المحتمل أن يقدّم عدد من نواب المعارضة استجوابات متتالية للوزارات السيادية التي يتولاها وزراء من الأسرة الحاكمة، يأتي في مقدمتها وزارة الخارجية والدفاع والداخلية والصحة، وهي سياسة ستنتهجها كتلة المعارضة في الفترة المقبلة، بعد أن تم تحصين رئيس الوزراء وتأجيل الاستجوابات التي قدمت له إلى نهاية دور الانعقاد الثاني، بحسب بعض النواب.
وتهدف استراتيجية كتلة نواب المعارضة الذين يملكون قرابة نصف مقاعد المجلس، إلى الضغط على الحكومة حتى تمتثل لطلباتهم التي تقدموا بها مسبقاً، أبرزها فتح ملفات الفساد وهيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان من خلال دعم الحكومة لرئيس المجلس مرزوق الغانم، والتدخل في تشكيل لجان المجلس من قبل الحكومة، والمماطلة الحكومية في تقديم برنامج عملها، وهو ما اعتبره نواب المعارضة إخلالاً بالالتزام الدستوري الذي يفرض عليها تقديم البرنامج فور تشكيلها، إضافة إلى الملف الأكثر سخونة وهو العفو الشامل لنواب المعارضة في الخارج.
خيار الحل
وحول إمكانية حل مجلس الأمة بعد تكثيف حجم عدد الاستجوابات التي ستقدم خلال الأيام المقبلة، قال الدكتور أحمد مطيع، وهو قانوني ونائب في مجلس الأمة، إن "كل الخيارات متاحة أمام الأمير، وستستمر الأزمة باستمرار مجلس الأمة الحالي ورئاسته الحالية"، وطبقاً للدستور فإنه يحق لرئيس الوزراء إذا رأى "عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة". ويضيف، "إذا قرر البرلمان بالأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن، وتصبح الحكومة أمام ضرورة الاختيار بين المجلسين"، بحسب مطيع.
وربما تكون هذه هي أول أزمة سياسية كبيرة يواجهها أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الصباح، الذي تولى زمام الحكم في سبتمبر (أيلول) 2020، بعد وفاة أخيه الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الشيخ نواف قال للنواب في افتتاح البرلمان الجديد في 15 ديسمبر (أيلول) 2020، إن "هناك حاجة لوضع برنامج إصلاحي شامل لمساعدة البلاد في الخروج من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود، وإنه لا يوجد متسع من الوقت لافتعال الأزمات"، مضيفاً أنه "لم يعد هناك متسع لهدر المزيد من الجهد والوقت والإمكانات، في ترف الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات، والتي أصبحت محل استياء وإحباط المواطنين، وعقبة أمام أي إنجاز".
وخسر ثلثا أعضاء مجلس الأمة مقاعدهم في الانتخابات التي جرت في تلك الانتخابات، وحقق مرشحو المعارضة مكاسب في نتائجها، الأمر الذي من شأنه أن يعزز حالة الشد والجذب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما سيؤدي بالضرورة إلى جمود يصيب الحياة السياسية.
أزمة جديدة فوق الأزمات الاقتصادية
ويواجه الاقتصاد الكويتي، المعتمد بالأساس على مورد وحيد هو النفط، عجزاً يبلغ 46 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي انتهت في مارس (آذار) 2021، بسبب جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط، وفقاً لوزير المالية.
وللتغلب على هذه المعضلة تسعى الحكومة إلى تمرير مشروع قانون الدين العام، الذي يسمح لها باقتراض 20 مليار دينار (66 مليار دولار) على مدى 20 عاماً.
بدوره، قال نائب رئيس مجلس الأمة أحمد الشحومي، إنه سيواصل حضور الجلسات المقبلة وعدم مقاطعة أية جلسة، مؤكداً أن الخلاف مع المعارضة "كلفنا مزيداً من الهجوم غير الأخلاقي، فنحن نتعرض يومياً لسيل من الشتائم والانتقادات الجارحة نظراً لقناعاتنا ومواقفنا"، مبيناً أن "الحكومة ووزراءها وبعض النواب مع عمر عملهم القصير قدموا العديد من القوانين والتشريعات الهامة، لذا فإن المرحلة المقبلة من عمر المجلس تتطلب منا جميعاً أن نضع أيدينا مع بعض ونترك أي خلافات من أجل مصلحة وطننا".
لكن هذا الموقف لا يبدو توافقياً، إذ أكد النائب المعارض محمد المطير على تمسكه بعدم التعاون مع الرئيسين، رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمة، وطالب برحيلهم من المشهد السياسي كله، وذلك لـ "مخالفتهما الصريحة للدستور والقانون، وإهدارهما الصريح لحقوق الشعب وممثليه المنتخبين، وعليه فإن قرار تأجيل الاستجوابات الحاضرة والمستقبلية هو والعدم سواء بالنسبة إلينا وللأمة".
وأوضح أن ما حدث في جلسة المجلس الأخيرة التي أدت بها الحكومة اليمين الدستورية مثّل "مخالفة صارخة وخروجاً جسيماً على دستور الدولة، وحريات الشعب وحقوق ممثليه المنتخبين، وهي لن تمر مرور الكرام، فسنظل نتعقب تلك الحكومة لغاية تحقيق مطالبنا الإصلاحية".
بدوره، أعلن النائب أحمد مطيع أنه تقدم باستجواب جديد لوزير الصحة الدكتور باسل الصباح، نظراً لـ "فشله بقرار تمديد حظر التجول الجزئي، وهذا القرار الخاطئ زاد الوضع انتكاساً وسبب ازدحامات بالشوارع والمباني الحكومية والأسواق والجمعيات، وأسهم بزيادة تفشي الوباء".
وبغض النظر عن مدى مصداقية هذه الاتهامات أو الدفاعات من قبل نواب المعارضة أو الآخرين المتصالحين مع الحكومة، إلا أن استعراضها يعطي وضوحاً للمشهد الذي يتجه نحو التأزيم، إذ تسيطر الكتل النيابية المعارضة على حصة كبيرة تقدر بـ24 مقعد من أصل 50 كانت على مقربة من تعطيل تمرير الحكومة، لولا نجاح السلطة التنفيذية في كسب عدد من هذه الأسماء قبيل جلسة اليمين الدستورية، فهل يقود هذا التأزيم العلاقة إلى حل جديد لمجلس الأمة؟