بدأت لقاءات اللجنة المشتركة بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان الذي يترأسه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوى إعلان الحرية والتغيير السبت 27 أبريل (نيسان). ما يعني انطلاق الخطوات الأولى لفك حالة الاحتقان التي يعاني منها المشهد السياسي السوداني، عقب رفض المجلس العسكري تكوين مجلس رئاسي بديل له مكون من المدنيين. وسبق ذلك إعلان قوى الحرية الأسبوع الماضي تعليق التواصل معه، قبل أن تعود الاتصالات، السبت، بين الطرفين، عبر لجنة مشتركة بينهما لحل نقاط الاختلاف.
حلول متوقعة
وأعلن ممثلون عن المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية تفاؤلهم بإمكان التوصل إلى تقارب في وجهات النظر في القضايا الخلافية، في أول لقاء يجمعهما منذ تعليق الاتصال.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم المجلس شمس الدين كباشي أن الاجتماعات ستستمر، وأن "هناك تفاؤلاً بالوصول إلى نتائج إيجابية".
وكشف المتحدث باسم قوى إعلان الحرية والتغيير، مدني عباس، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن الاجتماع الأول للجنة التفاوض، ناقش نقاط الاختلاف. وقال إنهم ينتظرون أقرب فرصة ممكنة للوصول إلى نتائج إيجابية تلبي تطلعات الشعب.
وأوضح أن الجانب العسكري خلال اللقاء برّر وجهة نظره المتشدّدة على وجود مجلس عسكري انتقالي بوجود مهددات أمنية، لكن مع ذلك عبّر جميع الأطراف عن ارتياحهم للطرح المقدم بضرورة تكوين مجلس مختلط من المكون العسكري والمدني.
نقطة الخلاف
تعتبر نقطة تكوين المجلس الرئاسي أبرز نقاط الاختلاف بين الطرفين، والعقبة الرئيسة التي تقف أمام تقدم مسار التغيير السياسي الذي يشهده السودان، إذ تم تجاوز العديد من العقبات الأخرى التي تمثلت في ضرورة الاعتراف بقوى الحرية والتغيير ممثلاً أولَ للمتظاهرين والمعبّر الرئيس عن مطالب الثورة، إلى جانب استبعاد غالبية القوى السياسية التي كانت شريكة في النظام السابق، وذلك على الرغم من إعلان المجلس العسكري الانتقالي استلامه عدداً من الرؤى المرتبطة بالفترة المقبلة من ما يفوق 100 حزب ومكون سياسي في البلاد.
المهدي يدعو إلى التصعيد
دعا رئيس حزب الأمة الصادق المهدي المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم إلى استمرار الاعتصامات والاحتجاجات حتى تحقيق مطالب الشعب. وأعتبر المهدي في مؤتمر صحافي، السبت، توصية الاتحاد الأفريقي بتمديد مهلة تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية في السودان من 15 يوماً إلى 3 أشهر، غير ملزمة للسودانيين. وأوضح ذلك بقوله "ما صدر عن الاتحاد هو توصية، والمدة المقترحة ليست ملزمة لنا، فقد نقوم بالواجب في ظرف أسبوع".
ودعا إلى التعامل مع المجلس العسكري الانتقالي "بالحكمة لا بالانفعال"، وأنه من المهم الاتفاق معه "لتحديد دوره في الفترة الانتقالية". وأمل أن "تعقد السلطة المدنية الانتقالية مؤتمرات قومية واقتصادية ومؤتمراً للعلاقات الخارجية".
وطالب بأن تعقب "المرحلة الانتقالية انتخابات حرة، وعقد مؤتمر قومي دستوري"، وأعلن عملهم المشترك مع المجلس من أجل الاتفاق على إعلان دستوري.
ونوه إلى ضرورة تجريد حزب المؤتمر الوطني والأحزاب المتحالفة معه من الامتيازات غير المشروعة التي حصلت عليها من طريق النظام الذي أتبعته الحكومة السابقة لمنح المناصب للموالين له وإبعاد المعارضين وإحالتهم على التقاعد ضمن ما يعرف محلياً بسياسة "التمكين" التي وصفها المهدي بالجائرة.
وطالب بعدم مشاركة سدنة النظام البائد في المرحلة الانتقالية وإتاحة الحريات وتحقيق السلام الشامل مع الحركات المسلحة.
وتتّسق دعوة المهدي إلى التصعيد وأستمرار الاعتصام مع إعلان "تجمع المهنيين السودانيين"، الأسبوع الماضي استمرار الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش إلى حين تسليم السلطة للمدنيين.
ويعتبر المطلب الأول لقوى الحرية والتغيير هو "مجلس رئاسي مدني"، يضطلع بالمهمات السيادية في الدولة، ومجلس تشريعي مدني، يقوم بالمهمات التشريعية الانتقالية، ومجلس وزراء مدني مصغر من الكفاءات الوطنية، يقوم بالمهمات التنفيذية للفترة الانتقالية.
بوادر عنف
وفي بادرة تعد الأولى من نوعها منذ بدء الاحتجاجت في السودان قبل نحو أربعة أشهر أعتدى مجهلون على اجتماع لحزب المؤتمر الشعبي الذي كان يتزعمه الراحل حسن الترابي، والذي تواجهه تهمة التدبير للانقلاب الذي أتى بالبشير في العام 1989.
ونقل ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صوراً لقيادات من الشعبي تعرضت لإصابات عقب قذفها بالحجارة داخل مقر الاجتماع في العاصمة الخرطوم.
وعبّرت قوى الحرية والتغيير عن رفضها الحادثة، وأوضحت في بيان صادر عنها أنها "تؤمن بالحق في التجمع والتعبير للجميع، فالوطن الذي يعمل ثوارنا البواسل للنهوض به لا مكان فيه للإقصاء أو لأخذ الحقوق بالعنف".
تابع البيان أنه على الرغم من أن "رموز المؤتمر الشعبي يتحملون وزراً كبيراً في ما حدث للبلاد في الثلاثين عاماً الماضية، لكن أي شكل من أشكال الاعتداء البدني أو اللفظي أو التخريب لن يؤسس لوطن يسع الجميع على قاعدة حكم القانون".
وقال القيادي في الحزب أبو بكر عبد الرازق من جهته، إن عشرات المحتجين هاجموا اجتماعهم ورشقوهم بالحجارة. ما أسفر عن إصابة 30 شخصاً على الأقل، بجروح متفاوتة، نقلوا على أثرها إلى المستشفى. وذكر القيادي أن قوات الشرطة حاولت التدخل، لكن المحتجين هاجموها فاضطرت إلى الانسحاب ما استدعى تدخل قوات الدعم السريع التابعة للجيش السوداني التي ألغت الاجتماع.
انسداد أفق
ويحذر المحلل السياسي بشير الشريف من حدوث انسداد في الأفق السياسي نتيجه الأحداث المتواترة التي يشهدها السودان والتي تنذر بانجراف الأوضاع نحو طرق مسدودة.
يضيف "حادثة رشق اجتماع المؤتمر الشعبي بالحجارة لا يمكن النظر إليها كأي حادث عارض في ظل حالة السيولة التي يشهدها السودان الآن، إذ يمثل الشعبي رمزية الانقلاب على السلطة الديموقراطية في العام 1989، وزعيمه الراحل الترابي عراب النظام الذي ثار عليه الشارع الآن. وفي ذلك إشارة إلى قوى الحرية والمجلس إلى أن التهاون في تحقيق مطالب الشعب قد يؤدي إلى منزلقات أمنية خطيرة".
ويتهم الشريف "المجلس بالمراهنة على خيارات متعددة من دون مراعاة عواقبها، وذلك يتضح في رفضه حل نفسه، ثم القبول بالتحاور من أجل تكوين مجلس مدني فيه بعض المكونات العسكرية" ويعتبر الشريف "الرهان على عامل الزمن لإنهاء الاعتصام والمماطلة في تنفيذ المطلب الأساس للمحتجين بنقل السلطة إلى المدنيين قد يدفع الجميع إلى القبول بالأمر الواقع، تقديرٌ خاطئ له عواقب وخيمة".
كما يوجه التحذير ذاته إلى المكونات السياسية التي قال إنها "تحاول فرض أجندات وخيارات حزبية واتصالات منفردة خارج إطار التحالفات السياسية الموجودة الآن، ما قد يهدد استمرار تماسك تحالف كبير مثل الحرية والتغيير".