وسط خلافات بين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة، وداخل المؤسسة السياسية من جهة أخرى، حول سبل التعامل مع إيران، سواء من حيث الاتفاق النووي أو الضربات التي توجهها إسرائيل ضد أهداف إيرانية، في سوريا وضد ناقلات النفط ومنشآت أخرى، لم ينجح المجلس الوزاري الأمني المصغر للحكومة الإسرائيلية الانتقالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، في حسم السياسة الإسرائيلية في الخيارات العسكرية ضد إيران، لكنه أقر، وفي أعقاب ضغوطات أميركية تخفيف الضربات ضد أهداف إيرانية.
وكان نتنياهو دعا المجلس لاجتماع طارئ لبحث الملف الإيراني، بالتركيز على الخيارات العسكرية، وانتهى الاجتماع من دون اتخاذ قرارات حاسمة على أن يجتمع مرة أخرى قريباً.
وكما في الاجتماعات المغلقة لهذا المجلس، يسعى وزراء فيه إلى تسريب معلومات تعكس أجواء الاجتماع وتوجهه.
واتضح في الاجتماع موقفان متناقضان، حول المفاوضات مع إيران، فبينما عارضها نتنياهو بشدة، دعم رئيس حزب "أزرق – أبيض"، وزير الأمن، بيني غانتس استمرار المفاوضات على أن يتم التوصل إلى اتفاق جيد يتجاوب والمصلحة الإسرائيلية.
ونقل الموقع الاخباري "واي - نت"، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" ما تناوله الاجتماع حول الموقف الإسرائيلي من المفاوضات التي تجري حول الاتفاق مع إيران، وجاء فيه أن "المجلس عبّر عن قلقه من هذه المفاوضات معتبراً ما يعرضه الأميركيون تنازلات تجاوزت حتى ما تريده إيران، بهدف التوصل إلى اتفاق بأي ثمن، فيما إيران باتت مطمئنة بأنه في نهاية المطاف سيتم التوصل إلى اتفاق، وعليه تبذل كل جهودها لتحقيق أكثر ما يمكن من الإنجازات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشارك إلى جانب الوزراء، الذين يتشكل منهم المجلس، مسؤولون في الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية، الذين قدّروا أن مفاوضات فيينا ستصل إلى قرار بالعودة إلى الاتفاق النووي، ليشمل رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، بالتالي عودة إيران إلى تنفيذ التزاماتها بتحديد برنامجها النووي".
وقدّم مسؤولو الموساد والاستخبارات العسكرية بيانات استخبارية، تطرقوا خلالها إلى تقدم إيران في برنامجها النووي، إلى جانب النشاطات الإيرانية في المنطقة، والهجمات البحرية المتبادلة. وتم الاتفاق على التنسيق بين الموساد والجيش حول عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية، بعدما اتضح اتساع الهوة في التنسيق والتعاون بين المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخبارية في إسرائيل، خصوصاً الجيش والموساد.
في المقابل، حذرت جهات أمنية من تداعيات استمرار الهجمات الإسرائيلية ما يلزم إيران بالرد عليها بشكل فوري أو لاحقاً، بالتالي تصعيد أمني تكون أضراره فادحة.
وأكدت هذه الجهات أن على إسرائيل اختيار سياسة تمنع تصعيداً أمنياً، لكنها في الوقت نفسه، عليها العمل لمواجهة الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إلى تحقيقه إيران وهو العودة إلى الاتفاق النووي، بالتالي رفع العقوبات المفروضة على طهران وضمان اتفاق لا يضع قيوداً صارمة للغاية على برنامجها النووي".
رسائل أميركية غاضبة على الضربات العسكرية
من جهة ثانية، كُشف في إسرائيل عن رسائل نقلتها إدارة بايدن إلى الحكومة الإسرائيلية، عبّرت خلالها عن غضبها واستيائها من الهجمات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد أهداف إيرانية، بينها ناقلات نفط وسفن إيرانية، بالتوازي مع إجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي. واعتبرت الإدارة الأميركية هذه الهجمات بمثابة إحراج لها وقد تشكل مساً بالمفاوضات مع إيران.
واتهمت جهات أمنية نتنياهو بالوقوف خلف قرار الهجمات الإسرائيلية في محاولة للضغط والتأثير في مفاوضات فيينا، وفي الوقت نفسه هدف نتنياهو الترويج لحالة طوارئ أمنية للضغط على مختلف الأحزاب الإسرائيلية والموافقة على دعمه لتشكيل حكومة قوية لمواجهة الخطر الأمني المحدق بإسرائيل.
من جهته، خرج السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، جلعاد أردان، بحملة دفاع عن نتنياهو، عبر مقابلة تلفزيونية، نفى خلالها وقوف الأخير وراء أي تصعيد، مشيراً إلى أن لواشنطن وتل أبيب "الغاية ذاتها" وهي منع إيران من الحصول على قنبلة نووية، لكنه أضاف "هذا لا يعني أن الاثنتين تستخدمان ذات الوسائل لتحقيق هذه الغاية".
وكشف أردان أن نتنياهو أوضح للرئيس الأميركي جو بايدن، في الاتصال الهاتفي الوحيد بينهما أن "إسرائيل دولة مستقلة ذات سيادة، وتحتفظ لنفسها بحق الرد واتخاذ خطوات بالطرق التي تراها مناسبة".
وأثارت تصريحات أردان ردود فعل ما بين داعمة ومحذرة من مغبة السياسة الإسرائيلية. واعتبرت بعض الجهات المؤيدة للضربات العسكرية الإسرائيلية أن إسرائيل نجحت في ظل سياستها هذه، في تأخير المشروع النووي الإيراني وتقليص تموضعها في سوريا.
كما اعتبرت هذه الجهات كبح أو تقليص الجهود الإيرانية وليس وقفها، انتصاراً إسرائيلياً كون إيران "في تخلف منذ حوالى عشرين عاماً في السباق إلى النووي، فيما تتخبط في الوحل السوري منذ حوالي عقد من الزمن.
في سياق متصل، قال جدعون فرانك، رئيس لجنة الطاقة الذرية السابق، إنه لا يرى في هذه الأثناء أي تفكير استراتيجي في إسرائيل في الموضوع الإيراني "إنما يرى تفكيراً تكتيكياً". ويعتقد أن على تل أبيب "أن تركز على محاولات التأثير في مواقف الولايات المتحدة في المفاوضات، وليس على تثبيت حقائق على الأرض".
وعبّر فرانك عن قلقه من الوضع الحالي، ما اعتبره البعض انعكاساً لموقف عدد ليس قليلاً من الأمنيين وكبار المسؤولين السابقين في مختلف المجالات، بخاصة الأمنية والاستراتيجية.