الهجوم التخريبي الذي تعرّضت له منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، والذي اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراءه، أثار مخاوف من تأثيره في مستقبل المحادثات لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، لا سيما أنه جاء في ختام الأسبوع الأول من مفاوضات فيينا في هذا الصدد، التي تشارك فيها القوى الموقعة على اتفاق عام 2015، بما فيها الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة عبر الوسطاء الأوروبيين.
الاتحاد الأوروبي وروسيا، المشاركان في جهود إحياء الاتفاق النووي، أعربا عن أملهما في ألا "تقوّض الحادثة" محادثات فيينا، ودعت بروكسل إلى "الإسراع في توضيح" ملابسات ما حصل في منشأة نطنز. كما حذّرت ألمانيا، الاثنين، من أن تطورات نطنز "غير إيجابية" بالنسبة إلى المحادثات.
"تعزيز" موقف إيران
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قال من جهته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الثلاثاء في طهران، "إذا ظنت إسرائيل أن الهجوم سيضعف يد إيران في المحادثات النووية، فإنها تكون بذلك لعبت مقامرة بالغة السوء"، مضيفاً "على العكس سيعزز موقفنا". وتابع، "على الولايات المتحدة أن تعلم أنه ليس بإمكانها استخدام الحظر والأعمال التخريبية كأدوات للتفاوض، بل إن هذه الإجراءات ستجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة إليهم".
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، اتهم في مؤتمر صحافي الاثنين، بشكل غير مباشر إسرائيل بتقويض المحادثات الجارية في فيينا لمحاولة إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي تفرضها على طهران منذ انسحابها من الاتفاق عام 2018. وأكد أن "ردّ إيران سيكون الانتقام من الكيان الصهيوني في الوقت والمكان المناسبين".
لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي شدّدت، الاثنين ردّاً على أسئلة بشأن هجوم نطنز، على أن "الولايات المتحدة لم تكن ضالعة في الأمر بأي شكل"، مضيفةً "ليس لدينا ما نضيفه بخصوص التكهنات حول الأسباب أو الآثار". وقالت إنها تتوقع أن تكون محادثات فيينا "صعبة وطويلة"، مردفةً "لم تصلنا أي إشارة على تغيير في المشاركة" من جانب إيران.
محادثات فيينا
وتجرى المحادثات في فيينا برعاية الاتحاد الأوروبي بين ألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وإيران وروسيا، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، بعدما أكد الرئيس جو بايدن نيّته العودة إلى الاتفاق النووي. وقال المشاركون إن محادثات الأسبوع الماضي كانت "بناءة"، ومن المتوقع استئنافها الأربعاء 14 أبريل (نيسان).
وكانت الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق بشكل أحادي عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وأعادت فرض عقوبات أميركية على إيران. وردّاً على ذلك، بدأت طهران منذ عام 2019 التراجع عن معظم التزاماتها بالاتفاق، التي تحدّ من أنشطتها النووية.
هجوم نطنز
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهدت منشأة نطنز حادثاً الأحد، قال المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي إنه ناجم عن "انفجار صغير" في "مركز توزيع الكهرباء"، أدى إلى أضرار يمكن إصلاحها "سريعاً". وقال خطيب زاده الاثنين أنه "من المبكر جداً" تحديد "الأضرار المادية التي تسبّب بها الهجوم"، مشيراً إلى أن أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول قد تضرّرت.
لكن صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية قولهم إن "إسرائيل لعبت دوراً" في ما حصل في نطنز، حيث وقع "انفجار قوي وقد يكون دمّر بالكامل نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض". غير أن السلطات الإيرانية تقول إن تخصيب اليورانيوم لم يتوقف في المنشأة.
وفيما لم تعلق تل أبيب رسمياً على هذه الحادثة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عدة عن مصادر استخباراية قولها إن جهاز "الموساد" نفّذ عملية تخريبية ناجحة في موقع نطنز المبني تحت الأرض.
"طريق مسدود"
وجاء الهجوم بينما كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في زيارة إلى إسرائيل. وقبيل لقائه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رفض أوستن التعليق على الحادثة، مكتفياً بالتأكيد أن الجهود الدبلوماسية الأميركية مستمرة لضمان التزام إيران شروط الاتفاق النووي مقابل تخفيف العقوبات.
وقال مسؤول أميركي لوكالة "رويترز"، مشترطاً عدم الكشف عن اسمه، إن واشنطن ليس لديها ما يدعو إلى الاعتقاد بأن طهران ستغيّر نهجها بسبب حادث نطنز، لكنه أضاف "من السابق لأوانه قول" ما إذا كانت ستفعل ذلك.
وكرر أيضاً وجهة النظر التي طرحها مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي، بأن مطالب طهران بأن ترفع واشنطن كل العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب منذ عام 2017 ستؤدي إلى طريق مسدود. وأضاف، "إذا كان موقفهم هو... أننا يجب أن نرفع كل العقوبات، ونرفعها أولاً، ثم بعد ذلك يتحققون من الأمر، ثم يتخذون خطوتهم الأولى، فهذه وصفة إلى حالة من الشلل". وقال، "نأمل في أن يتبنّوا نهجاً عملياً أكثر".
"خرق كبير"
وبعد أكثر من 24 ساعة على الهجوم، لا تزال ملابساته وطريقة تنفيذه وحجم الأضرار الناجمة عنه غامضة، لكن تداعياته السياسية ربما تكون مهمة.
وفي إشارة إلى حجم الضرر الذي قد يكون لحق بموقع نطنز، أصيب كمالوندي، المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، بجروح وكسور إثر وقوعه في حفرة بعمق أكثر من ستة أمتار أثناء زيارته المنشأة للتحقق من الأضرار، وفق ما قال لتلفزيون إيراني محلي من سريره في المستشفى.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن خبراء متابعين لبرنامج إيران النووي، قولهم إن انقطاع الكهرباء عن المنشأة يشير إلى خرق كبير للموقع. وأوضحوا أن منشأة نطنز تضمّ بالقرب من أجهزة الطرد المركزي، خط كهرباء احتياطياً للحالات الطارئة، يهدف إلى مدّ الأجهزة بالطاقة إذا انقطعت عنها الكهرباء، كي تنطفئ ببطء وأمان من دون أن تتعطّل. وبناءً عليه، يشير الضرر الذي لحق بأجهزة الطرد المركزي إلى أن خط الكهرباء الاحتياطي لم يعمل وقت الحادثة.