بقدر ما للقهوة من اهتمام وتقدير شعبيين، فإنها تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الإثيوبي، ومصدر دخله الأول.
راعي الغنم "كالدي"
تقول الأسطورة الحبشية، التي ترجع أحداثها للقرن التاسع، إن راعي غنم إثيوبي يدعى "كالدي"، لاحظ نشاطاً غير عادي لقطيعه من الماعز عندما تناول ثمرات من إحدى الشجيرات، فأخذ بعضاً منها ومضغها، فشعر بنشوة دفعته إلى أخذ المزيد، وهُرع إلى راهب في دير قريب، وتضيف الأسطورة، أن الراهب رفض مضغ حبات البن وألقى بها في النار، فانتشرت رائحة أدهشت الرهبان الآخرين، ما دفعهم إلى سحق حبوب البن المحمصة على النار، وتذويبها في الماء الساخن، ليولد أول فنجان قهوة في العالم، وتعد منطقة "كافا" مهد البن الإثيوبي وموطنه.
وتُشير روايات أخرى إلى أن أسلاف "أورومو"، المجموعة العرقية الإثيوبية التي ينتشر البن في مناطقها، كانوا الأوائل الذين لاحظوا تأثير ثمرة البن في زيادة الطاقة والنشاط، ومن ثم استهلكها صيادو تلك القبائل أثناء مغادرتهم سيراً على الأقدام مسافات طويلة تستغرق أياماً.
وهناك روايات تشير إلى منتصف القرن 15، عندما اكتشف الصوفي اليمني نور الدين أبو الحسن علي بن عمر الشاذلي، خلال سفره إلى إثيوبيا أن الطيور تتمتع بحيوية غير عادية عند تناولها حبيبات من شجيرات البن، إلا أن الأمر المتفق عليه أن اكتشاف القهوة تم في إثيوبيا التي تعتبر منشأها الأصلي، ويعتمد قسم كبير من السكان في عملهم على زراعة القهوة كمصدر للرزق.
مذاق وطقوس
القهوة الإثيوبية لها مذاقها الخاص وطقوسها المتبعة، فعندما يحل الضيف، تشرع ربة البيت في إعداد القهوة بنفسها، مرتدية الزي الشعبي التقليدي، وتقوم بتجهيز الأدوات، ويبدأ الإعداد بتحميص حبوب البن، التي تسحق لاحقاً قبل إعداد القهوة، ويطلق الإثيوبيون على الفنجان الأول في جلسات القهوة، (أول)، يليه الثاني، ويسمى (تونا)، ثم يختم الحضور مجلسهم بالفنجان الثالث، ويسمونه (بركة)، لتحل البركة على الجميع، ويتكرر هذا المشهد في المناسبات المختلفة، وضمن عادات المسلمين في شهر رمضان، ويكون برنامج القهوة حافلاً طيلة ليالي الشهر المبارك.
أنواع البن الإثيوبي
يقول تاجر البن عبد العزيز محمد ناصر إن "معرفة شرب القهوة كانت منذ القرن 15 من خلال الأديرة الصوفية في إثيوبيا، واليمن، ومن إثيوبيا وجنوب الجزيرة العربية انتشرت القهوة إلى دول أوروبا، وشرق آسيا، وإلى بقية أرجاء العالم بما في ذلك الأميركتان"، ويضيف، "هناك أربعة أنواع لحبوب القهوة، أشهرها "أرابيكا"، وهو النوع الذي تنتجه إثيوبيا، وأيضاً "الروبوستا"، إلى جانب نوعين آخرين أقل شهرة".
وعن أنواع القهوة الإثيوبية، يقول "من أهم أنواعها البن الهرري، وينتشر في منطقة هرر شرق البلاد، وله نوعان "شرق هرر" و"غرب هرر"، والأول أكثر جودة، وهناك "يرقا جفي" في جنوب البلاد، إلى جانب أنواع أخرى عديدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يتعلق بحصاد وتجهيز البن، يضيف ناصر، "يحصد البن من الفروع المليئة بالثمرات، وهناك طريقتان في التعامل مع ثمرة البن، الأولى وضع الثمار في الماء مدة خمس ساعات لإخراج بعض المواد غير المرغوب فيها، وتعرض لاحقاً لأشعة الشمس لتجفيفها، وهناك نوع آخر من البن، لا يتم وضعه بعد جني ثماره في الماء، ويعرض لأشعة الشمس وتنزع منه القشرة لاحقاً". وتعتمد إثيوبيا في تصدير البن على ميناء جيبوتي.
جلسات البن الشعبية
ويقول الباحث الاجتماعي نورو قيتاشو أسفا إن "عادات الإثيوبيين في تناول القهوة لم تتغير منذ القدم على الرغم من تمايزها بين قومية وأخرى، ودخلت بعض الممارسات الجديدة لجهة إعداده وتناوله في المقاهي الحديثة التي انتشرت في المدن، والعاصمة أديس أبابا على وجه الخصوص، كما اتجهت شركات عدة إلى تطوير تجارة البن وتجهيزه في عبوات مختلفة الأحجام".
ويضيف الباحث أسفا "إلى جانب المقاهي الحديثة، اخترقت التقاليد الإثيوبية في الآونة الأخيرة "جلسات البن الشعبية" من خلال الفتيات اللاتي ينشرن أدوات القهوة في أزقة المباني التجارية، وفي بعض الطرقات، وتحت ظلال الأشجار، وفي الحدائق العامة، جاذبين الزبائن من عمال وصغار موظفين"، ويشير إلى أن "الطابع التقليدي للقهوة الذي تتبعه الأسر الإثيوبية في المنازل ما زال سائداً حتى الآن".